الخميس، 20 أبريل 2017

لا تفكر كثيراً

قضيت جزءاً كبيراً من حياتي، وأنا أقلق وأفكر دون فائدة. كنت أفكر مطولاً في المستقبل، وإذا ما حصلت لي مشكلة ما، أجدها محل تفكيري إلى أن تُحل أو تضيع مع بقية الأحداث في حياتي. استمررت على هذا المنوال حتى قررت في يوم من الأيام الآتي: إذا ما حدثت لي مشكلة أو مسألة مهمة، لن أفكر فيها سوى وقتها! مثال على ذلك لو حدث لي أمر يستوجب علي التعامل معه في محل عملي، فإني لن أفكر فيه خلال عطلة نهاية الأسبوع، بل سأترك الأمر حتى أول يوم عمل، وعندها سأتصرف، لأن التفكير في عطلتي لن يساعدني ولن يغير من الأمر شيئاً!
شيئاً فشيئاً، جعلت صفاء ذهني جزءاً من روتيني اليومي. لا أفكر في العمل سوى وقت العمل.
يتحدث إيكهارت تولي في كتابه «قوة الحاضر» «The Power of Now» عن التفكير وعدمه، وتأثير كل منهما على الإنسان. وكيف أن التفكير يؤدي إلى التعاسة وعدم الرضا. كيف؟ عندما يعلق الإنسان في المستقبل أو الماضي أو كليهما، ويترك الحاضر.
ويكمل إيكهارت حديثه قائلاً إن التوقف عن التفكير والعثور على نقطة الهدوء الداخلية عبر الخروج عن دائرة تفكير العقل، يؤدي إلى اكتشاف الإنسان لكيانه الحقيقي، وبالتالي إلى السعادة والسلام والحب.
لست من هواة الكتب الروحية أو كتب تنمية الذات، ولكن وقت قراءتي لكتاب تولي، تذكرت كتاب مالكوم جلادويل Blink: the power of thinking without thinking، والذي تحدث فيه الأخير عن قوة الانطباعات الأولية والأفكار الجديدة التي تقفز إلى الذهن دون تفكير ووعي. رغم أن إيكهارت يشدد على أهمية الوعي وقت التفكير وأهمية التوقف عن التفكير أي حال السكينة الداخلية. ولربما قد يختلف أحدهم معي بسبب ربطي لكتاب إيكهارت بكتاب جلادويل إلا أني أكاد أكون متأكدة من كون اللحظة الأخيرة قبل تكوين الإنسان لانطباع أول، هي لحظة سكينة تامة وتوقف للعقل عن التفكير!
لن أنسى ذكر جميع العلماء والأدباء الذين أوجدوا حلولاً أو كتبوا كتباً ناتجة عن أفكار صعقتهم في أوقات صفاء البال، أو عند قيامهم بعمل لا يتطلب نشاطاً ذهنياً. جميعهم في أوقات ما، كانوا يتوقفون عن التفكير أكثر من الأوقات التي يفكرون فيها!
فكروا، ولكن لا تكثروا التفكير! هذه ليست دعوة إلى البلادة الفكرية بل إلى التأمل الداخلي وإعمال الوعي حول جميع الأفكار الداخلية، والأحداث الخارجية، بل وإقامة الوعي على الوعي نفسه! الفكر مطلوب في وقته، كوقت العمل أو وقت الحاجة إلى حل مشكلة ما، مثلاً، أما المقصود بالتوقف عن التفكير هو التوقف عن التفكير المرضي الذي لا يقدم، ويؤخر! التفكير في أي شيء غير اللحظة الراهنة التي يعيشها الإنسان. وإذا وجدت نفسك في حالة كهذه، فإن إيكهارت يقترح عليك حلولاً ثلاثة: إما أن تتقبل الفكرة أو المشكلة أو الوضع، أو أن تغيره بنفسك أو أن تمضي في حياتك، ولكن لا تقتل نفسك تفكيراً بها!

ملاحظة:
المقالة تطلبت تفكيراً طويلاً.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


أولاً: لماذا؟

نحن في عصر حتمية النجاح الكل يريد أن ينجح وبسرعة، وإن كتب على أحدهم الفشل، فهو يريد أن يفشل بنجاح! كيف؟ إما أن يخرج ببعض المال أو الشهرة بفشله، أو يفشل بشرف أو بأقل الطرق إحراجاً!
ولأننا في عصر السرعة، فالنجاح السريع يموت سريعاً، والنجاح المستمر يأتي ببطء لأن صاحبه عمل عليه طويلاً، وسأل نفسه كثيراً: لماذا؟
يتحدث سايمون سينك في كتابه «ابدأ بلماذا» «Start with why» عن نجاح الأفراد والمؤسسات، وكيف أن جميع الناجحين سألوا أنفسهم «لماذا؟» وأن معظم من فشلوا يرجع سبب فشلهم إما لافتقارهم «للماذا» أو لفقدانهم «السبب أو الأسباب» أي جواب «لماذا» في منتصف طريقهم.
لماذا أكتب؟ كي أعبر عن أفكاري وأحلامي ورؤيتي للعالم، متأملة أن أؤثر في شخص واحد على الأقل. لماذا أريد أن أصبح طبيباً؟ لأساعد المرضى، وأشفي الناس بإذن الله ومشيئته. لماذا أرغب في العمل في شركة اتصالات؟ كي أُحسِن من طريقة تواصل الناس مع بعضها البعض. لماذا أتمنى فتح مصنعي الخاص؟ كي أخدم الناس وأساعدهم في تحقيق أحلامهم.. مثلاً! وغيرها من الأسئلة والأجوبة الواجب على كل شخص يحمل حلماً ما، أن يطرحها ويحفظها في نفسه.
مثال على الأشخاص الذين سألوا أنفسهم «لماذا»، العاملين في «ناسا» الأميركية. هؤلاء رأوا أنفسهم يعملون هناك ويحققون شيئاً للعالم قبل أنفسهم. لم يحلموا بشهرة أو مال، بل حلموا بتغيير العالم والوصول إلى أماكن جديدة. تجدهم يقدمون سيرتهم الذاتية وأوراقهم المطلوبة للعمل، في «ناسا» فقط دون مكان آخر، لأن حلمهم وخطتهم تكمن في العمل هناك لا مكان آخر، لا يوزعون سيرتهم الذاتية في أكثر من مكان على أمل الحصول على وظيفة ما.. هم فقط يريدون «ناسا»! وإن تم رفضهم من قبل «ناسا»، يحاولون العثور على طريقة ما للدخول إليها عاجلاً أم آجلاً، إن لم يجدوا طريقاً آخر يحققون به «لماذا» الخاصة بهم.
«لماذا» هذه المقالة تسكن برغبتي في عثور كل قارئ على «لماذا» العائدة إليه. فكروا فيها طويلاً ثم تمسكوا بها طوال رحلتكم في الحياة. هي بوصلتكم وسفينتكم.. هي ما سيوصلكم إلى أحلامكم وطموحاتكم.


