الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

ما لا تعرفه عن المتحف الإسلامي

ما يعرفه البعض من المقيمين في قطر، سواء أكانوا مواطنين أم غيرهم عن متحف الفن الإسلامي، لا يتعدى كونه تحفة معمارية عالمية تزين كورنيش الدوحة، بجانب عدد من البنايات والناطحات الأخرى الجميلة، وحتى هذه المعلومة يأخذونها ناقصة بناء على الظاهر، فلا يعرفون أن مصمم المتحف استوحى عمارة البناء من ميضأة بن طولون الموجودة في جامعه في القاهرة، والتي تختلف عن المتحف بأن الأخير بلا قبة، كيلا يخطئه الناظر ظناً بأنه مسجد.
البعض الآخر تمتد معلوماته حول الأحداث والفعاليات والمسابقات التي يقيمها المتحف كل حين وآخر، لا يعرفون بأنها كلها وسائل يستعملها المتحف للوصول إلى غاياته وأهدافه في التوعية حول الفن الإسلامي، وترسيخ الثقافة المتحفية في المجتمع القطري.
ما لا يعرفونه أن دور المتحف أكبر وأسمى بالمسابقات التي يقيمها للمدارس وللطلبة والكتب والجوائز التي يوزعها عليهم تارة، والدورات وورش العمل المقامة للموظفين والزوار تارة أخرى. لا حدود لما يقدمه المتحف من علوم وفن وثقافة، فهو أكبر من حجارة تسند أعمالاً فنية، وجدران تحتوي قصصاً تاريخية، هو مؤسسة تنشر الفن والثقافة الإسلامية، وتُعمق الثقافة المتحفية في مجتمع يحتاج إلى جذور حقيقية تساعده على النمو أكثر وأكثر.
يساعد متحف الفن الإسلامي عبر ما يقوم به من مسابقات على زراعة الثقافة المتحفية في المجتمع، وبرأيي يجب ألا يقتصر ذلك على متحف الفن الإسلامي فقط أو المتاحف الأخرى القابعة تحت مظلة هيئة متاحف قطر، وإن كان بمساعدتهم، بل يجب أن تمتد الجهود والأيادي من جميع الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة لترسيخ هذه الثقافة، ولا يضر إن وُجدت جائزة على غرار الجائزة التي تُعطى للجهات الأفضل في تنظيم اليوم الرياضي الرسمي للدولة.
الروح أيضاً تحتاج إلى تدريب وتمرين كي تكبر وتتمدد، وليس الجسد فقط، ورياضة الروح ألا تتوقف عن التعلم أبداً.
مقالي هذا واختياري لنشره في يومنا الوطني، يوم التأسيس العظيم ليس صدفة ولا اعتباطاً، بل فخراً وتكريماً لجهة قدمت وأنا متأكدة بأنها ستقدم الكثير والأكثر لقطر وشعبها في المستقبل، وكل عام وقطر وأهلها في أمن وسلام، ومن أفضل إلى أفضل.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


السبت، 13 ديسمبر 2014

يوميات قارئ عربي

يقول بأسف:
لم أكن يوماً بالقارئ، ولكني وجدت نفسي بعد تزايد أعباء الحياة ومشاغلها أشترك لسنة في إحدى أكثر الصحف الورقية انتشاراً في الدولة،. اشتركت أولاً لكي أطلع على الإعلانات الصالحة والطالحة -وأهم من هذا وذاك الرخيصة- التي تحملها الصحف في طياتها، وثانياً لكي أقرأ العناوين الرئيسة لأفتح الأحاديث الجانبية في العمل والمقهى مع الأصحاب والزملاء، فلا يهم قراءة مضمون الخبر ما دمت أستطيع الرقص حوله متفلسفاً.
وجدت نفسي بعد فترة من الزمن أتصفح الجريدة إما عن طريق الصدفة أو لحظات استلقاء صحون الطعام عليها، حيث شدتني عناوين مقالات تارة وتارة أخرى استمتعت بقراءة أخبار قصيرة حول العالم، بعد ذلك قمت بقراءة الأخبار وبعض المقالات قبل أن أغلف الأكل بالجريدة، أو أمسح المرايا والأشياء بها. من هذه اللحظة بدأت علاقتي بالقراءة اليومية للصحف الورقية والإلكترونية، ولكني لم أتعرض للكتب للأسف، لا لم أكن بذاك القوي الشجاع.
أصبحت أردد الشعارات والمقولات الرنانة التي اكتشفت مؤخراً بأنها تُروى منذ عقود بلا أذن سامعة ولا قلب مؤمن. آمنت بالوحدة العربية، وكرهت التطبيع، وصوّت لمن ظهروا في الصحف وهم يحيون الفقراء ويلعبون مع الأطفال ويعملون مع العمال. آمنت بثقافة الحوار ولكن لسبب لا أعرفه عندما حاولت محاورة الكثير من الشخصيات العامة وغيرها في «تويتر» استعملوا في مواجهتي خاصية المنع «البلوك». لم أعد أتوقف عند العناوين الرئيسة، بل تعديت ذلك للقالب، حتى اهتممت بأعداد القتلى والجرحى، ولكني لم أسال نفسي يوماً -وإن أثرت بي الأخبار- عن أسمائهم وأعمارهم ومهنهم.
يقول بلا أسف:
لم أعد أقرأ الصحف لا الورقية ولا الإلكترونية ولا حتى تلك التي اشتركت بها لألفّ الخضراوات والفاكهة. لماذا؟ لأني حفظت الأخبار وعرفتها عن ظهر قلب، أعرف ما حصل ويحصل وسيحصل، والفرق الوحيد بين الآن وغداً بأن الأعداد ستتغير فقط، القتلى والجرحى والانفجارات تزداد، والحروب تتفرق، والمفاوضات تستمر، والكبار يلعبون، والصغار يماطلون، والماء يتلوث، والأكل يمرض، والأسعار تطير، والفرص تموت، والهمم تهبط.
أسفي الوحيد المستمر بأني لست بذاك القوي الشجاع الذي سيتحمل جبروت كتاب وسلطة قلم.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 4 ديسمبر 2014

