الخميس، 30 يناير 2014

«رفات» داميان هيرست

خرجت من معرض رفات للفنان البريطاني داميان هيرست والذي قدمته هيئة متاحف قطر مؤخراً، وأنا متأكدة من أمرين، أولهما: أن الفن كشكل من أشكال الحياة يمكن التعبير عنه بأية طريقة، سواء أكان ذلك في عرض سمكة قرش داخل غرفة من غرف المعرض، أو في لوحة منقطة الألوان، وألوان منقطة الشكل، أو في جماجم مرصعة بالألماس، وألماس معلق على رفوف من زجاج!
لم يكن رفات داميان هيرست ذا طعم تقليدي، فقطعه كانت متنوعة وغريبة بشكل لذيذ، وأفكاره كانت مختلفة إلى درجة يصعب فيها تصنيفه بسببها كفنان، بحسب المقياس الفني النمطي الذي يتخذه العرب، والذي يعتبر الفنان هو من يرسم أو ينحت في المقام الأول. ذكرني هذا المعرض بأعمال الفنانة أماني سلمان السعد، والتي اشتهرت بسبب رسمها على أشعة رأسها المقطعية!
كل ما قد يحرك مشاعر الإنسان وبأي وسيلة، هو فن! ولا يشترط أن يكون فناً ضمن إطار، ما دام قد أوحى بمعنى إلى من يطالعه، ولهذا لا أتقبل فكر من يقول: «عرض سمكة قرش ميتة ليس بفن!» فقائل هذه العبارة لم يقف في مواجهة سمكة قرش تفتح فاهها في وجهه، وتبعث فيه مشاعر الرهبة والخوف اللذين يدخلهما القرش كرمز للموت في صدر الإنسان.
ثاني أمر تأكدت منه بعد زيارة المعرض هو أهمية تسمية الفنان لأعماله وقطعه الفنية حتى لو اضطر إلى تسمية عمل من أعماله: «بدون اسم» أو غيره، مما يوحي بنفس المعنى. وقد تميز هيرست أيضاً بالعنوانين سواء أكانت تلك التي أسبغها على قطعه أو معارضه مثل: «استحالة موت جسد من كان عقله حي»، وهو العنوان الذي ختم به هيرست أكثر أعماله جدلاً، ومثل «رعب في المنزل» والذي يصف فيه مجموعة سجائر حقيقية جمعها من منافضها.
صحيح بأن العمل الفني يجب أن يتحدث عن نفسه، ويجب ألا يشعر الفنان بأن هنالك ضرورة لشرحه وتبريره، ولكن هذا لا يتعارض مع إعطائه عنواناً، لأن العنوان لا يعبر عن العمل بقدر ما يعطي الجمهور فكرة عن رؤية الفنان واتجاهه وربما لمحة عن قصده في مرات نادرة، حيث إن العنوان ومهما طال يستحيل أن يتعمق في نية الفنان فيكشف عن خبايا العمل، لأنه ليس إلا إشارة قد يتقبلها الجمهور وقد يرفضها وقد يفهمها وقد تعسر عليه وقد يصطادها وقد يفوتها، وذلك بحسب الفرد وقدراته.
الحياة كلها معانٍ، والفن وُلد ليعبر عن هذه المعاني، فيختلط بالحياة، ولذلك كان التعبير عنها بأي طريقة وبأي أسلوب، ومن ذلك كانت أهمية التسميات التي يصبغها الفنان على أعماله، لأن الفنان يعطي جمهوره عندما يُسمي قطعه وأعماله، إبرة وخيطاً، ليطالبهم بعدها بإكمال خياطة العنوان ومقاصده كما يرون بأعينهم لا بعيونه. ومن هنا تأتي مسؤولية الفنانين في أن يرتقوا في الفن وفي أساليب التعبير عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية، ومن بعدها تأتي مسؤوليتنا نحن كأفراد في المطالعة والتشجيع كي تزدهر واحات الرحمة والسلام في صدورنا وأجسادنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر


الاثنين، 27 يناير 2014

العنصرية الصامتة!

