السبت، 8 ديسمبر 2018

نحو الشغف





في الأسابيع الماضية، تغير شكل واشنطن. تمت إعادة انتخاب مجلس النواب الأمريكي بأكمله مع ثلث مجلس الشيوخ. و كانت الصورة مبهرة.
حصلت أكثر من مائة امرأة على كرسي في السلطة التشريعية، و تنوع تمثيل جمع الناخبين من ناحية الدين و العرق و الجنس. هذا الإنجاز لم يحصل بين يوم و ليلة، بل كان ردة فعل على وصول ترامب إلى البيت الأبيض و تجاوزاته التي لا تعد و لا تحصى. حيث جعل العديد من الفنانين و الإعلاميين و المؤثرين، عنوان رسالتهم في أكتوبر و نوفمبر هي التصويت لإحداث فرق! بل أن البعض منهم مثل شيلسي هاندلر، تركت برنامجها كي تحث النساء على الترشح و التصويت في المناصب المختلفة على مستوى ولاياتهم و على مستوى الدولة. هذا الشغف جعل الكثير ممن يعتبرون أصواتهم بلا فائدة، يتجهون إلى مراكز الإقتراع للتصويت. هذا الشغف غير حالة اللامبالاة التي عاشها الكثير إلى حالة اهتمام و متابعة لما يحصل.
و رأيي بأن معظمنا إن لم يكن جميعنا، نعيش في حالاة لا مبالاة أو تبلد نحو شيء ما في حياتنا لأننا اعتدنا وجوده أو سلمنا بوجوده. أصبحنا نبخس قيمة الكثير من الأشياء، فلا نقدر قيمتها الحقيقية إلا بعد فوات الآوان في أكثر الأحوال. فقدنا الشغف و الاهتمام و الانبهار. أصبحنا نحتاج صفعة على الوجه كي نستيقظ و نقرر بأننا نريد أن نفعل شيئاً ما لنغير الوضع. هذا ما حصل بإختصار في الإنتخابات الأمريكية النصفية الأخيرة. و هذا ما يجب أن يحصل في كل مكان و كل مجال لننهض في العالم العربي. و الحقيقة بأننا بدأنا نرى شيئاً من ذلك بعد ما حدث مع جمال خاشقجي رحمه الله. انتعشت مرة أخرى المطالبات بإعلام حر و تقبل الآخر و حماية للصحفيين و المدنيين و حقوق الإنسان في الدول العربية. و لكن ذلك لا يكفي. يجب على الشغف ألا يموت. و الشغف لا يموت و لا يستسلم. الانبهار لا يُولد عليلاً أو معلقاً على شرط أو سبب. و لكننا من نختار حياة شغفنا و موته. نحن من نختار ما يبهرنا و ما يرسل النعاس نحونا. و هذه قضايا يجب ألا يمسها الموت أو النعاس أو الغيبوبة. فنحن بحاجتها. نحن في حاجة إلى التغيير. الآن.


