الخميس، 30 يناير 2014

«رفات» داميان هيرست

خرجت من معرض رفات للفنان البريطاني داميان هيرست والذي قدمته هيئة متاحف قطر مؤخراً، وأنا متأكدة من أمرين، أولهما: أن الفن كشكل من أشكال الحياة يمكن التعبير عنه بأية طريقة، سواء أكان ذلك في عرض سمكة قرش داخل غرفة من غرف المعرض، أو في لوحة منقطة الألوان، وألوان منقطة الشكل، أو في جماجم مرصعة بالألماس، وألماس معلق على رفوف من زجاج!
لم يكن رفات داميان هيرست ذا طعم تقليدي، فقطعه كانت متنوعة وغريبة بشكل لذيذ، وأفكاره كانت مختلفة إلى درجة يصعب فيها تصنيفه بسببها كفنان، بحسب المقياس الفني النمطي الذي يتخذه العرب، والذي يعتبر الفنان هو من يرسم أو ينحت في المقام الأول. ذكرني هذا المعرض بأعمال الفنانة أماني سلمان السعد، والتي اشتهرت بسبب رسمها على أشعة رأسها المقطعية!
كل ما قد يحرك مشاعر الإنسان وبأي وسيلة، هو فن! ولا يشترط أن يكون فناً ضمن إطار، ما دام قد أوحى بمعنى إلى من يطالعه، ولهذا لا أتقبل فكر من يقول: «عرض سمكة قرش ميتة ليس بفن!» فقائل هذه العبارة لم يقف في مواجهة سمكة قرش تفتح فاهها في وجهه، وتبعث فيه مشاعر الرهبة والخوف اللذين يدخلهما القرش كرمز للموت في صدر الإنسان.
ثاني أمر تأكدت منه بعد زيارة المعرض هو أهمية تسمية الفنان لأعماله وقطعه الفنية حتى لو اضطر إلى تسمية عمل من أعماله: «بدون اسم» أو غيره، مما يوحي بنفس المعنى. وقد تميز هيرست أيضاً بالعنوانين سواء أكانت تلك التي أسبغها على قطعه أو معارضه مثل: «استحالة موت جسد من كان عقله حي»، وهو العنوان الذي ختم به هيرست أكثر أعماله جدلاً، ومثل «رعب في المنزل» والذي يصف فيه مجموعة سجائر حقيقية جمعها من منافضها.
صحيح بأن العمل الفني يجب أن يتحدث عن نفسه، ويجب ألا يشعر الفنان بأن هنالك ضرورة لشرحه وتبريره، ولكن هذا لا يتعارض مع إعطائه عنواناً، لأن العنوان لا يعبر عن العمل بقدر ما يعطي الجمهور فكرة عن رؤية الفنان واتجاهه وربما لمحة عن قصده في مرات نادرة، حيث إن العنوان ومهما طال يستحيل أن يتعمق في نية الفنان فيكشف عن خبايا العمل، لأنه ليس إلا إشارة قد يتقبلها الجمهور وقد يرفضها وقد يفهمها وقد تعسر عليه وقد يصطادها وقد يفوتها، وذلك بحسب الفرد وقدراته.
الحياة كلها معانٍ، والفن وُلد ليعبر عن هذه المعاني، فيختلط بالحياة، ولذلك كان التعبير عنها بأي طريقة وبأي أسلوب، ومن ذلك كانت أهمية التسميات التي يصبغها الفنان على أعماله، لأن الفنان يعطي جمهوره عندما يُسمي قطعه وأعماله، إبرة وخيطاً، ليطالبهم بعدها بإكمال خياطة العنوان ومقاصده كما يرون بأعينهم لا بعيونه. ومن هنا تأتي مسؤولية الفنانين في أن يرتقوا في الفن وفي أساليب التعبير عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية، ومن بعدها تأتي مسؤوليتنا نحن كأفراد في المطالعة والتشجيع كي تزدهر واحات الرحمة والسلام في صدورنا وأجسادنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...