الخميس، 4 أبريل 2013

لا تنس روحك

أسوأ أمر ممكن أن يحدث لإنسان هو أن تترهل روحه. سيسأل البعض، ألروح تترهل؟ نعم تترهل الروح كما يترهل الجسد تماماً، تصيبها التجاعيد والأمراض والإشعاعات أيضاً، كما أن ضرر الروح أشد وآلامها أقوى من آلام الجسد الفانية إما بالدواء أو الموت.
تترهل الروح عندما ينسى الإنسان تغذيتها بالدين والعلم والأخلاق والنور الذي يسكن الطبيعة. تترهل الروح عندما يغفل الإنسان عن إعطائها لحظات من دقائق حياته، بالتسبيح أو بالغناء أو بالقراءة، وهو في طريقه لاجتماع عمل، أو وهو في انتظار صديق في حديقة عامة، أو وهو بصحبة الليل والأرق. فكل ما تحتاجه الروح هو لحظات من حياة الإنسان يعطيها إياها لتغذيتها لا لإشباعها، لأن الروح المشبعة تثقل على الإنسان حياته، وتجعله بليداً، بعيداً عن السعادة والحياة.
الروح تحتاج إلى قليل من الجوع، كي تجذب الإنسان إليها وإلى الحياة، وتبقيه على موعد حب معها وموعد شوق إلى الحياة، لأن الروح إن وُجدت تُوجد الحياة، فإذا كانت الروح جميلة كان الفن، وإذا كانت الروح راقصة كانت الموسيقى، وإذا كانت الروح مبذرة كان الأدب، وإذا كانت الروح حية كانت الدنيا.
الروح تحمل تلك الساعة التي تمنع الإنسان من مضي حياته دون الشعور بها، تنبهه في كل حين حتى لا يستيقظ بعد عشرين أو ثلاثين سنة، متسائلاً فيم أفنى عمره؟ فالحياة مثل الساعة، لا ترجع إلى الوراء، والإنسان يشيخ بشكل أسرع لا عبر مضي أيامه، بل عبر استيقاظه في يوم من الأيام على وسادة بلا ذكريات، أو على ذكريات نسي المكان الذي وضعها فيه.
يقول الروائي والشاعر الإنجليزي ديفيد هربرت لورانس: «الحياة ملكنا لننفقها لا لنحافظ عليها». الله لم ينفخ في سيدنا آدم الروح، ليشابه الإنسان غيره من المخلوقات في قعودها وقيامها وعملها، بل كان قصده أعظم من ذلك، حتى قال علام الغيوب للملائكة «إني أعلم ما لا تعلمون». والحياة بين أيدينا لا لنتشبث بها دون أن نعيشها، بل لنعيشها من أجل أن نتشبث بها وتتشبث بنا، فلا نجعل حياتنا تكراراً لحياة من قبلنا، أو من يعاصرنا، ولا نجعل أرواحنا أيضاً مكررة، تاريخ انتهائها يكون عند الموت، إلا أنها تفقد صلاحيتها قبل ذلك بكثير.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيلا لك على الموضوع المتميز ..
    صراحة نحن بحاجة لمثل هاته المواضيع في الساحة العربية و خصوصا من شخص مثلك اختي جواهر لانك ما شاء الله كريقتك في الكتابة جد جد جد متميزة و تستطيعين الوصول الى ابعد حد مع المتلقي .
    شكرا لك مجددا .

    ردحذف

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...