الخميس، 29 نوفمبر 2012

الخبث و الخبائث!

( ١ )
«اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». الجملة السابقة التي اشتق منها عنوان المقال هي دعاء دخول الحمام أو الخلاء، كما كانوا يسمونه في عصور سابقة. الخبث هو جمع خبيث، أي ذكر الشيطان، والخبائث هي جمع خبيثة أي أنثى الشيطان، كما جاء في تفسير ابن الأثير.
كم مرة دخلنا مكتب مسؤول أو مجلس قريب وأردنا أن نقول هذا الدعاء قبل الدخول؟ واحترنا في الدعاء، أهو للشياطين غير المرئية أم المرئية أيضاً؟ ونقوله -أكرمكم الله- في حضرة المرحاض فقط، أم في كل مكان نشعر فيه بحضرة الشياطين؟
( ٢ )
الشياطين الاجتماعية هم الذين يلبسون في حضرتنا ملابس الأصدقاء والأخلاء الأنيقة، ليتعروا منها وراء ظهورنا، ويأنسوا بأمتع هواياتهم: بيع غيرهم كـ «علوك» لأفواه الناس!
(٣)
أخبث الخبث والخبائث هم الذين يمزجون مزحهم الثقيل بجرعة خفية من اللمز أثناء حديثهم بشكل «ودي»!
(٤ )
أعتى الشياطين -كمثال- هو النظام الأسدي المدمر لسوريا والقاتل للسوريين، أما بقية أنظمة العالم العربية وغير العربية، شياطين خرساء، ولا أدري أيهما أسوأ من الآخر!
(٥ )
أظرف الشياطين هم الذين يتشقلبون على ظهورهم وبطونهم إلى أن يضحكوك، ثم يضروك، لتكتشف بعدها بأنهم لم يكونوا -أبداً- مضحكين!
(٦ )
أكثر الشياطين إبداعاً هي التي تدخل لعقل الإنسان عبر الفن، والتي تدخل للفنون عبر الإنسان، وليس بالضرورة أن تكون ضارة، لكن العرب يعطونها مرتبة «شيطان» بسبب ارتباطها بالفن، فيقولون: «شياطين الفن!».
(٧ )
أجمل الشياطين هو الحب، سواء أكان بريئاً كحب الطفولة أو محرماً كحب الشعراء للكذب! هو بكل صوره جميل!
خاتمة:
قد تُوجد نسبة بطالة «للشياطين» في أحد المجالات، ولكن ليس في مجال «السياسة»!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 22 نوفمبر 2012

كن شخصاً غير عادي!