في مجتمعاتنا العربية -وأخص منها ذات الطابع القبائلي- تكثر الأمراض الاجتماعية، وأعدد منها -على سبيل المثال لا الحصر- الفقر والبطالة والعنصرية. أما الفقر فهو ليس بنقصان في صاحبه ما دام لا يضر به شخصه أو من حوله، والبطالة ليست بالعيب أيضاً لأنها -في أغلب الأحوال- إجبارية، ولكن العنصرية هي دوماً، وهي دائماً عن وعي وحرية إرادة وفكر، ولذلك هي أبشع الأمراض الاجتماعية التي قد تنخر في أي مكان، فتولد فيه شعوراً بانعدام المساواة وكتلة من الضغائن والحقد، التي تتكوم أكثر وأكثر في ظل غياب العدالة الاجتماعية.
العنصرية الموجهة نحو اللون أو الطائفة أو القبيلة أو المركز الاقتصادي أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، أو بشكل عام العنصرية الموجهة نحو أي اختلاف في الآخر، موجودة في كل مكان، ولكنها تكثر في أماكن دون أخرى لعوامل عديدة، منها ما هو تاريخي واجتماعي وحتى جغرافي. والعنصرية الغالبة الموجودة في معظم أنحاء العالم حالياً هي من النوع الصامت، أي ذاك النوع الذي لا يتكلمون به ولكنهم يمارسونه، ففي الخليج مثلاً- توجد بعض العائلات اللاتي لا تزوج بناتها إلا من عائلات معينة، بل إن بعضها لا يزوج بناته إلا لرجال من العائلة نفسها، ويبقون على هذا العمى حتى وإن لم يتقدم عريس من نفس العائلة! وهناك عائلات أخرى في الخليج والوطن العربي على حد سواء، لا تنظر إلى العريس، بل إلى جيبه ومركزه الاجتماعي، فإن كانا على مستوى عالٍ قبلا به، وإن لم يكونا كذلك رفضاه. وفي العراق ولبنان وحتى سوريا في وقتنا الحالي، اشتعلت الطائفية بشكل غير مسبوق، لدرجة أنها أصبحت مسألة وقت حتى تنتقل الطائفية من هذه البلدان إلى بقية الدول العربية، وخير شاهد على هذه العنصرية المقيتة التفجيرات الإرهابية المتبناة تحت مظلة تصفية الحسابات! ولا أنسى بورما وما يحدث هناك من تهجير وتضييق على المسلمين، سواء من الحكومة أو حتى من بعض مواطنيها الآخرين.
خلق الله الإنسان والآخر، وكل منهم مختلف ومتفاوت في صفاته وخصاله، وذلك لنتعايش مع هذا الاختلاف، سواء أتقبلناه أم لم نتقبله، فهذه هي أدنى درجات التحضر. ولم يختر الإنسان أياً من صفاته، وذلك رحمة وحكمة من ربه، كيلا ينبذ غيره المختلف وهو غير قادر على نبذ نفسه في المقام الأول.
يكمن حل العنصرية الصامتة في إفهام ومن ثم تعويد أطفالنا بالفعل على أن كل الناس سواسية وأنهم بلا فروق غير تلك التي اختاروها لأنفسهم، وأن الاختلاف الوحيد الذي يفاضل بينهم في الحقيقة هو كم الإيمان والتقوى، اتباعاً لقوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وحتى هذه تكون بين الرب وعبده، بدون حكم أو مراقب أو مفاضل غير الله!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

حلم.. فحياة.. فمستقبل!

* الأحلام تعيش مرتين، مرة عند الإصرار عليها ومرة عند تحققها، وتموت على أيدي أصحابها والحاقدين والعاجزين، وعلى أيدي من يكثرون في تفسيرها والسؤال عنها!
أفضل ما يمكن أن تفعله هو أن تبيع حلمك لنفسك، فإن وجدته يستحق الشراء، احتفظ به! هذا ما يجب على كل شخص فعله، فليس أهم من الحلم سوى تقييم الحلم، ومن ثم العمل من أجله.


