الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

الكتابة.. على أي حال

 لا يستطيع الكاتب الكتابة في المطاعم والمقاهي المزعجة، عالية الموسيقا، ولا يرغب في الكتابة في المقاهي الميتة بلا أناس يحيونها بحكاياتهم. الكاتب يرتاح قلمه في المقهى الذي يرتاده الناس ليختلوا بأنفسهم، قريباً من الناس، أو ليجتمعوا بأصحابهم على طاولة عمل واحدة، ليتركوا بعدها أعمالهم مقابل النميمة وأخبار المشاهير، أو لينضبطوا في أعمالهم انصياعاً لجدول مواعيدها.
يجب أن يكون المقهى الذي يلجأ إليه الكاتب للكتابة حي بما فيه الكفاية.. تحدث الحياة فيه بما فيه الكفاية، يتمشّى الناس في شارعه، يضيعون أمام نوافذه، يتفقد قائمة طعامه عدد لا بأس به من الناس. هؤلاء الناس، أفعالهم، كلماتهم، صفاتهم، مشاعرهم، عرقهم، حيواتهم، جميعها حبر الكاتب، ويده التي تدفعه للكتابة.
ويبقى الكاتب ملك المساحات المكانية والزمانية، إن أراد فعلاً فهو قادر على الكتابة في أي مكان وزمان، في السلم والحرب، في المطارات والفنادق، في المطاعم والبارات كما فعل هاروكي موراكامي في بداياته.. في مغاسل السيارات وحتى مغاسل الموتى. هو قادر على الكتابة جالساً على الأرض، أو واقفاً مثل همنغواي.. الكاتب يكتب وهو يأكل، وهو يشرب، وحتى وهو في خضم محادثة مع أحد الأصدقاء أو الغرباء. هوقادر على الكتابة في الماضي وسكن التاريخ، والكتابة في المستقبل حول المستقبل، للمستقبل. ولربما يكون الوحيد القادر على فهم كل هذا! لا يحتاج الكاتب إلى جو وإلهام وموعد ومكان معين وموسيقا رائعة للكتابة.. لا يحتاج الكاتب إلى الصلاة لآلهة الإلهام والتضرع ليوتيريبي أوإيراتو. كل ما يحتاجه الكاتب هوعزم وإصرار على الكتابة، وتفريغ نفسه للطرق على رأسه والضغط على أصابعه حتى يُخرج من تحت أظافره عصارة الحياة البيضاء.
المكان والزمان نفسه، له تأثيره على الكاتب، الذي ينقل ما يُنقل إليه، ولذلك يُقال دائماً لا تثق بكاتب، خاصة وإن كان شاعراً، فعندها يُضاف نقله للكلام إلى كونه يقول مالا يفعل! وحتى الموسيقا، تجد أثرها في كلمات الكاتب سواء أكانت هادئة أم صاخبة، كما يترك بعض أنواع السرطان أثره في الدم، يحتاج القارئ إلى فحص دقيق ليكتشف الموسيقا في حروف الكاتب.
وصحبة الكاتب تُزرع في كلماته أيضاً، إن كان صاحبه ذا مبادئ وخلق وعلم، ثقل ميزان كلماته وارتفع عمق معانيه، وإن كان صاحبه، جاهلا عليل القلب سليط اللسان، جاءت كلماته، متخبطة، متلاصقة ومن ثم متباعدة.. صعبة الترابط والفهم. وحيث إنه لا يوجد أقوى من تأثير الإنسان على الإنسان، ولا يوجد أعمق من فهم الإنسان للإنسان. فاتصال الإنسان بالكلمات مرتبط بغيره من الناس، وأكثر من يفهم هذه الصلة هو الكاتب، فلا يكون له جبر إنسان على الشعور بكلمة لم تؤثر به، خاصة وأن القارئ هو أفضل صديق للكاتب، وأكثر من يؤثر على كلماته، بل إن القارئ هو من يختار في أحياناً كثيرة ذوق الكاتب في الكتابة، وطرقه ومساراته، وأسلوب حياته، بل وقد يفرض كل ذلك وأكثر على الكاتب.. إن استمتع الكاتب بصحبة القارئ!


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة الشرق القطرية

انضممت بحمدلله إلى صحيفة الشرق القطرية

 


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...