لا تكن ذاك الشخص الذي يمشي بملل كل صباح إلى عمله كي يعود في المساء بنفس ثوب الملل الذي يلبسه، ليشرب الشاي مع رجال الحارة! لا تكن ذاك الشخص الذي يبتلع أثقل الأكلات على الغداء لينسحب بعدها إلى سبات «قيلولي»، وليصحو بعد ذلك من نومه ليأكل طعاماً أثقل! لا تكن ذاك الشخص الذي يحلم في الليل ليعود إلى واقعه الكئيب في الصباح! لا تكن ذاك الشخص الذي لا يهمه نوع الموسيقى التي يسمعها في سيارته، ولا تعنيه رؤية الأفلام مع ابنته، ولا قراءة قصص الأطفال لصغيره في الليل! لا تكن ذاك الشخص الذي يمر كل يوم بجانبنا وجانبك ليسلم علينا بابتسامة متكلفة! لا تكن شخصاً عادياً، يعمل بشكل عادي غير دقيق، ويرى الأشياء عادية بدل أن يراها رائعة، ويصلي بروتين بدل أن يصلي بخشوع! لا تكن شخصاً عادياً كملايين الأشخاص الموجودين على الأرض، بل كن أنت وأكثر وكن مختلفاً في ذلك! أبرز شخصيتك وحلمك وفكرك واتبعهم وطورهم ومن ثم تعلم من أخطائك!
سبق أن قلت إن الاختلاف نعمة ورحمة من الله، وإنه لون من ألوان الأرض، فالأرض تختلف كثيراً عن باقي الكواكب والأقمار والشمس، ففيها الإنسان يعيش بأكسجين، وفيها اختلاف جغرافي وجيولوجي لا يوجد مثله في غيرها، بل إنها تختلف مع نفسها من مكان إلى آخر، من الصين إلى أميركا! والله تعالى خلقنا ذوي أشكال مختلفة كي يعبر ذلك –ونعبر- عن اختلافنا الداخلي الناتج عن الوعي والتفكر لا الانقياد والانصياع الأعمى وراء الآخر، فهذا هو أكبر خطأ قد يقع فيه أي إنسان اختار أن ينسى نفسه من أجل آخر، أو أن ينصب نفسه كمرآة لشخص آخر.
والحياة في يومنا هذا تلح على الفرد أن يكون مختلفاً، ففي العمل مثلاً يُقبَل من كان يعرف لغة أو لغات إضافية أو مهارة أو مهارات إضافية قبل غيره، وبشكل عام وفي كل مجال يجب أن يكون هنالك حماس للاختلاف والتغيير، فبدون الحماس لا يوجد اختلاف -إيجابي على الأقل- وإن وُجد فهو طفيف لا يكاد يبين! فالاختلاف يتطلب الحماس، والنجاح يتطلب الاختلاف! فستيف جوبز لم يكمل تعليمه الجامعي، وكان فاشلاً بنظر أساتذته، إلا أنه أنشأ «أبل» التي نعرفها اليوم، رغم أنه في مرحلة من حياته طُرد منها، أي الشركة التي أسسها وكان رئيسها! لكنه أصر واختلف عن باقي الأشخاص العاديين الذين كانوا يستسلمون ويقولون: «إن هذا ليس مقدراً! سنجد مجال عمل آخر نعمل فيه»، لكنه لم يفعل ذلك، بل ثابر إلى أن رجع إلى شركته مرة أخرى، وأخرج لنا الروائع من «الآي بود» إلى «الآي فون» و»الآي باد»! وكذلك لدينا أمثلة كثيرة من المبدعين أمثال أديسون الذي انتقل من بيع الصحف والحلوى إلى الاختراع وإدارة الأعمال، وأينشتاين الذي انسحب من المدرسة، ويشاع أنه رسب في مادة الرياضيات، إلا أنه بعد ذلك أصبح أحد أهم ١٠٠ رجل في تاريخ البشرية في القرن العشرين! هذا هو الاختلاف في الأنفس والأشخاص، رغم سوء الأحوال!
قال الله تعالى: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»، وهذه الآية كانت إشارة إلى القرآن الذي نزل في ٦ آلاف آية، وعلى مدى ٢٣ سنة متقطعة، وأنه كان ستوجد فيه اختلافات كثيرة ومتناقضات لو كان من عند غير الله -أي من عند البشر-، فالاختلاف إذن واجب على البشر، ويتجلى ذلك خاصة في مدى حياة الإنسان نفسه، الذي يتغير من طفولته إلى مراهقته، ومن شبابه إلى شيخوخته، والفطن هو من يختار كيفية التغيير والاختلاف إلى ماذا، فلا يسلم أمره للزمان ليشكله كيفما تشاء الحوادث!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 15 نوفمبر 2012

حال العرب اليوم!

