الخميس، 29 ديسمبر 2016

بين (ههه) و (هه)


(هـ)
اضحك لتبدو أصغر سناً. هذا ما فكرت فيه وأنا أشاهد مقابلة الكوميدية كارول برنيت -البالغة من العمر 83 عاماً- مع مقدمة البرامج تشيلسي هاندلر. وتشيلسي ذاتها لم تفوت الفرصة لتبوح بما دار في أذهان من يشاهد المقابلة قائلة: أبسبب الضحك والكوميديا تبدين أصغر من عمرك الحقيقي؟
والحقيقة هي أن كل من يضحك يبدو أصغر سناً من أقرانه، أو على الأقل أصغر روحاً. الأشخاص الذين يعرفون كيف يضحكون وأين يجدون النكتة، يعيشون أطول لأنهم يحتالون على الظروف، ويلتفون حول المشكلات بالفكاهة إلى حين عثورهم على المخرج. وهم في رحلتهم هذه لا يتعبون كغيرهم من المتزمتين والعابسين. هم ببساطة يأخذون الأمور ببساطة عبر الابتسامة والضحك وتقبّلهم الأمور بهذا الشكل.

(هـ)
الضحك، لغة عالمية مطلوبة. الكل يريد أن يجلس مع من يضحك ويضحكه. وأشهر العروض والأفلام في كل مكان هي المندرجة في خانة الكوميديا.
الضحك وسيلة لتخفيف التوتر والضغوط واستمالة الآخر. ولهذا تبدأ وتتضمن الخطابات الناجعة نكتة. ولهذا يلقي المتحدثون بين بعضهم البعض بالنكات، لكسر الحواجز أو الثلج، بحسب التعبير الإنجليزي to break the ice.
ولكل مكان نكتته وطبيعة حس الفكاهة الخاصة به. فمن عمق بيئة المكان وساكنيه تولد نكات خاصة به قد لا يفهمها غير قاطنيه، فتجد نكتة الروسي غير مضحكة عند الأميركان، ونكتة الأميركي لا تُفهم في الصين، والصيني يضحك وقت سكوت المصريين، وهكذا. ولربما من ذلك انطلقت واستعرت شهرة مستر بين Mr. Bean المضحك عبر حركاته وإيماءاته، المقلّ في كلماته وحروفه. فالنكات الحركية مفهومة للعالم والشعوب أكثر من المنطوقة، مثل أفلام تشارلي شابلن الصامتة.
ومع ذلك، في وقتنا هذا، نجد الشعوب تتقارب بسبب وسائل الاتصال والنقل، وتجد أرضية واحدة مشتركة للضحك فيها وعليها. وهذه أرضية كافية للتواصل والتقرب وفهم الآخر وغير المختلف. هذه الفكرة طُرحت في الفيلم الأميركي Looking for comedy in the Muslim world، حيث ترسل الحكومة الأميركية ممثلاً كوميدياً إلى باكستان والهند الحاوية لأكثر من 100 مليون مسلم، لمحاولة فهم المسلمين عن طريق معرفة ماذا يضحكهم. الفيلم خرج قبل أكثر من عشر سنوات، واليوم تشوّهت النظرة حول المسلمين أكثر وأكثر حتى أصبح السؤال: هل يضحك المسلمون؟ ومع من؟ وعلى من؟
هذه هي الفكرة السائدة حول المسلمين، في وقت يجب فيه على كل شعوب العالم أن تستخدمه كسلاح ودي لجذب الآخر وتقبله وفتح الحوار معه، بل وخلق التوازن بين ثقافة النكتة وموضة السخرية. هه.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...