الخميس، 23 فبراير 2012

قطر و تهمة الفن

قُوبل خبر شراء قطر لوحة للرسام الفرنسي بول سيزان بـ250 مليون دولار بردود فعل مختلفة، فمن الناس من استقبل الخبر ببرود قائلاً إن قطر تستطيع شراء أي شيء، وإنها تطير من مكان إلى مكان كل يوم لتجمع العسل، وصُعق آخرون من المبلغ الذي ابتيعت به اللوحة، والذي جعلها أغلى لوحات العالم، وكانت هنالك فئة كبيرة استهجنت «رمي» ربع مليار دولار في لوحة «أي شيء» كما يقولون. أما ردة الفعل التي لم أصادفها فهي الفرح والحماس تجاه الخبر، وهذا ما خيب ظني. توج البعض سبب عدم اهتمامهم باللوحة وبالخبر بأنه تُوجد أشياء أخرى مهمة أكثر كالتعليم والصحة، وأنا لا أختلف معهم ولا أتفق كلياً، فقطاعا الصحة والتعليم مهمان جداً ومن ضروريات توفير الحياة الكريمة للمواطن وتحسينها، ولكن قطاع الفن لا يتخلف عنهما في الأهمية، ولا يقل عنهما، بل وقد يساويهما أيضاً.
يقول بن جونسون: «لدى الفن عدو اسمه الجهل». ولهذا نجد الباريسيين يحفظون متحف اللوفر في قلوبهم، وأصحابنا يحتشدون في الأسواق ما بين «واقف» وجالس! لهذا نجد الأجانب يحضرون الحفلات والمعارض، ونحن نتكدس في المطاعم والمقاهي! عدم الوعي بالفن هو ما يفصل بيننا وبين الدول المتحضرة والمتقدمة. تتوقف الدول عن النمو إن تراخت عن التعريف بالفن والتوغل فيه، لأنه ما يبني الشعوب ويُجمل العقول ويضع الحدود ما بين الإنسان وغيره من كائنات الله. الإنسان يرسم ويكتب ويحلل ويمثل ويغني ويحتج، وكل هذا الجمال لا يصوره إلا الفن، أكثر شيء يُشعل الإنسان ويقذفه إلى الأمام، والاهتمام به من أسمى مراحل التقدم والحرص على المضي قدماً على مستوى كل من المواطن والدولة.
أتمنى أن يُوجد برنامج داعم للفنون في كل مدرسة في قطر لتعريف الطلاب على أنواع الفنون المختلفة، ولتشجيعهم على الإبداع والاهتمام بالفن، وإبراز مواهبهم وتطويرها، فالفن أكبر استثمار عرفه وسيعرفه التاريخ، وإن كانت لوحة واحدة تُكلف 250 مليون دولار، فالاستثمار في أولادنا يستحق هذه التكلفة المرتفعة، التي ستجعل المجتمع يرتقي أكثر وأكثر.



جواهر بنت محمد آل ثاني.

صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 16 فبراير 2012

دفاعاً عن الشباب

ما اشتعلت قضية حمزة كاشغري حتى التفت الناس إلى بعض الشكوك الذي يحملها الشباب والإلحاد الذي قد ينتج عنها. وهي أمور مفهومة في سن صغيرة كما يتفق أغلب الناس العقلانيين، فالأديان بشكل عام تحتاج إلى من يسندها ومن يشرحها شرحاً مفصلاً ومحببا فيقضي بها على الحيرة بالمنطق، والعقائد لا يتقبلها الناس بالتلقين -وإن لانت لها قلوبهم- ولكنها تُحفظ في القلوب عندما تُناقش وتُوضح ويفتح مجال الأسئلة والحوار بين المتكلم والمستمع.
استقبال الأسلوب اللين والبحث هما من مفاتيح الوصول إلى الصراط المستقيم، وكل مسلك موجود، فلا تنقصنا مراجع دينية ولا مساجد ولا مدارس تحفيظ ولا دعاة ولا مشايخ، ومع هذا كله قد يضيع المرء المتشكك في هذه المعمعة، فقط لأن شخصا رفض توجيهه أو امتنع عن ذلك لأن أسئلته كانت تمس الذات الإلهية أو تدخل في أعمق دهاليز الدين، وهذا أمر خاطئ إن كان من الناحية التعليمية أو التربوية، فخطأ أن تولي وجه شخص نحو التلقين والتسليم بما هو أمامه من نصوص وقصص قسراً دون فهم وتبيين، وخطأ أن تطلب منه أن يتعوذ من إبليس وأن ينسى الموضوع، أو أن تنصحه بأن يصلي ركعتين لتزول بعدها كل الشكوك! كلها أساليب خاطئة، ليست من صلب الإسلام الذي طلب منا أن نتفكر وأن نتساءل وأن نقرأ ونحلل قبل التسليم بأي شيء. الإسلام طلب منا أن نرتقي مع عقولنا فلا نكون كالبهائم، تابعين بلا تعب، منساقين على كعب، لا تهمنا الوجهة ما دمنا سنصل.
لا بأس في أن نتأمل وأن نبحث عن الإجابة في الإسلام؛ لأننا نستطيع القول ببساطة: إنه يحمل الإجابات الكاملة التي تستطيع أن تتحدانا بالمنطق رغم كل الأشياء التي لا تستطيع تخلل عقولنا كعلوم الغيب مثلاً من جنة ونار.
ولأشباه الدعاة الذين يقابلون الشباب بالإنكار والتقريع عند طرحهم أسئلة حساسة وعميقة في الدين نقول لهم إما أن تجاوبوا أو أن تصمتوا فإن أجبتم فذلك إثبات للمثبت ألا وهو حمل الإسلام لكافة الأجوبة والحق، وإن صمتم فذلك أفضل من تكميم أفواه الفتوة وخلق أرواح هائمة يجبرها المجتمع إما على النفاق أو البحث عن مستقر آخر!
قال مصطفى محمود: «رحلتي من الشك إلى الإيمان لم تكن بسبب إنكار أو عناد أو كفر وإنما كانت إعادة نظر منهجية حاولت أن أبدأ فيها من جديد من دون مسلمات موروثة، ولم أفقد صلتي بالله طوال هذه الرحلة. وإن كنت قد بدأت قطار الفكر وقطار الدين من أوله من عند الصفحة الأولى. من مبدأ الفطرة. وماذا تقوله الفطرة من دون موروثات، وانتهيت من الرحلة إلى إيمان أشد وعقيدة أرسخ وانعكست الرحلة في الـ89 كتابا التي ألفتها».
هذه كانت كلمات الدكتور عن رحلة دامت ٣٠ سنة بحث فيها عن الإيمان فوجده، وكانت محصلته ما ذكر من الكتب وأكثر من 350 حلقة في برنامجه الشهير «العلم والإيمان».
هذه ليست دعوة إلى الردة أو الكفر والإلحاد لكنها دعوة إلى تقبل السؤال والعطف على التائهين الهائمين من الشباب الذين قد يواجهون أنفسهم بأسئلة لا يعرفون إجابتها، فتضطرب حياتهم، ولذلك يجب علينا أن نرحمهم وأن نحتضنهم بدلاً من تنفيرهم، لئلا نكون، في النهاية، كلنا من الخاسرين».
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 16). صدق الله العظيم.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 9 فبراير 2012