* حلم فحياة، هذا هو أثر الأحلام، سواء تحققت على أيدي أصحابها أم لم تتحقق، لا بد للشخص أن يعيش إن حلم، فإما أن يعيش على أمل أو على محاولات تليها محاولات تتواصل لإرضاء ضميره.
البعض يقول إن الحياة عبارة عن حلم، ويكون ذلك في إشارة لمدى قصرها، ورغم صحة هذا القول إلا أن الحلم الذي يُحيي هذه الحياة غالباً ما يكون طويلاً ومجهداً وبعيد المنال، ومع كل صفاته الثقيلة والمزعجة إلا أن الوصول إليه يستحق النزول عند كل حفرة والمرور بجانب كل عقبة، لأن ذلك هو ما يعطي الحياة طعمها ورونقها.
ولا أجد أفضل من قوله تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».


* المستقبل هو اليوم الذي نعيشه ونصل عبره إلى ما نريد إن عملنا حقاً، أو إلى ما تريده الظروف والأقدار إن عملنا ولكن «بسلبية»! المستقبل ليس غداً ولا بعد غد أو ما بعده بعشر سنوات، فأي تاريخ هو واقع لا محالة، ولكن المستقبل هو الواقع الذي نختار أن نضع أنفسنا فيه كل يوم، بأفعالنا وأقوالنا وأفكارنا وأحلامنا.
لا تنتظروا المستقبل فهو حالة نفسية يصل إليها الشخص إذا حقق مبتغاه، ويبقى في انتظاره إذا لم يحاول الوصول إليه أو فشل وتوقف بعد محاولة أو محاولتين.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

فخ المسميات

عندما ننظر في الأسماء التي تنتشر من حولنا حالياً في الإعلام والمجالس، كما يقُال مثلاً عند الإشارة إلى منظمة ما بأنها إرهابية، أو شخصية على أنها جهادية ، وغيرها من المسميات الدارجة التي ينقلها الإعلام إلى متابعيه، ننظر إلى هذه المصطلحات من أربع عيون ولا أقصد من يلبس منا النظارة الطبية، بل أقصد أننا نتفرع إلى أربع فرق في ذلك. 
الفرقة الأولى هي من تضع هذه «الأسماء» عندما تكون مقاربة للحقيقة و»المسميات» عندما تكون أبعد عن ذلك، وهذه الفئة تتألف في الغالب «كمجمل من سلك الإعلام» من صحافيين وكتاب ومذيعين ومحررين عاملين في الصحافة الإلكترونية أو الورقية أو متخصصين في مجالات مختلفة كالسياسة أو الاقتصاد، وتتألف هذه الفئة في جزئها الأصغر من أشخاص عاديين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالإعلام أو الصحافة، وكل ما هناك بأنهم صادف وألقوا بمسمى فالتقطته كاميرا أو نقله أحد على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة حديثه عن خبر محلي مثلاً.
الفرقة الثانية وهي الصديقة العزيزة للأولى أو عدوتها اللدودة -بحسب الأحوال- هي من تريد أن تخضع المسميات لأهوائها عن طريق الفئة الأولى، فإن فعلت رضت عنها، وإن جحدت أو لم يكن بوسع الأولى تغيير المسمى لإرضاء هذه الفئة غضبت عليها الأخيرة! وهذه الفئة تتألف من السياسيين والاقتصاديين، وأصحاب القرار بشكل عام.
أما الفرقة الثالثة والفرقة الرابعة فتتشابهان فيما بينهما في كون أن معظمهم من الأشخاص العاديين، ويختلفون في الأغلب في درجة التعليم والوعي والثقافة والفكر، فالفرقة الثالثة لا تنخدع بالمسميات عندما تقرأها أو تسمعها، ولا تتشربها فوراً، بل تبدأ بالبحث عن الحقيقة خلفها مما يجعلها تقترب من الاسم الحقيقي والملامس للواقع، بعكس الفئة الأخيرة التي تقبل بالمسمى كما هو فتنقله بدون تفكير في مجتمعها، بل وقد يصل بها الحال إلى أن تتعصب لصالح المسمى، رغم أنها لم تبحث فيه ولا وراءه، وهذه هي الفرقة الأضعف التي تستخدمها الفئات الأولى لتحقيق مصالحها.
كل مسمى وكل مصطلح نقرأه أو نسمعه أو نشاهده وليد اتجاه أو فكرة أو حادثة أو تاريخ، لم يُوجد من عدم، وبالتالي لا يمكن أن يكون محايداً، فيجب علينا ألا نقبله كما هو دون أن نبحث وراءه فنكون من الفئة الأخيرة.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

