الخميس، 8 نوفمبر 2012

كارثتنا وكارثتهم!

ضرب إعصار ساندي أميركا وهزها لأيام مخلفاً القتلى والدمار في مدنها وشوارعها، وقد هز الإعصار أيضاً صدور بعض «المسلمين»، ولكن ليكشف عن خراب فيها لا ليدمرها، فشمت من شمت بالكارثة الطبيعية التي عصفت بأميركا، ودعا من دعا عليها بالهلاك بكل ما فيها، وأن يتلقف الإعصار كل ما يمكنه من مدنها وغيرها من دعوات تجلت في وسم «تويتري» حمل اسم «اللهم اجعل ساندي كريح قوم عاد»!
نعم لقد حلت بأميركا كارثة، ولكنها كارثة طبيعية بفعل الاحتباس الحراري والعوامل الأخرى الطبيعية. ونحن نرى أن كارثتهم غضب وعق(و)بة من الله لهم، وهم يرونها في شكل (عقبة ( ، يقدرون بسهولة بعدها وفي وقت قصير، أن يمروا فوقها ويبنوا عليها الشوارع والمدن والبيوت، كما هو الحال بعد كل كارثة مشابهة تصادفهم.
ولكن ماذا لو حدث إعصار ساندي في مدينة عربية؟ هل كانت لتبقى المدينة واقفة على رجليها في اليوم التالي من بعد مروره بها أو حتى بعد ذلك بأسابيع؟! كارثتنا وفاجعتنا الكبرى ليست في هذه الافتراضات التي يمكن أن تحصل أو حتى حصلت في الماضي، بل هي في ما أصابنا في إنسانيتنا، فهنا تكمن الفاجعة! فليس هو من الدين ولا من الإنسانية بأن يدعو إنسان على إنسان آخر بريء مثله بالموت، بل وبأبشع الطرق التي سطرها الله كعبرة وعظة لمن سيخلف الأرض، بدل الدعاء لهم بالهداية وتركهم لشأنهم! ليس هذا بالفهم الصحيح للدين، ولو فهمناه فهماً صحيحاً ما كنا لنخرج بهذه النتيجة المخزية والمعيبة لصورة الإسلام والمسلمين!
يمكننا أن نقيم على أنفسنا مأتماً وعويلاً إلى أن نُرجع لأجسادنا إنسانيتها التي فقدناها، أما هم، فصحيح أن إعصار ساندي أحصى عدداً منهم وخلف خسائر تقدر بـ 50 مليار دولار، إلا أنهم سيداوون أنفسهم بسرعة وسيرجعون إلى ما قبل ساندي في مدة قصيرة، لأنهم سيعاودون الإنتاج، وهم -بالتأكيد- قادرون على استعادة الـ 50 ملياراً التي خسروها وأكثر، أما نحن فسنبقى كما كنا، وسنرجع لعجزنا وكسلنا لنقوم مرة ثانية عندما تصيبهم مصيبة أخرى، نتضرع بدعوى تقول -مثلاً-: «زدهم يا رب من عذابك ولا تبق منهم أحداً!» لنرجع بعدها لسباتنا العميق ملتحفين بلحاف الجهل السميك!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...