يعلموننا منذ الصغر أننا أمة عربية واحدة، وأننا لسنا أمماً متعددة تجمعها لغة تختلف لهجتها من بقعة لأخرى! يعلموننا منذ الصغر أن قضيتنا الأولى هي فلسطين، وأن عدونا هو الكيان الصهيوني، مهما تقدمت أو تأخرت المواجهات معه! يعلموننا أن الإسلام هو أكثر الأديان سماحة وسعة، وأننا أمة وسط، بل وإننا خير أمة أخرجت للناس، وأنه يجب علينا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر!
علمونا الكثير، إلا أننا وجدنا أنفسنا أمماً ودولاً متفرقة لا أمة واحدة، تفرقنا الأمور الكبيرة ولا تجمعنا الأمور الصغيرة! وجدنا أنفسنا ننسى فلسطين ونركز على بقية المصائب التي لا يكل تواليها على رؤوس العرب، بل وإننا نجد عرباً يؤمّنون حدود المناطق التي احتلتها إسرائيل، ومع ذلك يهتفون بالممانعة والمقاومة! عرفنا بأن الإسلام هو من أكثر الأديان المفهومة بشكل خاطئ من قبل أتباعها أكثر من غيرهم! فنراهم يتشددون والدين يوسع لهم، ويضيقون والإسلام يرحب بهم! وجدنا الأمة الوسط، متطرفة في نظر العالم، وأنها لا تأمر بالمعروف، هي فقط تنهى عن المنكر وتصر على ذلك حتى يتململ الطرف الآخر وينزعج!
الفرق شاسع ومحبط بين ما نتعلمه نظرياً في المدارس والبيوت وبين ما نراه واقعاً في الشوارع والصحف عن أمتنا العربية والإسلامية، فأممنا العربية اليوم ممكن أن تهجم على بعضها البعض بسبب مباراة كرة قدم! وهو أمر عادي بأن نسمع اتهامات من دولة عربية تتهم دولة شقيقة بدعم الاحتجاجات فيها أو دعم جماعة تُوجد داخلها! وأصبح شيئاً طبيعياً أن تستثمر دولة عربية في أخرى -بدل استثمارها في الدول الأوروبية- فتثور ثائرة بعض أفرادها فيتهمون الدولة الأولى بمحاولة احتلالها! هذا بخلاف فلسطين التي انقسم أهلها أنفسهم عليها، فأصبح لكل طرف منهم جبهة يحاول تعزيزها وحده دون أن يهتم أو يلتفت للآخر!
حالنا اليوم يجعلني أتحسر على أوقات في القرن الماضي، عندما كان هنالك وجود فعلي -أو قريب من ذلك- لجامعة الدول العربية في بدايتها، عندما كانت تساند الدول العربية بعضها البعض في المواقف والأفعال، خاصة نحو فلسطين، قضيتنا العربية الإسلامية الأولى. حال العرب اليوم يجعلني أتذكر مقولة عبدالله القصيمي عن العرب عندما وصفهم بالظاهرة الصوتية، ولو كان حياً في يومنا هذا لاختصر ما قاله بعبارة: «العرب: كذبة صوتية!»
أتمنى أن نعيد إحياء الأمل في أمتنا مجدداً، كي نغير حالها من واقع اليوم إلى ما كانت عليه سابقاً، كي ترجع قوتها و»توسطها»، ولن يحدث ذلك إلا بتطبيق ما نتعلمه نظرياً على واقعنا، كأمة عربية مسلمة واحدة، تفكر بعقل واحد، وتتحرك وتعمل بجسد واحد، تتداعى أعضاؤه إلى مساعدة العضو المريض فور مرضه، لا بالرقى فقط بل بالدواء أيضاً!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 8 نوفمبر 2012

كارثتنا وكارثتهم!

ضرب إعصار ساندي أميركا وهزها لأيام مخلفاً القتلى والدمار في مدنها وشوارعها، وقد هز الإعصار أيضاً صدور بعض «المسلمين»، ولكن ليكشف عن خراب فيها لا ليدمرها، فشمت من شمت بالكارثة الطبيعية التي عصفت بأميركا، ودعا من دعا عليها بالهلاك بكل ما فيها، وأن يتلقف الإعصار كل ما يمكنه من مدنها وغيرها من دعوات تجلت في وسم «تويتري» حمل اسم «اللهم اجعل ساندي كريح قوم عاد»!
نعم لقد حلت بأميركا كارثة، ولكنها كارثة طبيعية بفعل الاحتباس الحراري والعوامل الأخرى الطبيعية. ونحن نرى أن كارثتهم غضب وعق(و)بة من الله لهم، وهم يرونها في شكل (عقبة ( ، يقدرون بسهولة بعدها وفي وقت قصير، أن يمروا فوقها ويبنوا عليها الشوارع والمدن والبيوت، كما هو الحال بعد كل كارثة مشابهة تصادفهم.
ولكن ماذا لو حدث إعصار ساندي في مدينة عربية؟ هل كانت لتبقى المدينة واقفة على رجليها في اليوم التالي من بعد مروره بها أو حتى بعد ذلك بأسابيع؟! كارثتنا وفاجعتنا الكبرى ليست في هذه الافتراضات التي يمكن أن تحصل أو حتى حصلت في الماضي، بل هي في ما أصابنا في إنسانيتنا، فهنا تكمن الفاجعة! فليس هو من الدين ولا من الإنسانية بأن يدعو إنسان على إنسان آخر بريء مثله بالموت، بل وبأبشع الطرق التي سطرها الله كعبرة وعظة لمن سيخلف الأرض، بدل الدعاء لهم بالهداية وتركهم لشأنهم! ليس هذا بالفهم الصحيح للدين، ولو فهمناه فهماً صحيحاً ما كنا لنخرج بهذه النتيجة المخزية والمعيبة لصورة الإسلام والمسلمين!
يمكننا أن نقيم على أنفسنا مأتماً وعويلاً إلى أن نُرجع لأجسادنا إنسانيتها التي فقدناها، أما هم، فصحيح أن إعصار ساندي أحصى عدداً منهم وخلف خسائر تقدر بـ 50 مليار دولار، إلا أنهم سيداوون أنفسهم بسرعة وسيرجعون إلى ما قبل ساندي في مدة قصيرة، لأنهم سيعاودون الإنتاج، وهم -بالتأكيد- قادرون على استعادة الـ 50 ملياراً التي خسروها وأكثر، أما نحن فسنبقى كما كنا، وسنرجع لعجزنا وكسلنا لنقوم مرة ثانية عندما تصيبهم مصيبة أخرى، نتضرع بدعوى تقول -مثلاً-: «زدهم يا رب من عذابك ولا تبق منهم أحداً!» لنرجع بعدها لسباتنا العميق ملتحفين بلحاف الجهل السميك!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 1 نوفمبر 2012