فكر بطريقة مختلفة!

لن أطلب منك أن تستبعد ما تفكر به وتفكر في ما يعاكسه على الفور، كما طلب بول آردن من قرائه في أحد أشهر كتبه، ولكني سأطلب منك أن تفكر بطريقة مختلفة!
فإذا كنت ممن يحب القيام بأمر كمشاهدة الأفلام البوليسية أو لعب كرة القدم أو إعداد طبق من الحلويات، فكر في من يحب مشاهدة أفلام الرعب أو من يحب لعب التنس أو في من يفضل طبخ الملوخية أو المعكرونة، ثم قرر تجربة ذلك ولو ليوم بدلاً عما تحب لتشعر بما يشعرون به!
وإذا كنت ممن يؤمنون بمعتقد أو بفكرة وحصل بينك وبين شخص آخر خلاف حولها، فلا تجعل مشاعرك تعمي عينيك، وإياك والاستهزاء باعتقاداته وبما يؤمن به، ولكن حاول أن تفهم سبب اعتقاده وما وراء إيمانه، لكي تتقبله وإن لم تتقبل ما يعتقده.
وإذا حصل سوء تفاهم بينك وبين أحد أصدقائك أو أعجزك تحدٍ في العمل أو واجهت مشكلة في المنزل، فلا تنصرف إلى الحلول التقليدية التي استهلكتها حتى اهترأت، بل استخدم فكر الطرف الآخر، وشاهد الأمور من وجهة نظره، وستجد الحل المناسب!
فكر بطريقة مختلفة لأن الطرق المختلفة لا يسلكها إلا الأشخاص المميزون، أما طرق التفكير المعتادة والتقليدية والتي يمكن القول عنها بأنها مستهلكة، فهي تفتح مساراتها لجميع الناس وخاصة العاديين منهم. فكر بطريقة مغايرة كما فعل ستيف جوبز عندما جمع فريقه ليخرجوا للعالم أول آي بود، وكما فعل نيلسون مانديلا عندما واجه أعداءه بعد خروجه من السجن إلى سدة الرئاسة بالعفو والتسامح بدل الانتقام، ليكون ذلك أفضل علاج لدولة أفسدها عفن العنصرية.
اختر أن تفكر بطريقة مختلفة كهدف لك في هذا العام الجديد، لتفتح أمام نفسك طرقاً لم تعرفها ولتطرق أبواباً لم تزرها، حيث إن العشب على الجانب الآخر ليس أكثر نضرة واخضراراً بالضرورة، ولكن قطع الطريق إلى ذلك الجانب يستحق الوقت والجهد إما لنقتنع بما لدينا فتزداد سعادتنا، أو لنرى الأمور من واقع آخر فنحاول تغيير واقعنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية 
المصدر 

