الخميس، 11 أبريل 2013

كلمات

(1)‬
أقوى الأدوات في هذه الحياة كلمة، فماذا إذاً يمكن لكلمات أن تفعل؟ الكلمات يمكن أن تطرب الإنسان وتعبر عنه، وتلهيه، وتشده لمقعده ليواجه كل خلية حية في جسمه وكأنها مع نفسه في حالة حرب، ويمكن أن تضجر الإنسان، وتغضبه وتجعله يزمجر كالأسد الجائع، ويمكن أن تستعطفه، وتغويه وتفسده وتصلحه، وتحرضه، أو أن تجعله على الحياد. ويمكن لكلمة أن تفعل كل هذا ولا تفعله، فالحياة -كما يقول الحكماء- كلمة! ولا أحد في الحقيقة -لا أحد- يعرف قيمة الكلمة أكثر من السياسيين والكُتاب والحكماء!
(2)
أطربتنا ماجدة الرومي في عام ٩١، فغنت:
يُسمعني.. حينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
ما الفرق بين هذه الكلمات عندما تُقرأ، وعندما تغنى؟ هي تبقى كلمات، ولكنها تخلق حالتين مختلفتين يعيشهما الإنسان، فعندما تغنى، تكون الكلمات وكأنها زهرة يمكن للإنسان رؤيتها والاقتراب منها وشمّها، وعندما تقرأ تكون تلك الزهرة خيالية، لا يستطيع الإنسان إمساكها ولا شمها، وكل ما يستطيع فعله هو محاولة تصورها في رأسه. هذا هو سحر الكلمات، لنا قدرة استخدامها كما نشاء، ولها القدرة على سحرنا كيفما تشاء!
(3)
تضمن فيلم أميركي عنوانه «كلمات»، إشارات كثيرة إلى أهمية الكلمة -بطبيعة الحال-، وإلى أهمية الكلمة الصادقة بشكل خاص، فبطل الفيلم مثلاً الذي حاول كثيراً أن يكتب من أعماقه، وأن يستخدم كل الكلمات الصادقة التي تعبر عنه وعن حياته، لم ينجح ككاتب، وما استطاع أن ينجح إلا بعد أن سرق كلمات غيره، أي بعد أن اختار كلمات «كاذبة» لا تعبر عنه بل عن كاتب آخر. في نهاية الفيلم، يشير البطل إلى أن الكلمات هي كل ما يهم في الحياة، وأننا نحيا بسببها، ومن أجلها، وهذا ما جعلني أكتب عن الكلمات، لأننا نمر بجانبها كل يوم ولا نلتفت إليها ولا ننظر في دواخلها ونياتها، فنفوت القصد منها، ونخسرها قبل أن تخسرنا.
الكلمات -كغيرها من وسائل الاتصال والتعبير- أبدية، لأنها وُجدت لتصدق ولتنصر ولتعبر عن الحالة التي وُجدت من أجلها، والتي أحاطت بها أو حاولت ذلك، وهو من المهم أن تكون الكلمة صادقة لأنها هي الباقية، أما الكاذبة ففانية، مهما حدث، وإن وصلت بصاحبها إلى المكان الذي يريده، وهو من المهم أيضاً أن نبدأ بالنظر إلى الكلمات بعمق، ونهتم بها، أي تلك التي نقرؤها ونسمعها ونكتبها ونقولها، كما نهتم بملابسنا ومظهرنا، لأنه عندها فقط، سنسمو فوق السطحية التي تعشعش فوق رؤوسنا، وستصبح كلماتنا التي تترجم أفكارنا «كلمات ليست كالكلمات».


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 4 أبريل 2013

لا تنس روحك

أسوأ أمر ممكن أن يحدث لإنسان هو أن تترهل روحه. سيسأل البعض، ألروح تترهل؟ نعم تترهل الروح كما يترهل الجسد تماماً، تصيبها التجاعيد والأمراض والإشعاعات أيضاً، كما أن ضرر الروح أشد وآلامها أقوى من آلام الجسد الفانية إما بالدواء أو الموت.
تترهل الروح عندما ينسى الإنسان تغذيتها بالدين والعلم والأخلاق والنور الذي يسكن الطبيعة. تترهل الروح عندما يغفل الإنسان عن إعطائها لحظات من دقائق حياته، بالتسبيح أو بالغناء أو بالقراءة، وهو في طريقه لاجتماع عمل، أو وهو في انتظار صديق في حديقة عامة، أو وهو بصحبة الليل والأرق. فكل ما تحتاجه الروح هو لحظات من حياة الإنسان يعطيها إياها لتغذيتها لا لإشباعها، لأن الروح المشبعة تثقل على الإنسان حياته، وتجعله بليداً، بعيداً عن السعادة والحياة.
الروح تحتاج إلى قليل من الجوع، كي تجذب الإنسان إليها وإلى الحياة، وتبقيه على موعد حب معها وموعد شوق إلى الحياة، لأن الروح إن وُجدت تُوجد الحياة، فإذا كانت الروح جميلة كان الفن، وإذا كانت الروح راقصة كانت الموسيقى، وإذا كانت الروح مبذرة كان الأدب، وإذا كانت الروح حية كانت الدنيا.
الروح تحمل تلك الساعة التي تمنع الإنسان من مضي حياته دون الشعور بها، تنبهه في كل حين حتى لا يستيقظ بعد عشرين أو ثلاثين سنة، متسائلاً فيم أفنى عمره؟ فالحياة مثل الساعة، لا ترجع إلى الوراء، والإنسان يشيخ بشكل أسرع لا عبر مضي أيامه، بل عبر استيقاظه في يوم من الأيام على وسادة بلا ذكريات، أو على ذكريات نسي المكان الذي وضعها فيه.
يقول الروائي والشاعر الإنجليزي ديفيد هربرت لورانس: «الحياة ملكنا لننفقها لا لنحافظ عليها». الله لم ينفخ في سيدنا آدم الروح، ليشابه الإنسان غيره من المخلوقات في قعودها وقيامها وعملها، بل كان قصده أعظم من ذلك، حتى قال علام الغيوب للملائكة «إني أعلم ما لا تعلمون». والحياة بين أيدينا لا لنتشبث بها دون أن نعيشها، بل لنعيشها من أجل أن نتشبث بها وتتشبث بنا، فلا نجعل حياتنا تكراراً لحياة من قبلنا، أو من يعاصرنا، ولا نجعل أرواحنا أيضاً مكررة، تاريخ انتهائها يكون عند الموت، إلا أنها تفقد صلاحيتها قبل ذلك بكثير.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...