الجمعة، 20 يناير 2017

النمر الورقي

التنمُّر لغة هو التشبه بالنمر، وتحديدا عند غضبه، فتنمر الشخص يعني سوء خلقه أو غضبه، ومعنى التنمر في واقع حياتنا وإن حمل تعريف سوء الخلق إلا أنه يمتد إلى ما هو أكبر وأكثر تعقيدا من الحنق والسخط، هو إساءة في شكل إهانة أو استفزاز له أضراره المادية أو النفسية أو الاثنان معا، وقد يكون عن طريق نظرة أو كلمة أو حركة. الهدف منه إما منع المتنمِّر للمتنمَّر ضده عن القيام بفعل، أو حضه على القيام بفعل ما، وكله لخدمة نفسه الأنانية المريضة.
خطورة التنمر تكمن في أسبابه مثل امتدادها في نتائجه، فالمتنمرون هم أشخاص تم التنمر ضدهم من قبل، وبشكل متواصل وشديد من قبل فرد أو أفراد العائلة، أو من مجتمع يتم فيه الحكم ضد أي شيء بالأوصاف السلبية. نادرا ما يكون التنمر من خارج العائلة أو في مجتمع متسامح ومتعايش مع غير المختلف، وفي هذا الحالة يكون احتواء المتنمر ضده -وهو المتنمر المستقبلي نفسه- صعبا.
من أخصب مهود التنمر العنصرية والخوف من المختلف، أو الخسارة، أو حتى الرغبة المحضة في تثبيت وترسيخ المكانة القوية للمتنمِّر في مواجهة المتنمَّر ضده، مثلما تفعل بعض الدول والشركات القوية للدول والشركات الأخرى الضعيفة. وكل هذا يمكن علاجه والتعامل معه بشكل أسهل من التنمر ضد الأطفال في المدرسة أو من قبل أفراد العائلة. فالطفل يرضخ بسهولة للتنمر، وينعكس ذلك على سلوكه من انطواء ومعاداة اجتماعية، وحتى على مستواه الأكاديمي. وقد تكلم أحمد الشقيري في إحدى حلقات برنامج «قمرة» عن التنمر، وعن كون أحد حلول مواجهته هو الاستعانة بصديق قوي يدافع عن المتنمر ضده ويحميه. ومن أهم الحلول تعليم الطفل عدم السكوت إطلاقا عن التنمر. فالمتنمر يقتات على ضعف وسكوت المتنمر ضده، ويتمادى وقتها أكثر فأكثر، لأنه في عينه هو شخص رضخ له ورضي أن يكون في هذا الموقف، وسيقبل المزيد منه دون مقاومة.
نرى التنمر وآثاره كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي في الإساءات والاستفزازات وحتى في النصح المقنع بالطيبة. وأي نصح هذا أمام الملأ؟!
إلى جميع المحافظين على بعض من عقولهم في عالم الجنون الحالي: 
قاوموا وتثبتوا ولا تسكتوا في مواضع الضعف. وإن كنتم في محل قوة فتذكروا الضعفاء وتذكروا بأنكم كنتم وما زلتم ضعفاء. وبأن وجه النمر الملبوس مجرد قناع يمكن إسقاطه من قبل القوي المكين.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...