قل: لا للسلبية

كان هنالك رجل، انتشر عنه بأنه الأفضل في مواقع التواصل الاجتماعي، وكتبوا أنه الأغنى في الصحف، وصوروه من زوايا في التلفزيون، بينت للعالم بأنه الأطول والأعرض والأجمل، فكان كل ذلك وأكثر بفضل من ألسنة الناس وخاصة من محبيه قبل كارهيه.
أكمل هذا الرجل المحمل بالألقاب المسير، مصادفاً شتى أنواع المواقف التي صعب عليه التغلب على بعضها رغم أنه الأقوى والأغنى ووو..! استمر الرجل حتى صادف موقفاً عجزت عنده ألقابه وعجز عنده، ولم يفده في النهاية لا كلام الناس ولا أخبار العالم التي كان يحرص على تصدرها!
هذا الرجل سيستمر بعد هذا الموقف ولكن ليس كما كان، لأنه يزداد هزيمة تبعاً للهجوم المضاد الذي سيلحقه من قبل كل من امتدحه سابقاً وكل من ذمه، وكل ذلك كان ليتغير لو أن الناس تعاملوا معه بصراحة، فامتدحوه ولم يغلوا في مدحه عند إحسانه، وانتقدوه وأعلنوا نقدهم بدون مبالغة عند خطئه لكي يصوب خطأه ويرجع عنه أو ليتوقاه في المستقبل.
وفي المقابل هناك رجل لا ينفك الناس عن ذمه، حتى وإن أحسن صنعاً سيجدون ثغرة ينتقدونه من خلالها، ويعتقدون أنهم يساعدونه بهذه الطريقة رغم أنهم في الحقيقة يجعلون من أنفسهم عربة يعلقون حبالها حول رقبته، ثم يطلبون منه إيصال العربة إلى المكان الذي يريدونه! هذا الرجل لن يستمع لكلام الناس وسيحرر نفسه من قيودهم ويكمل طريقه تاركاً العربة وراءه.
لنحاول أن نبتعد عن الرجل الأول لكي لا نُكسر، ولنحاول ألا نخلقه في أنفسنا وفي غيرنا وفي ما حولنا، فالحقيقة وإن جرحت إلا أنها تجعل الجلد أكثر سمكاً والدم أكثر تدفقاً، والعيش في الواقع وبين أناس صادقة أفضل مليون مرة من العيش في وهم وبين أناس متملقين ومنافقين، ولكن ذلك لا يعني الإغراق في السلبية وفي الانتقادات المتكررة، حيث إن كثرتها قد ترتب أثراً عكسياً وتجعل الشخص ينصاع لها، بعكس ما فعل رجلنا الثاني.
قل: لا للسلبية.. سواء أكانت السلبية التي تتنكر برداء النفاق أو السلبية التي تلبس ثوب الحسد، فكلاهما قاتلان!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ماذا قدمت لقطر؟