جواهر بنت محمد آل ثاني

تاريخ ٢١/١١/٢٠١٨


أنا بعيداً عن أنت




حصلت مؤخراً حادثتان مهمتان، الأولى عندما عرض الأسبوع الماضي المغني الأمريكي الشهير كانييه ويست على متابعيه رسائل بينه و بين مؤسسي تويتر و سناب شات مع مناشدته لباقي برامج التواصل الإجتماعي كإنستغرم و فيس بوك على عدم عرض أعداد المتابعين (followers) و الإعجاب (likes) إلا لصاحب الحساب. و أشار إلى أن هذه الأمور تشغل بال المراهقين و الشباب كثيراً إلى درجة أن بعضهم قد يتجه إلى الإنتحار بسبب قلة متابعيه و الإعجاب الحاصل عليه!
و الثانية بعد موت المغني ماك ميلر نتيجة جرعة مخدرات زائدة، و انهال المعجبون الشباب على حبيبته السابقة المغنية آريانا قراندي بالشتم و التحقير لأنها كانت قد تركته قبل موته لاستخدامه المخدرات. في اعتقادهم أنه لم يكن ليموت لو أنها وقفت إلى جانبه و حاولت مساعدته.
في رأيي الحادثتان تبينان لنا حجم المعضلة التي يواجهها الشباب و المراهقين في تعاملهم مع أنفسهم و غيرهم و خاصة أولئك الغريبين عنهم في فضاءات برامج التواصل الإجتماعي. هذه الأجيال الجديدة تعاني من ضياع و محاولة إثبات نفس أمام الغرباء، خاصة الغرباء “السعداء” في نظرهم. و هذا جعلهم لا يفكرون سوى بأنفسهم، بنجاحاتهم، بفشلهم، بسعادتهم، بحزنهم، بالآلامهم ، و معاناتهم و طريقهم و رحلتهم، و ما عدا ذلك إلى الجحيم. انغماسهم بأنفسهم جعلهم ينسوون الآخرين و الآلامهم و معاناتهم، فكم معجب من أولئك المعجبين، عرف فعلاً ما حدث بين جراندي و ميلر؟ من منهم يعرف إن كانت حاولت مساعدته أم لا، أو إن كان موته انتحار أو خطأ و حسب؟ لا أحد منهم يعرف. و لا أحد منهم فكر في ذلك قبل مهاجمته لجراندي. فكروا فقط بأنفسهم و حزنهم على موت فنانهم المفضل.
إذاً، فنحن أمام أجيال جديدة، همها أن تكون سعيدة أكثر من غيرها حتى “ترضى”، و لن ترضى. و بسبب ذلك أصبحت هذه الأجيال قاسية جافة تولي أنفسها كل الاهتمام دون غيرها. لا تفكر إلا بنفسها، و لا ترغب تحقيق سوى نفسها. مفاهيم المساعدة و التكافل و التعاون قد تبدو غريبة عليهم، كيف يفهمونها و هم لا يستطيعون فهمها؟ هناك أمور أولى في نظرهم مثل الاهتمام بصورتهم الشخصية في برامج التواصل الإجتماعي، و زيادة قواعد معارفهم.
أقول للأجيال الجديدة: التواضع ثم التواضع ثم التواضع. اعرفوا مكانكم و مستوياتكم. ارضوا بما أنتم فيه و عليه الآن، و اعملوا على تغييره إن لم يعجبكم. لكل انسان سرعته في حياته. لا أحد ينافس الثاني في سباق الحياة، لأنه لا يوجد سباق واحد. لكل انسان سباقه الخاص، ينهي تعليمه الجامعي أو لا ينهيه، يتزوج قبل صديقه أو لا يتزوج، ينال وظيفة أحلامه أو لا ينالها أو ينالها متأخراً. لكل عمل و مرحلة من حياتكم، وقت، لن تتأخروا عنها و لا تسبقوا أنفسكم إليها، فلا تستعجلوا شيئاً، و استمتعوا بالرحلة!






