السبت، 8 ديسمبر 2018

أنا بعيداً عن أنت




حصلت مؤخراً حادثتان مهمتان، الأولى عندما عرض الأسبوع الماضي المغني الأمريكي الشهير كانييه ويست على متابعيه رسائل بينه و بين مؤسسي تويتر و سناب شات مع مناشدته لباقي برامج التواصل الإجتماعي كإنستغرم و فيس بوك على عدم عرض أعداد المتابعين (followers) و الإعجاب (likes) إلا لصاحب الحساب. و أشار إلى أن هذه الأمور تشغل بال المراهقين و الشباب كثيراً إلى درجة أن بعضهم قد يتجه إلى الإنتحار بسبب قلة متابعيه و الإعجاب الحاصل عليه!
و الثانية بعد موت المغني ماك ميلر نتيجة جرعة مخدرات زائدة، و انهال المعجبون الشباب على حبيبته السابقة المغنية آريانا قراندي بالشتم و التحقير لأنها كانت قد تركته قبل موته لاستخدامه المخدرات. في اعتقادهم أنه لم يكن ليموت لو أنها وقفت إلى جانبه و حاولت مساعدته.
في رأيي الحادثتان تبينان لنا حجم المعضلة التي يواجهها الشباب و المراهقين في تعاملهم مع أنفسهم و غيرهم و خاصة أولئك الغريبين عنهم في فضاءات برامج التواصل الإجتماعي. هذه الأجيال الجديدة تعاني من ضياع و محاولة إثبات نفس أمام الغرباء، خاصة الغرباء “السعداء” في نظرهم. و هذا جعلهم لا يفكرون سوى بأنفسهم، بنجاحاتهم، بفشلهم، بسعادتهم، بحزنهم، بالآلامهم ، و معاناتهم و طريقهم و رحلتهم، و ما عدا ذلك إلى الجحيم. انغماسهم بأنفسهم جعلهم ينسوون الآخرين و الآلامهم و معاناتهم، فكم معجب من أولئك المعجبين، عرف فعلاً ما حدث بين جراندي و ميلر؟ من منهم يعرف إن كانت حاولت مساعدته أم لا، أو إن كان موته انتحار أو خطأ و حسب؟ لا أحد منهم يعرف. و لا أحد منهم فكر في ذلك قبل مهاجمته لجراندي. فكروا فقط بأنفسهم و حزنهم على موت فنانهم المفضل.
إذاً، فنحن أمام أجيال جديدة، همها أن تكون سعيدة أكثر من غيرها حتى “ترضى”، و لن ترضى. و بسبب ذلك أصبحت هذه الأجيال قاسية جافة تولي أنفسها كل الاهتمام دون غيرها. لا تفكر إلا بنفسها، و لا ترغب تحقيق سوى نفسها. مفاهيم المساعدة و التكافل و التعاون قد تبدو غريبة عليهم، كيف يفهمونها و هم لا يستطيعون فهمها؟ هناك أمور أولى في نظرهم مثل الاهتمام بصورتهم الشخصية في برامج التواصل الإجتماعي، و زيادة قواعد معارفهم.
أقول للأجيال الجديدة: التواضع ثم التواضع ثم التواضع. اعرفوا مكانكم و مستوياتكم. ارضوا بما أنتم فيه و عليه الآن، و اعملوا على تغييره إن لم يعجبكم. لكل انسان سرعته في حياته. لا أحد ينافس الثاني في سباق الحياة، لأنه لا يوجد سباق واحد. لكل انسان سباقه الخاص، ينهي تعليمه الجامعي أو لا ينهيه، يتزوج قبل صديقه أو لا يتزوج، ينال وظيفة أحلامه أو لا ينالها أو ينالها متأخراً. لكل عمل و مرحلة من حياتكم، وقت، لن تتأخروا عنها و لا تسبقوا أنفسكم إليها، فلا تستعجلوا شيئاً، و استمتعوا بالرحلة!






جواهر بنت محمد آل ثاني
تاريخ ٣/١٠/٢٠١٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...