حضرت السبت الماضي حدثاً من ألطف أحداث عام ٢٠١٣، حيث كانت الفكرة الرئيسية له هي حث الحاضرين من الجمهور على التفكير بالسنة الجديدة المقبلة، وتحديد أهدافهم، وكيفية الوصول إليها، ابتداء من هذه اللحظة، ولم يكن ذلك عن طريق محاضرة تُلقى بجمود على مسامعنا بل كان عن طريق عرض تجارب حية لقطريات نجحن في الوصول إلى أعلى القمم التي تقع ضمن مجالاتهن، وعن طريق لوحتين إحداهما كانت فنية والأخرى كوميدية، وكان القائمون على الحدث والذين أرادوا من كل من حضر «الحدث» أن يكونوا قد قصدوا ذلك، بحسب ما أشارت المتحدثة عنهم، والتي ضمنت كلامها بأن أثر الفكرة أقوى بهذه الطريقة.
أعجبتني الفكرة وطريقة إيصالها، ولكن أكثر ما أحببته كان توقيتها وقربها من عام ٢٠١٤، وفي نفس الوقت من اليوم الوطني لدولتنا الغالية، فكل ما نحدده من أهداف ونصيبه من إنجاز يصب في قلب قطر بعد أن يجد محله في صدورنا، وكل ما نسعى وراءه تعاوننا فيه الدولة بالدعم والتمويل المعنوي والمادي، ولهذا لا توجد طريقة أجمل من بدء عام جديد بالسؤال عما حققناه لأنفسنا ولبلدنا، خاصة ونحن نعرف بالضبط ماذا قدمت لنا هي بالمقابل.
تحديد الشخص لطموحه ومعرفته لما يحركه من داخله ويجذبه من الخارج مهم، لأنه يعطي حياة الفرد بُعداً آخر ومساراً يحثه على الالتحاق به، ولا يمكن إغفال أهمية تسخير هذا المسار لشخص أو لجهة من بعد الله، فمن يعمل مثلاً ويتمنى بأن يحوز عمله إعجاب شخص سيجتهد أكثر في عمله، ومن يعطي غير مكترث بالمقابل، سيعطي بقلب مخلص ويد نقية.
ماذا قدمت لقطر؟ هذا ما يجب أن يجاوب عليه كل مواطن ومقيم على هذه الأرض، فإن كان قد قدم لها شيئاً، فقطر تستحقه وتستحق الأفضل أيضاً، وإن كان لم يقدم بعد شيئاً، فإن الفرصة لا تزال قائمة، ومجرد تحديد الهدف ومحاولة تصويبه وإن كانت النتيجة الفشل، هي هدية لن ترفضها قطر، وهذه دعوة للتفكير بأحلامنا وأهدافنا ورسم خطة لتحقيقها وتنفيذها في يومنا الوطني ومع بداية السنة الجديدة.
كل عام وقطر بخير!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية
المصدر

اختر حياتك

أسوأ ما قد ينتهي له أي شخص هو بالطريقة التي كان مُقدراً له بأن ينتهي عليها، سواء أكان قُدر عليه ذلك من عائلته أو مجتمعه أو وضعه الاقتصادي أو السياسي، لأن روحاً عاشت حياة كهذه لن تعرف حدودها الحقيقية، بل حدود من رسم لها قدرها مقدماً، روح كهذه لن تستطيع فتح صناديق الخير ولا حتى صندوق باندورا -وإن أرادت- لأنها جُبلت على عدم الاختيار، والرضا بما هو مُختار لها.
أما أجمل طرق عيش الحياة -بغض النظر عن مضمونها- هي بالطريقة التي يختارها الإنسان لنفسه، عندما يقرر كيفية عيش حياته، وما يريد أن يستبعده منها أو يبقيه فيها، مع احترامه لثوابت المجتمع الذي يعيش فيه، دون أن يعبدها، ويختار طريقة عيشه بناء عليها.
وأجمل ما في هذه الحياة هو حرية الإرادة والفكر والتحرر من الخوف الذي تسبغه بعض المجتمعات وعقلياتها على الأفراد دون مسوغات غير احترام العادات والتقاليد وما نهجه الآباء والأجداد. أجمل ما في هذه الحياة هو قوة العزيمة التي لا ترتضي الأوضاع الاقتصادية أو السياسية التي قد تقمع الفرد فتبقيه في مكانه مستسلماً لحاله، غير محاول للقيام بأي تغيير عليه.
من حرية الفكر والإرادة إلى العزيمة وشدتها لا شيء سيغير في الفرد، ومن ثم في هاتين الخصلتين إلا الاطلاع والتجربة! فالاطلاع على معابر الفكر والفن المختلفة من كتب وموسيقى وأفلام ولوحات يوسع المدارك، ويحث الشخص على التفكر والتخيل والتزيد في ذلك، مما سيدفع به إلى تكوين رأي خاص به، وبالتالي إلى التجربة، سواء أكان ذلك بتجربة هواية جديدة أو عادة أو فن أو مهنة أو أي شيء لم يسبق له تجربته لمانع خارج عن إرادته، وكما يقول الراحل عبد الرحمن منيف: «زيارة الأماكن والاتصال مباشرة مع الناس أكثر فائدة في أحيان كثيرة من قراءة الكتب».
عش حياتك كما تريد لا كما تريدها الناس لك، بأي طريقة كانت ما دمت ستختارها عن وعي وبصيرة، لأنها السبيل الوحيد البعيد كل البعد عن الندم والتحسر والرجوع بالذاكرة للقول: يا ليتني فعلت ويا ليتني لم أفعل!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية
المصدر 

مجتمعات متناقضة!