جواهر بنت محمد آل ثاني
تاريخ ٣/١٠/٢٠١٨

لا هستيريا و لا دراما

عندما تتحمس المرأة في المباراة، تكون هستيرية ويجب معاقبتها، وعندما يقوم الرجل بالشيء نفسه، يكون فصيحاً ومقداماً ولا تلحقه العواقب، هذا ما قالته لاعبة التنس الشهيرة السابقة بيلي جين كينج بعد خسارة سيرينا ويليامز في بطولة أميركا المفتوحة للتنس.
ما حدث هذا الأسبوع في البطولة الأميركية المفتوحة للتنس كان مفاجئاً، وإن لم يكن صادماً، خسرت البطلة الأميركية سيرينا ويليامز أمام اليابانية نايومي أوساكا، بعدما أعطى الحكم تحذيراً لويليامز بداعي قيام مدربها بتوجيهها في المباراة -وهو أمر مخالف للوائح التنس- هذا الأمر استفزّ ويليامز التي ردت عليه بأنها تُفضّل الخسارة على الغش، كسرت ويليامز مضربها على أثر اتهام الحكم لها، مما جعله يخصم منها نقطة، فاتهمته «بسرقة هذه النقطة منها»، فعاقبها بخسارة شوط كامل.
لن أكتب عما فعلته ويليامز في البطولة، ولكن سأتحدث عما يحصل في هذه البطولة وغيرها من البطولات، الواقع أن ما حصل يحصل دائماً في بطولات الرجال في ألعاب التنس وغيرها، وأخص بالذكر لاعب التنس الشهير السابق الأميركي جون مكنرو، ولكن لم يتم التعامل معه أبداً من قبل الحكم كما حدث مع ويليامز.
لدينا في كرة السلة وكرة القدم كثير من الأمثلة على مهاجمة -لا انتقاد- اللاعبين الرجال للحكام، ونادراً ما تتم معاقبتهم أو التصرف معهم على أنهم «هستيريون»، ويجب عليهم أن يهدأوا!
كثر الحديث عن تغيير قواعد التنس من ناحية السماح للمدربين بالتوجيه بسبب ما حدث، ولكن الأولى أن يكون الحديث حول طريقة معاملة المرأة في اللعبة، لأنها صورة مصغّرة عن طريقة معاملتها في المجتمع.
ما حدث مع سيرينا حدث مع لاعبة فرنسية قبلها اسمها اليس كورني، التي استوعبت خلال استراحة في المباراة أنها لبست قميصها بالمقلوب، فقلبته ولبسته مرة أخرى مما جعل الحكم يعطيها تحذيراً، رغم أنها كانت تلبس تحته ما يغطي جسدها، هذا الأمر يفعله لاعبو التنس الرجال دائماً في البطولات عندما يكون الجو حاراً، ولم يحدث أن أخذ أحدهم تحذيراً على ذلك.
بالنسبة لي، كان ما فعلته سيرينا ويليامز رائعاً، ولا أقصد كسرها لمضربها أو ما قالته بالتحديد، ولكن أقصد تعبيرها عن نفسها، وعدم خوفها من ذلك، برأيي، على كل امرأة أن تفعل ذلك، أن تعبّر بصراحة عندما ترى خطأ يجب تصحيحه، أو تكشف ظلماً وقع عليها، على كل امرأة أن تغضب عندما يحدث ظلم أمامها، وعندما لا تتم مساواتها بالرجل على الفعل نفسه، على كل امرأة أن تثور، لا لنفسها فقط، بل لغيرها أيضاً من نساء كثر لم تسنح لهن الفرصة للتعبير عما في داخلهن.
أقولها كما قالتها الكاتبة سيليا والدن، كان «غضب سيرينا رائعاً»، لأنها لم تسمح لأحد أن يعاملها بطريقة مختلفة، كان رائعاً لأنها عبّرت عما في داخلها، وعن حقيقة كثيرات غيرها من النساء، ويؤسفني كثيراً الطريقة التي تلقى فيها الإعلام العربي ما حدث، بخلاف الإعلام الأميركي، فعلاً أمامنا طريق طويل في إحداث فرق في الفكر والعدل والمساواة.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
تاريخ ١٣/٩/٢٠١٨



المرأة و "حاجاتها"