الطائر المجروح

لمع نجم «تويتر» على جبين عام 2011 بُعيد الثورات العربية، فاكتسح قلوب البشر، إما هماً وإما تعلقاً، مخلفاً أثراً عميقاً في كل من التاريخ والناس. فدور «تويتر» معروف في الثورة المصرية، بعد أن عمل على توعية الناس وتنظيم المظاهرات، مما سبب حساسية لدى النظام البائس وجعلهم يقطعون الإنترنت لأيام، وكذلك دوره في إيصال الخبر الحي إلى أكبر شريحة من الناس في الوقت نفسه، ولا ننسى أن خبر مقتل بن لادن في غارة جوية تناقلته تغريدات في «تويتر» قبل إعلان أوباما عن مقتل بن لادن بكثير.
دور «تويتر» الذي أصبح ملجأ المبدعين من الشباب المتشيخين والشيوخ المتشببين معلوم، والفضاء الذي يفسحه «تويتر» للناس ملموس، وحرية القول المكفولة لدى كل البشر في جمهورية «تويتر» هو ما جمّع الناس وكومهم فيه، لكن دوام الحال من المحال، وهذا ما أوضحته إدارة «تويتر»، بعد أن أعلنت أنها ستحجب بعض التغريدات في حالة طلب بعض الحكومات ذلك. وهذا أكبر قيد قد يضعه موقع تواصل على أيدي الناس، الناس أنفسهم الذين يهربون من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي لحرية يتمسكون بها. قرار «تويتر» هذا -الذي أقروه تفادياً للملاحقة القضائية- هز العالم التويتري، وأرجع الطيور إلى أعشاشها.
فكيف بعد تذوق طعم حرية القول يرجع المرء ليقول في فمي ماء؟ 
رفض أغلب «المُتَوْتِرون» هذا القرار حول العالم، فانتشرت الدعوة إلى مقاطعة «تويتر» في يوم السبت الموافق 28 يناير من 2012 أي بعد يوم تقريباً من نشر قرار «تويتر». هذه الدعوة إلى المقاطعة لم تولد من الفراغ، بل من قلب الوعي بالطرق السلمية والحضارية لتغيير الأشياء إلى الأفضل، ومن العقل المتيقظ القادر على استيعاب مقدرته على الرفض وقول لا لأي شيء يسلب من حريته.
كتبت في «تويتر» بعد انتهاء المقاطعة، «المقاطعة اليوم أثبتت أن الناس باتت ترفض فعل الوصاية على أفعالها وأقوالها. وبهذا فقط، أرى أن المقاطعة نجحت!». كنت واثقة بفشل ونجاح المقاطعة، فهي ناجحة للسبب الذي ذكرته، وفاشلة في الجانب الكمي، حيث إن مقاطعة الآلاف لموقع يعج بالملايين مثل «تويتر» وليوم واحد لن تؤثر به، رغم إصدار «تويتر» بياناً لتوضيح قرارهم، بعدما نزلت نسبة الدخول بالموقع بواقع %30 يوم السبت!
وأخيراً، كانت هنالك المنشورات، ثم الصحف والمجلات والكتب ومن ثم المدونات والـ «فيس بوك»، وصولاً إلى «تويتر» الذي ستتبعه مواقع أخرى وأدوات أخرى، كلها تؤكد أن غاية الحرية لا تعرف وسيلة مواصلات محددة، وأنها روح تتسلل بين الأدوات، فتتجدد ولا تفنى.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 2 فبراير 2012