لكل مجتمع خصوصيته، ولكل إيجابياته وسلبياته التي تميزه عن غيره من بقية المجتمعات، المهم ألا تطغى السلبيات في أي مجتمع على الإيجابيات لئلا يؤدي ذلك إلى تفككه وعزلة أفراده.
وفي دولنا العربية كمية ضخمة من التناقضات نتيجة كثرة واختلاف المعايير في نفس الدولة من قبيلة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، مما أدى إلى خلق أكثر من مجتمع في نفس مجتمع الدولة الواحدة. هُنا لدينا المجتمع المتدين الذي لا يتقبل في أغلب الأحيان غيره من الناس الأقل التزاماً من الناحية الدينية، وفي الجهة الأخرى لدينا مجتمع يرى نفسه واسع المذهب وفي المقابل قد لا يتقبل المتدين لأنه يراه رجعياً متخلفاً، ولدينا نوع آخر من المجتمعات ألا وهو مجتمع العيب، وللأفراد في هذا المجتمع أن يفعلوا وأن يقولوا ما يشاؤون ما دام في حدود المسموح به من العادات والتقاليد وإن خالف الدين! وهذا المجتمع يعلو فيه صوت شيخ القبيلة على صوت شيخ الدين، فالخوف في هذا المجتمع لا يكون من الإثم الناتج عن مخالفة الدين، بل من الفضيحة التي تولدها مخالفة العادات والتقاليد.
أما أسوأ المجتمعات التي تتركب منها دولنا برأيي فهو مجتمع القيل والقال الذي لا يُقدم ولا يُؤخر! فلا عجب أن تزدهر وسائل التواصل الاجتماعي وطرق المحادثة الفورية من «واتس أب» و»بلاك بيري» ماسنجر ما دمنا في دول تعشق الحديث عن الآخر وتكره الحديث عن النفس. وهذه هي مشكلة هذا المجتمع، كرهه للنقد البناء وحبه للانتقادات والإشاعات التي رغم وصول معظمها في النهاية إلى طريق مسدود إلا أنه يحتفي بها وكأنها حقيقة مسلم بها إلى أن تندثر.
لم يخطئ عبدالله القصيمي في مقولته: «العرب ظاهرة صوتية»، لأنه استوحاها من مجتمع القيل والقال الذي أعجزنا الخلاص منه والخلاص من المجتمع المتدين والمتفتح الذي يرفض كل منهما الآخر، غير واعين بأن الدين -كما قال محمد إقبال- في جوهره تجربة، وليس كذلك في ظاهره المعلن. هذه المجتمعات بما فيها مجتمع العيب تسد طريق المستقبل بحواجز كثيرة أصعبها حملاً اتباع العادات والتقاليد، وكما قال ابن خلدون: «اتباع التقاليد لا يعني بأن الأموات أحياء بل أن الأحياء أموات».
نحتاج في دولنا العربية إلى مجتمعات موحدة وطنية صحية لا يكون أكبر أهمها وأشهر وظائفها التشفي بالآخرين والكلام عنهم، بل الكلام عن النفس والنقد البناء الذي يبني المجتمع ومن ثم الدولة، ومن أجل ذلك يحتاج الأفراد والأجيال القادمة إلى إعادة تأهيل تبدأ من البيت وصولاً إلى المدرسة، وأهم ما يجب أن يتعلموه هو عدم اختلاف القيم والمعايير باختلاف الأشخاص والمكان، لكي نبني مجتمعاً متديناً وسطياً لا يخاف من العيب أكثر من الحرام ولا يهتم بالقول أكثر من الفعل.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...