المرأة سكرتيرة أو ربّة منزل، لا يُسمع رأيها ولا يؤخذ به.. هذا هو واقع الستينات في الولايات المتحدة الأميركية الذي صوّره المسلسل الشهير «Mad Men». يحكي المسلسل قصة مجموعة من الرجال العاملين في مجال الإعلانات مع «نسائهم».
باختصار، الرجل أبيض البشرة هو الشمس في المسلسل، وجميع ما عداه يدور حوله في مساره المحدد مسبقاً.
يُحسب لمعدّي المسلسل مصداقيتهم في نقل حقيقة حقبة بأكملها، ووقت لا نزال نرى آثاره حتى في أيامنا هذه. لا يزال عدم المساواة بين الرجل والمرأة عائقاً ملموساً، وإن كثرت الأصوات المنادية بالمساواة، فنحن نشهد الكثير من الأصوات بل والأفعال المعارضة للمساواة.
هذه الأصوات المعارضة تريد الإبقاء على الوضع الراهن، لا تسعى إلى تطور المرأة ولا إلى مساواتها بالرجل.. يريدونها ربّة منزل وحسب، وإن أرادت هي أكثر من ذلك! يريدونها سكرتيرة في جميع نواحي حياتها، كي يُملون عليها ما يريدون.. يريدونها ضعيفة مهمشة بلا قرار أو صوت، وإن كان ذلك أمام أولادها.
لن أتطرق إلى كون عدم مساواة المرأة بالرجل منافٍ للدين أو القانون، فقد قلت الكثير في ذلك، ولكنني أرجع لأقول بأنه منافٍ للعقل والمنطق.
يأتمن الرجل المرأة على بيته وأولاده، أي أكثر شيء قد يقترب من كونه معجزة إلهية على الأرض، ثم يقول إنها ناقصة دين وعقل و»حُرمة في الأخير»!
المرأة أمه وزوجته وأخته وعمته وخالته وابنته وابنة إخوانه، ولكنها لا يجوز أن تكون أمه التي تترك غطاء الوجه، أو زوجته التي تخرج كثيراً، أو عمته التي تقود سيارة، أو خالته ذات المنصب الرفيع التي تُدرج الصحف اليومية صورها، أو ابنته التي تسافر للدراسة في الخارج، أو ابنة إخوانه التي تعمل مع الرجال، أو أخته التي تتزوج أجنبياً. يصيح هؤلاء -منهم رجال ونساء- بأن المرأة «ما لها حاجة» في مساواة حقوقها بحقوق الرجال. أيعني ذلك بأن هذه الأصوات ستُسحق لو وُجدت امرأة «في حاجة» لهذه الحقوق لعدم وجود رجل في حياتها ليُنهي أمورها وأمور أولادها مثلاً؟ لا، فأزمتهم عبارة عن نقص فكري، ومعتقداتهم كانت -ولا تزال- نتاج حراك مجتمعي يفخّم دور الرجل ويشدّد على أهمية الذكورية كمعيار للتقدم والاستقامة.
تُحلّ عقدة اللامساواة بمعرفة وفهم والتصديق بأن المرأة لا تختلف عن الرجل، لا عندما يكونان في سن السابعة أو في سن الثامنة عشر أو العشرين أو الثلاثين أو المائة.. لن يختلفا سوى في البنية الجسدية، وربما العقلية الفكرية التي قد ترجّح للمرأة أو الرجل، وما عدا ذلك هراء تناوله الناس عبر السنين.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
تاريخ ٢٤/٨/٢٠١٨


تجعل كل شيء أفضل

تخيل نفسك في حفلة سيئة الترتيب، ضيوف كئيبون، طعام سيء، كراسي غير مريحة، صالة غير مكيفة، إضاءة ساطعة، وفي هذا الجو الباعث على الانتحار، بدأت موسيقاك المفضلة بالتسلل إلى الغرفة.
وقتها ستُرسم ابتسامة على وجهك، شئت أم أبيت.
الموسيقى تجعل كل شيء أفضل. المحادثة المملة بين شخصين تكون محتملة أكثر بوجود موسيقى جيدة في الخلفية. ولربما لهذا السبب، كثيراً ما نحتمل أفلاماً ومسلسلات سيئة بسبب موسيقى تصويرية رائعة.
الموسيقى تعطي الأفكار طعماً، والأفلام حياة، وتفتح المجالات المتكاثرة أمام خيال الإنسان.
لدينا التسجيلات الموسيقية، والعروض الحية، والحفلات، والأفلام، والمسرحيات الموسيقية، وكلها نشوة للروح.
والأمر المثير حول الموسيقى أنها قد تعمل كوسيلة شحن طاقة، أو تفريغ طاقة، عن طريق الرقص، أو حتى الاستماع وحسب.
أصدق من يقول إن الموسيقى دواء للروح، ولكن لا يكفي الاستماع إلى موسيقاك المفضلة المألوفة. العالم مليء بالموسيقى. وسع مداركك. استمع لما يستمع إليه الآخرون. خاطر قليلاً بذائقتك الموسيقية. عرضها إلى الخوف والخطر والصدمات. 
وإن كنت لا تحب الاستماع سوى للموسيقى المصحوبة بالشعر، اخرج عن طريقك المعتاد. استمع إلى مقطوعات شوبان وفيفالدي، وغير لباس روحك لدقائق معدودة. انغمس في شيء أكبر منك. ابحث عن شيء ضاع منك أو تقت إليه. كلها أشياء تعثر عليها عبر الموسيقى.
لا أستمع إلى الموسيقى كثيراً عندما أكتب، ولكني أفعل ذلك عندما أفكر أو أريد التفكير حول أمر ما. عندها تعمل الموسيقى كمحفز جمالي، لكل معضلة، وكل حالة، وكل أمر لم أعطه حقه.
أصحب الموسيقى معي في أسفاري وعملي ودراستي ورحلاتي، ولم تخيب ظني يوماً. كيف لها أن تخيب الظن، وهي من لها ذاكرة كاملة وحدها. تحفظ مكاناً ما في زمن ما في أغنية لا تتعدى خمسة دقائق.. تخلق لها عمراً في الروح.

