الخميس، 2 فبراير 2012

تجربة التأسيسي والتعريب

صدر قرار إلغاء البرنامج التأسيسي عن الطلبة الجدد لكل من كليات القانون والإعلام والإدارة والعلوم السياسية مؤخراً في جامعة قطر، أي بعد سنوات من إلزامه، أو طلب ما يعادله من الشهادات كالخمسة والنصف في اختبار الأيلتس، و٢٣٥٠ في اختبار الآي سي ٣، و٢٤ في اختبار الآي سي تي! وكلها مجاميع عالية مقارنة بالجامعات الأخرى التي يطلب بعضها ٥ في اختبار الأيلتس! عدا عن كونها الجامعة الوطنية الوحيدة في دولة لغتها الأولى والأم هي العربية!
تأخر القرار كثيراً مع التنويه أيضاً بأنه لم يصدر عن الجامعة، بل عن المجلس الأعلى للتعليم، فكيف يعترف أولئك بفشل برنامج أسرفوا في مدحه وتعظيمه وبمحاولتهم إقصاء لغتنا العربية؟! هذا والله لا يجوز أبداً! فبعد تضييع الطلاب سنوات من عمرهم في برنامج التأسيسي صدر القرار! بعد تجميد قيود الطلاب الذين لم يقدروا على الحصول على ٥ في اختبار الأيلتس، وبعد سنتين قضوها في الدراسة، صدر القرار! بعد أن فقد الطلبة الأمل في عبور هذا البرنامج، فمنهم من انتقل إلى الجامعات الأجنبية، ومنهم من جلس في البيت مضطراً، إما لأن الجامعات الأخرى لم تقبله، أو لأن العائلة لم تتقبل فكرة الاختلاط، صدر القرار! سنوات ضاعت ومجهود تبخر ولا أقول بأن البعض لم يستفد من هذا البرنامج، لكن سلبياته تطغى على إيجابياته حتى إن تسميته بالبرنامج تصب عليه الظلم، وأولى بأن نسميه التجربة! التجربة التي تحملتها تخصصات تتطلب اللغة العربية أكثر من الإنجليزية، التجربة التي كان أجدر لو أنها تطلبت مهارات أخرى كالبحث والتفكير النقدي أكثر من الحساب والجمع الذي يُوضع في قوالب مادة الرياضيات وكمبيوتر ١ وكمبيوتر ٢!
المشاعر المختلطة كانت تتوسطني بعد صدور القرار، فبين فرحة أقدمها لمستقبل بلادنا، ولأرضنا وللطلاب الجدد الذين لن يعانوا من تجربة التأسيسي، وبين حزن اختزلته للطلاب القدامى الذين غادروا الجامعة والذين ظلوا، وقفت أتأمل القرار الكبير! من سيرجع السنوات التي ضاعت ومن سيرجع جهد الطلاب والساعات التي «تعذر» احتسابها في التأسيسي؟ وهل ستكون هنالك تجارب أخرى؟ أسئلة كثيرة لم يجاوب عليها البيان المقتضب الذي تضمن أيضاً قرار تعريب هذه التخصصات بالكامل وضرورة تنفيذ هذا القرار بحلول الفصل القادم، فصل الربيع. قرار رائع لكنه متأخر أكثر من قرار إلغاء التأسيسي! ففي دولة يتحدث مواطنوها بالعربي ويكتبون في صحفها المحلية بالعربي ويدرس فيها طلابها من الابتدائية إلى الثانوية بالعربي، يدرس الطلاب في المرحلة الجامعية بلغة أخرى! لم أسمع في حياتي عن جامعة أميركية تُدرس طلابها باللغة العربية! فلماذا درسنا طلابنا بلغتهم؟! لا ننكر عالمية اللغة الإنجليزية واضمحلال اللغة العربية في المقابل في مختلف المجالات أمام لغات العالم الأخرى، ولا ننكر طلب سوق العمل للإنجليزية، ولهذا يجب أن يصل التعريب إلى سوق العمل، ففي السعودية مثلاً عندما تُكلم أجنبياً لا تجده يتحدث معك بالإنجليزية بل يحاول بكل جهده أن يتحدث معك بالعربية، وهذه من حسنات سوق العمل «العربية» التي نفتقدها، والتي يجب أن نصل إلى حالها كي لا يُظلم طلاب جامعتنا الوطنية! كما يجب العمل على ترجمة كل المصادر والمراجع القديمة والمستجدة لكل من التخصصات التي عُربت لتسهيل المهمة على الطالب، وليتم تنفيذ القرار على أكمل وجه فتكون الدراسة كلها عربية!
توقيت هذا القرار الذي ينص على تعريب بعض التخصصات وإلغاء التأسيسي فيها يسقط كقنبلة أخرى على رؤوس الطلاب الذين لا يعرفون كيف سيتم تطبيقه، ولا كيفية ترتيب أمورهم في الفصل القادم، خاصة وأن بعض التخصصات كالقانون، تصل نسبة المواد التي تدرس بالإنجليزية فيه إلى ٤٥% تقريباً. وأما سبب إصدار القرار فإنه على الأرجح لامتصاص موجة الغضب العارمة التي يقودها الطلاب والآباء على الجامعة في كل المحافل «الحقيقية» و»الافتراضية»! فهل سيحدث هذا القرار تغييراً إيجابياً ملموساً؟ هذا ما نترقبه في جامعة هرمنا ونحن ننتظر تحسن أدائها!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...