تجربة التأسيسي والتعريب

صدر قرار إلغاء البرنامج التأسيسي عن الطلبة الجدد لكل من كليات القانون والإعلام والإدارة والعلوم السياسية مؤخراً في جامعة قطر، أي بعد سنوات من إلزامه، أو طلب ما يعادله من الشهادات كالخمسة والنصف في اختبار الأيلتس، و٢٣٥٠ في اختبار الآي سي ٣، و٢٤ في اختبار الآي سي تي! وكلها مجاميع عالية مقارنة بالجامعات الأخرى التي يطلب بعضها ٥ في اختبار الأيلتس! عدا عن كونها الجامعة الوطنية الوحيدة في دولة لغتها الأولى والأم هي العربية!
تأخر القرار كثيراً مع التنويه أيضاً بأنه لم يصدر عن الجامعة، بل عن المجلس الأعلى للتعليم، فكيف يعترف أولئك بفشل برنامج أسرفوا في مدحه وتعظيمه وبمحاولتهم إقصاء لغتنا العربية؟! هذا والله لا يجوز أبداً! فبعد تضييع الطلاب سنوات من عمرهم في برنامج التأسيسي صدر القرار! بعد تجميد قيود الطلاب الذين لم يقدروا على الحصول على ٥ في اختبار الأيلتس، وبعد سنتين قضوها في الدراسة، صدر القرار! بعد أن فقد الطلبة الأمل في عبور هذا البرنامج، فمنهم من انتقل إلى الجامعات الأجنبية، ومنهم من جلس في البيت مضطراً، إما لأن الجامعات الأخرى لم تقبله، أو لأن العائلة لم تتقبل فكرة الاختلاط، صدر القرار! سنوات ضاعت ومجهود تبخر ولا أقول بأن البعض لم يستفد من هذا البرنامج، لكن سلبياته تطغى على إيجابياته حتى إن تسميته بالبرنامج تصب عليه الظلم، وأولى بأن نسميه التجربة! التجربة التي تحملتها تخصصات تتطلب اللغة العربية أكثر من الإنجليزية، التجربة التي كان أجدر لو أنها تطلبت مهارات أخرى كالبحث والتفكير النقدي أكثر من الحساب والجمع الذي يُوضع في قوالب مادة الرياضيات وكمبيوتر ١ وكمبيوتر ٢!
المشاعر المختلطة كانت تتوسطني بعد صدور القرار، فبين فرحة أقدمها لمستقبل بلادنا، ولأرضنا وللطلاب الجدد الذين لن يعانوا من تجربة التأسيسي، وبين حزن اختزلته للطلاب القدامى الذين غادروا الجامعة والذين ظلوا، وقفت أتأمل القرار الكبير! من سيرجع السنوات التي ضاعت ومن سيرجع جهد الطلاب والساعات التي «تعذر» احتسابها في التأسيسي؟ وهل ستكون هنالك تجارب أخرى؟ أسئلة كثيرة لم يجاوب عليها البيان المقتضب الذي تضمن أيضاً قرار تعريب هذه التخصصات بالكامل وضرورة تنفيذ هذا القرار بحلول الفصل القادم، فصل الربيع. قرار رائع لكنه متأخر أكثر من قرار إلغاء التأسيسي! ففي دولة يتحدث مواطنوها بالعربي ويكتبون في صحفها المحلية بالعربي ويدرس فيها طلابها من الابتدائية إلى الثانوية بالعربي، يدرس الطلاب في المرحلة الجامعية بلغة أخرى! لم أسمع في حياتي عن جامعة أميركية تُدرس طلابها باللغة العربية! فلماذا درسنا طلابنا بلغتهم؟! لا ننكر عالمية اللغة الإنجليزية واضمحلال اللغة العربية في المقابل في مختلف المجالات أمام لغات العالم الأخرى، ولا ننكر طلب سوق العمل للإنجليزية، ولهذا يجب أن يصل التعريب إلى سوق العمل، ففي السعودية مثلاً عندما تُكلم أجنبياً لا تجده يتحدث معك بالإنجليزية بل يحاول بكل جهده أن يتحدث معك بالعربية، وهذه من حسنات سوق العمل «العربية» التي نفتقدها، والتي يجب أن نصل إلى حالها كي لا يُظلم طلاب جامعتنا الوطنية! كما يجب العمل على ترجمة كل المصادر والمراجع القديمة والمستجدة لكل من التخصصات التي عُربت لتسهيل المهمة على الطالب، وليتم تنفيذ القرار على أكمل وجه فتكون الدراسة كلها عربية!
توقيت هذا القرار الذي ينص على تعريب بعض التخصصات وإلغاء التأسيسي فيها يسقط كقنبلة أخرى على رؤوس الطلاب الذين لا يعرفون كيف سيتم تطبيقه، ولا كيفية ترتيب أمورهم في الفصل القادم، خاصة وأن بعض التخصصات كالقانون، تصل نسبة المواد التي تدرس بالإنجليزية فيه إلى ٤٥% تقريباً. وأما سبب إصدار القرار فإنه على الأرجح لامتصاص موجة الغضب العارمة التي يقودها الطلاب والآباء على الجامعة في كل المحافل «الحقيقية» و»الافتراضية»! فهل سيحدث هذا القرار تغييراً إيجابياً ملموساً؟ هذا ما نترقبه في جامعة هرمنا ونحن ننتظر تحسن أدائها!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...