صورة العربي النمطية

المشهد الأول:
رجل متسخ وقذر الملابس والوجه، لم يحلق لحيته وشعره منذ سنوات، يتجول في عرض الصحراء وطولها مع كلبه، ينتظر أحد عابري السبيل كي ينقض عليه ويسلبه كل ما يملك.
المشهد الثاني:
إمام انتهى من صلاته في المسجد، ثم اجتمع مع ثلة من الذين صلوا معه ليتناقشوا في وضع خطة تفجير مبنى مليء بالبشر.
المشهد الثالث:
عائلة تتجول في منزلها التي تملك داخله جبالاً من النقود المكومة والذهب وفي حديقته بئر نفط.
تتعدد المشاهد وتبقى صورة الرجل العربي الجاهل والقذر والعصبي المتعصب الذي لا يزال يلتحف السماء ويتنقل فوق الجمل، واحدة! هل هذه صورة العربي الحقيقية؟ هل هي صورة أغلبية العرب أم أقليتهم؟ وإن كانت هذه الصورة مشوهة فلماذا يحرص الغرب على إبرازها بدل صورة العربي الحقيقية؟!
الحقيقة أن الكثير من ساكني الشرق والغرب لا يعرفون «العربي» الحقيقي الذي قد لا يكون أياً من الصور السابقة الذكر، فلا هو مجرم عاطل، ولا إرهابي يتغطى بكسوة الدين، ولا هو ثري لا يعرف أين يصرف أمواله اليوم! معظم العرب ليسوا كذلك، بل إن البيئة العربية الجغرافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، تجعل كل عربي تقريباً يختلف عن سواه في أكثر مسالك الفكر، لتنوع بيئته التي يغرف منها ولثرائها، وإن كان الغرب والشرق يحرصان على إظهار العربي كالحمار الذي يحمل الأسفار، فهذا لأن هذه هي الصورة التي شاعت عن العربي مذ عقود طويلة، كما أن معظم العرب الذين يتم تتويجهم على قمة الشهرة وفي واجهتها هم «أسياد» المرأة والإرهابيون المتأسلمون والمبذرون المسرفون والأغبياء الجاهليون، ومن تضعهم حقوق الإنسان والحيوان في قائمتها السوداء! هم لا يعرفون المفكرين منا ولا المثقفين ولا الأدباء ولا العلماء الذين يختلسونهم منا في أحيان كثيرة، هم لا يعرفون سوى من نحرص ويحرصون على إلقاء الضوء عليه من أجل متعة القارئ والمشاهد. فلماذا يعرضون صور الفلسطيني الصامد في وجه الاحتلال في الضفة الغربية وغزة مثلاً، وصورة الرجل الجاهل الذي يرقص من أجل ريال، أكثر إمتاعاً؟!
يشوه الغرب والشرق صور العربي ويصرون على ذلك، ولكن رغم ما تنتجه السينما والأدب العالمي من صور نمطية له، إلا أننا نساهم أكثر في تشويهها عندما نجادل المتجادلين ونخلق متطرفين جدداً كل يوم عن طريق إهمال الشباب بدل التركيز عليهم وعلى طاقاتهم المبدعة والمتقدة التي يحملونها في داخلهم، فهم من يساهمون فعلاً في تغيير العالم العربي وهم القادرون على تغيير صور العرب النمطية، إن فقط، منحناهم الفرصة لذلك.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...