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
تاريخ ٩/٨/٢٠١٨



لا تقاوم

(ل)
عن التنفس عميقاً، عن الاستلقاء الأخير بعد الدوران طويلاً، عن أول لحظة بعد العثور على التوأم الروحي، عن ثواني الوفاء آخر العمر، عن الجلوس على كرسي الطائرة وسط غيوم الخوف، عن إعطاء ابتسامة طال انتظارها، عن تقبل الحزن، وتقبل الفرح، وتقبل الحب، وتقبل الغضب، وتقبل الانتظار، والسعادة، والخوف، والحيرة.
عن الوقوع في حضن اللحظة الحالية دون تأوه أو صراخ.. عن الاستسلام.

(ا)
نجاهد كل يوم حتى لا نستسلم. نعمل ونتعب حتى لا يقول أحدهم عنا بأننا استسلمنا أو سلمنا أمرنا للغير. وفي أكثر الحالات، يكون الاستسلام هو الطريق الوحيد للنجاة في هذه الحياة.

(ت)
أقصد بالاستسلام، عدم مقاومة الحياة. أخذ فعل كل لحظة كما تجيء دون شغل التفكير بالماضي أو المستقبل. متابعة الحاضر، وحسب. إعطاء كل ثانية حقها دون اللهث لما ورائها أو الركض إلى ما يتبعها. كل ما نعيشه حقاً هو اللحظة الراهنة.. وما غيرها، هو نتاج تفكيرنا وخيالنا. وهذا يجعل كل ما نفكر به كماضٍ ومستقبل، بلا فائدة حقيقية إن أعدمنا استثمارنا في الحاضر.

(ق)
لماذا الحاضر وحسب؟ لأننا نتذكر الماضي كما صنعناه نحن، لا كما حصل، ولأننا نبني المستقبل كما نراه، بعين واحدة أو بعينين على الأكثر، بينما قد توجد في الكون آلاف الاحتمالات التي قد لا ندرك ربعها.

(ا)
ما العيب في الماضي والمستقبل؟ لا عيب ولا علة ولا خطأ. الخطأ في استرسالنا بالتفكير بالماضي، وشغله حياتنا وأفكارنا دون تعلمنا منه والمضي قدماً.
لا عيب في التخطيط للمستقبل، الخطأ في أخذه مساحة منا في كل خطوة نخطيها، وإن لم تكن لها علاقة بالمستقبل الذي خططنا له! بناء المستقبل من المفترض أن يكون طريقاً نرسمه، ثم نتركه لنمشيه في اللحظة الحالية، لا لنفكر به في كل لحظة من حياتنا! وإن كنا سنفعل ذلك، هل يكون عندها طريق، أم سجن، خلقناه بأفكارنا؟ 

(و)
قرأت أكثر عن كيفية الاستفادة من اللحظة الراهنة، والعيش بهدوء في كتاب ايكهارت تولي "قوة الحاضر" (The Power Of Now)، وقد أخذ بعض التعاليم في كتابه من البوذية والمسيحية. ووجدت أن الاسلام لا يختلف عن هذه التعاليم في الدعوة إلى ملازمة الحاضر، وعدم ترك الأمور لماضٍ كان أو مستقبل سيكون (إن شاء الله). أولم ترتبط قراءة القرآن الكريم بالتدبر والفهم العميق؟ ألا يكون ذلك من أقصى صور الاستسلام للحظة الراهنة، والعيش في فعل يطرد التفكير في أي شيء آخر؟

(م)
استسلموا. لا تقاوموا حاضركم بإزعاج أنفسكم بماضٍ ولده تفكيركم أو مستقبل قد لا تدركونه. كونوا مؤمنين كمن قال: "أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد". فالله هو الوحيد الذي يعرف ماضيكم الحقيقي ومستقبلكم الآتي.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
بتاريخ ٢٦/٧/٢٠١٨


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...