الاثنين، 27 يناير 2014

العنصرية الصامتة!

في مجتمعاتنا العربية -وأخص منها ذات الطابع القبائلي- تكثر الأمراض الاجتماعية، وأعدد منها -على سبيل المثال لا الحصر- الفقر والبطالة والعنصرية. أما الفقر فهو ليس بنقصان في صاحبه ما دام لا يضر به شخصه أو من حوله، والبطالة ليست بالعيب أيضاً لأنها -في أغلب الأحوال- إجبارية، ولكن العنصرية هي دوماً، وهي دائماً عن وعي وحرية إرادة وفكر، ولذلك هي أبشع الأمراض الاجتماعية التي قد تنخر في أي مكان، فتولد فيه شعوراً بانعدام المساواة وكتلة من الضغائن والحقد، التي تتكوم أكثر وأكثر في ظل غياب العدالة الاجتماعية.
العنصرية الموجهة نحو اللون أو الطائفة أو القبيلة أو المركز الاقتصادي أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، أو بشكل عام العنصرية الموجهة نحو أي اختلاف في الآخر، موجودة في كل مكان، ولكنها تكثر في أماكن دون أخرى لعوامل عديدة، منها ما هو تاريخي واجتماعي وحتى جغرافي. والعنصرية الغالبة الموجودة في معظم أنحاء العالم حالياً هي من النوع الصامت، أي ذاك النوع الذي لا يتكلمون به ولكنهم يمارسونه، ففي الخليج مثلاً- توجد بعض العائلات اللاتي لا تزوج بناتها إلا من عائلات معينة، بل إن بعضها لا يزوج بناته إلا لرجال من العائلة نفسها، ويبقون على هذا العمى حتى وإن لم يتقدم عريس من نفس العائلة! وهناك عائلات أخرى في الخليج والوطن العربي على حد سواء، لا تنظر إلى العريس، بل إلى جيبه ومركزه الاجتماعي، فإن كانا على مستوى عالٍ قبلا به، وإن لم يكونا كذلك رفضاه. وفي العراق ولبنان وحتى سوريا في وقتنا الحالي، اشتعلت الطائفية بشكل غير مسبوق، لدرجة أنها أصبحت مسألة وقت حتى تنتقل الطائفية من هذه البلدان إلى بقية الدول العربية، وخير شاهد على هذه العنصرية المقيتة التفجيرات الإرهابية المتبناة تحت مظلة تصفية الحسابات! ولا أنسى بورما وما يحدث هناك من تهجير وتضييق على المسلمين، سواء من الحكومة أو حتى من بعض مواطنيها الآخرين.
خلق الله الإنسان والآخر، وكل منهم مختلف ومتفاوت في صفاته وخصاله، وذلك لنتعايش مع هذا الاختلاف، سواء أتقبلناه أم لم نتقبله، فهذه هي أدنى درجات التحضر. ولم يختر الإنسان أياً من صفاته، وذلك رحمة وحكمة من ربه، كيلا ينبذ غيره المختلف وهو غير قادر على نبذ نفسه في المقام الأول.
يكمن حل العنصرية الصامتة في إفهام ومن ثم تعويد أطفالنا بالفعل على أن كل الناس سواسية وأنهم بلا فروق غير تلك التي اختاروها لأنفسهم، وأن الاختلاف الوحيد الذي يفاضل بينهم في الحقيقة هو كم الإيمان والتقوى، اتباعاً لقوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وحتى هذه تكون بين الرب وعبده، بدون حكم أو مراقب أو مفاضل غير الله!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...