اعترافات كاتب أسبوعي

تخصصي في القانون يجعلني أحلل كل كلمة، وكل «أل» شمسية وقمرية، وكل آل يبدأ فيها الاسم وغير الاسم، وكون الكتابة جزءاً من هويتي التي أعرف نفسي بها ويفهمني غيري عبرها، تزيد عملية التحليل بي، وأرجو ألا يكون ذلك مملاً لمن يقرأ ويحاول على الأقل أن يعبر إلى ما قبل آخر كلمة أنهي بها مقالي، لأنها ستأخذه عنوة إلى الكلمة الأخيرة.
ما سأدلي به اعترافات لأني سأدلقها من وعاء «قلبي القارئ» قبل أن يكون «كاتباً»، ولأن التشدد في اختيار الكلمات والأفكار عند البدء بالكتابة يتحول مع الوقت إلى علاقة احترام تجاه القلم والورق، فتتكسر بعض الحواجز، ويبقى بعضها الآخر، وما سأقوله هي سيول تعدت عدداً من هذه الحواجز.
إذاً فهذه اعترافات كاتب أسبوعي لا يكتب يومياً بل مرة أو مرتين أو أكثر بقليل في الأسبوع، ودائماً بعقل مليء قبل أن يتوافر الحبر، وإلا فلا حبر ولا مقال، وهذا أول اعترافاتي.
أعترف أيضاً، بأني أعامل نفسي بيني وبيني كقارئ ومتلق، وسأظل أقرأ عن الكتابة وأصولها كأي علم أو فن آخر ولو بعد ثلاثين عاماً، لأن الإنسان أياً كان عمله كتلة متغيرة، وأن نختار كيفية تغيرنا أفضل من أن نُجبر عليه.
أعترف أني عندما أكتب أكثر من مقال في أسبوع واحد أقرر أن أترك أحدها أو بعضها بحسب الحال لأيام أخرى على طريقة مقالك الأبيض ليومك الأسود، أي الأسبوع الذي لا يزورني فيه الإلهام على شكل أغنية أو فيلم أو شخص أو نقاش عقيم أو عبارة ترويجية لمنتج لن أشتريه أبداً أو أي شيء آخر، ولكن عندما يأتي ذاك الأسبوع المشؤوم أحبط وأشعر بأني مزيفة، فلا أرسل المقال القديم وأشرع في كتابة مقال في نفس يوم التسليم، كيلا أشعر بزيفي أمام نفسي قبل من يقرؤني. أنتهي من المقال الجديد فأشعر بتعب شديد، ولكنه أهون من شعوري بالزيف، فالزيف مقبرة المبدع وإن كانت ذات زينة، ولو رجعنا لتاريخ الكتاب العظماء لرأيناهم يحكون عن تجاربهم وعلاقاتهم ومشاكلهم ونجاحاتهم، وكان ذلك فعلاً ما صنعهم، أي حقيقتهم التي بهرجت النفس الإنسانية التواقة إلى الفن والإبداع.
أعترف بأنني لا أكتب دوماً ما أعنيه بشكل واضح، وهذا في محاولة مني لإثارة القارئ الذي قد يفهم أكثر من فكرة يكرهها جميعها أو يحبها كلها أو يتقلب بينها، كما يتسلق القارئ نزولاً أبيات قصيدة. أعترف بذلك إلا أنني أكتب دائماً ما أؤمن به وإن كان مختلفاً أو مخجلاً أو غير متوقع لأنها الحقيقة دائماً، والحقيقة أمّ كل شيء إلا أنها ابنة الكاتب الذي يجب عليه ألا يتخلى عنها، فيهذبها ويخرجها في أحلى صورة، صورتها التي يعرفها الله بها.
أعترف بأن الوصول في الكتابة يعني عدم الوصول، فلا يسهل شيء مع الوقت إلا اعتياد الكتابة كما يعتاد الطبيب السماعة التي يضعها حول رقبته، ويبقى ما عدا ذلك صعباً، كالتشخيص وسؤال المريض ووصف العلاج، فمرة يسهل اختيار عنوان المقال، ومرة يصعب إيجاد مضمون يشد القارئ، ومرة يخرج الاثنان بولادة عسيرة، ومرات محظوظات ينزل الاثنان كسيل جارف يعرف من أين يخرج وأين يتوقف.
إن شعرتم بأن الاعتراف لمن لا يعرفونكم شخصياً سهل، ستتأكدون بأنني كتبت مقالي هذا في ساعة، وإن ظننتم بأنه صعب ستعرفون بأنني استغرقت أكثر من يومين وترددت أيضاً عند تسليم المقال، ولكنني ككل كاتب أسبوعي، فاتني الوقت ولم أرد أن أخدعكم ولا أن أخرج لكم خالية الوفاض.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية 



