الخميس، 5 يناير 2017

بوح المرآة السوداء

بدأت مؤخراً بمشاهدة المسلسل التلفزيوني «Black mirror» (المرآة السوداء). ويُقصد بعنوان المسلسل، شاشات الهواتف والأجهزة الذكية التي لا تفارقنا، حتى أصبحت كالمرآة لنا، نرى فيها وجوهنا وأخلاقنا وأرواحنا وعقولنا.
في إحدى حلقات المسلسل الحاملة اسم «الانحدار المفاجئ»، تترابط حياة الناس في المستقبل عبر برنامج تواصل يمكن للآخرين تقييمهم به. فقد يقوم نادل بتقديم القهوة بابتسامة إلى زبون، فيعطيه الأخير تقييماً عالياً ذا خمسة نجوم. وقد يرى شخص ما شخصاً آخر يشتم أحداً في مكان عام، فيعطيه تقييماً منخفضاً ذا نجمة واحدة. ومع كل هذه التقييمات يتكون رقم يصبح ملازماً للشخص كاسمه، ويمكن للآخرين أن يروه عبر البرنامج. في هذا العالم، يكون لأصحاب التصنيف العالي امتيازاتهم ومكانتهم، ولغيرهم مكانهم ووزنهم المساوي لعدد نجومهم.
شدني في هذه الحلقة مشهدان، الأول عندما يطلب الأخ من أخته إظهار حقيقتها، والتوقف عن التمثيل واستجداء رضا الآخرين للفوز بالتقييمات المرتفعة.
هذا المشهد التمثيلي هو واقع البعض في عالم اليوم. أصبح الكثير يركض وراء المشاهير وقائدي جيوش المشاهدين والفولورز، طلباً لرضاهم، حتى وإن عنى ذلك التمثيل وإظهار خلاف الباطن. فنراهم يتبعونهم ويقلدونهم ويحملون الأحلام والمشاعر والتعابير نفسها. كل ذلك من أجل أن يتقبلهم الآخرون، وما هم بمتقبلين المتملقين، المظهرين خلاف ما يبطنونه. هؤلاء لا يعرفون السعادة، ولا الحياة. فالإنسان لا يحيا إلا بنفسه كشخصه، ولا يسعد إلا عبر قيامه بما يحبه هو ويستهويه.
المشهد الثاني، كان وقت قيام البطلة بإعطاء تقييم عال لمدير المحطة الذي تبادلت معه بضع كلمات، وما كان منه إلا أن أعطاها تقييماً منخفضاً، تفاجأت به. سألته عن السبب، فقال ببساطة: «لأن اللقاء لم يكن مثمراً!».
كم لقاء غير مثمر تعرضنا له وقمنا بمجاملة الغير والكذب على أنفسنا كي يتقبلونا؟ في كم مقابلة تصرفنا على غير طبيعتنا، حرصاً على رضا الغير وسعادتهم، وإن عنى ذلك تعاستنا؟
في الحلقة تصوير سوداوي لمستقبل، لا أحد فيه يسامح من يبوح بما يدور في خلده. وفي وقتنا الحالي، بعض من هذا وذاك في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع، ولكن ليس بوضوح وصدمة ما روته «المرآة السوداء». يا ترى هل تنبأت «المرآة السوداء» بالمستقبل؟


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...