القارئ: الجندي المجهول

عندما قلب الروائي الياباني هاروكي موراكامي نمط حياته كي يصبح الكاتب الكبير الذي هو عليه اليوم، قال إنه خسر بعض الناس وأغضب الكثير منهم، نتيجة التغييرات التي قام بها إخلاصاً لقلمه، وأنه فضل قولاً وفعلاً علاقته بالقراء على أي علاقة أخرى في حياته، فخصص الصباح للكتابة وما بعد ذلك لأي نشاط آخر يشغل تفكيره عن التفكير، كالقراءة أو الركض أو التنزه وحده، لينهي يومه بالنوم مبكراً. حرصه على الكتابة وعلى علاقته بقرائه جعله يتغاضى عن المناسبات الاجتماعية وينسى أو يتناسى الرد على من يحاول الاتصال به، إخلاصاً لمن يحاول هو نفسه أن يتصل بهم عبر كلماته.
ما أكثر المبدعين الشبيهين بموراكامي، فهناك تولستوي الذي اعتزل حياة المدينة وحياته الاجتماعية المزدحمة، وحتى عائلته في أحيان كثيرة، منصرفاً إلى الريف بين الزرع والمزارعين ليفكر ويكتب. أفهم أهمية ما يفعلونه لأنفسهم ولقرائهم، وأعترف بأني لا أملك ربع شجاعة موراكامي ولا نصف شجاعة تولستوي في التضحية واعتزال الناس من أجل الناس، وأن كل ما أملكه هو بعض أوقات في الأسبوع أقضيها في الكتابة عن مواضيع قد تهم قراء كثراً في أسابيع وأقل منهم في أسابيع أخرى، ولكن كل لحظات توتر تسليم المقال في الوقت المناسب، وفي القالب المميز والمضمون الممتاز تمر عند وصول رد واحد فقط من أي قارئ، سواء أكان برد إيجابي أو تعليق ينتقد فيه فكرة ما، سواء أكان مسؤولاً يعارض ما كتبته، مثل أكبر الباكر في مقال له رد فيه على ما كتبته من انتقادات للخطوط الجوية القطرية، أو مسؤولاً يوضح ويزيد على ما وصفته، مثل أحد مسؤولي الشفلح الذي وضح بأن لديهم مجموعات دعم كتلك التي وصفتها في أحد مقالاتي. كل فكرة تعارض أو تؤيد أخرى مهمة، سواء أكانت لي أو لغيري، وكل رد يغير، فيبني أو يهدم لأن الكاتب وإن كان يكتب لنفسه أولاً يكتب لغيره ثانياً وثالثاً ورابعاً وأخيراً، لأن فيه من الناس وفي الناس الكثير منه، وإن لم يرغب بالاعتراف بذلك.
تحية لكل القراء، تحية إلى أرقى أنواع الجنود المجهولين الذين يجعلون من الكتاب من هو مشهور ومعروف ومسموع ومؤثر، لعائلة أبقى ولمجتمع أفضل ولدولة أقوى ولعالم أكثر إنسانية. شكراً لكل قارئ جعل من الحرب سلاماً، ومن الخلاف اختلافاً، ومن الحب ديناً، ومن الألم حكمة، ومن القلم سلاحاً يستشهدون به عند القدرة، هذا المقال لكم وإن كان بلساني.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...