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن بن أحمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الأربعاء، 12 أبريل 2017

احساس و محاولة

(إحساس)
«إحساسي لا يخيب!». كم مرة استعملنا هذه العبارة في أماكن لم نفهم فيها منبع الإحساس أو مصبه؟ كم مرة خاب فيها إحساسنا؟ وكم مرة انتصر فيها وخسرنا نحن شيئاً ما؟ على أية حال كنا، نحن لا نفهم سبب إحساسنا الباطن. لا نعرف ما وراء حرقة المعدة، وقرصة القلب التي تقول لنا إن أمراً ما على وشك الحدوث، أو أن محدثنا يكذب، أو أن الموضوع أكبر مما نراه! ورغم ذلك نشعر بكل ما لا نسمعه ولا نراه، وكأننا نسمعه ونراه أمامنا.

(قول وفعل)
كم مرة فعلنا أشياء غير مقتنعين بها، وقلنا أموراً لا نعنيها؟ كم مرة قمنا بأعمال لا نفهمها أو لا نفهم الأسباب التي جعلتنا نقوم بها؟ ولا أقصد تلك الأمور التي نفعلها في حالة انفعال سلبي أو إيجابي.. أتكلم عما نقوم به ونحن هادئون أو في حالة نفسية محايدة، غير مغمورين بمشاعرنا الإنسانية. أتحدث عن الأوضاع التي نجد فيها أنفسنا نبوح لشخص ما بشيء، لنتساءل: لماذا أسررنا بذلك؟ أو عن الأحوال التي نتصل فيها على هاتف صديق قديم في حركة لا إرادية..

(محاولة)
يذكر مالكوم جلادويل في كتابه «Blink: the power of thinking without thinking» قصة تمثال تم بيعه في ثمانينيات القرن الماضي لمتحف جيتي في كاليفورنيا. التمثال المذكور في الكتاب «الكوروس» يعود تاريخه -بحسب البائع- إلى القرن السادس قبل الميلاد. قام المتحف بفحص التمثال قبل شرائه عبر علماء وفنانين مختلفين. ظهرت نتيجة الفحص العلمي مؤكدة أصلية «الكوروس» وانتفاء تقليده، وأجمع معظم الفنانين والدارسين في مجالات الفن والتاريخ على ذلك أيضاً، ما عدا حفنة من الفنانين الذين «شعروا» بأنه مزيف. وما بين الشعور الحسي والبرهان العلمي، اشترى المتحف التمثال.
ولسبب ما، «قد يكون شك القائمين على المتحف أيضاً في أصلية التمثال»، استمر البحث فيه وفي تاريخه، ليتبين في النهاية بأنه مزيف وحديث الصنع، لا يعود إلى قرون ماضية قبل الميلاد!
لماذا شعر فريديريكو زيري بأن التمثال لم يبدُ في حالته الطبيعية؟ كيف شعرت إيفيلين هاريسون بأن «الكوروس» مزيف؟ ما السبب الذي جعل أول كلمة تخطر في بال توماس هوفن هي «Fresh» -أي جديد- عند رؤيته التمثال؟ هم لم يعرفوا وقتها، وليس لنا أن نعرف!

(وصول)
ما لا نعرفه عن أنفسنا أكثر مما نعرفه. كيف لنا أن نفهم كل الأمور التي نقوم بها؟ كيف لنا أن نفهم الأحاسيس المبطنة التي نشعر بها في أوقات لا نملك فيها الدلائل والبراهين؟
يقول مالكوم جلادويل، عبر كتابه، إن الحل يكمن في المحاولة والتجربة واكتساب الخبرة. مثال ذلك الفنانون الذين يمكنهم من خلال واقع تجربتهم وتعرضهم المستمر للقطع الفنية القول إن هذه القطعة مزيفة وتلك أصلية، عبر شعور لا يمكن وصفه عن طريق مختبر، أو وثيقة تاريخية.
وأزيد عليه، التأمل. يمكن للتأمل في النفس أخذنا إلى مخازن ومستودعات الروح، تلك الأماكن التي نفهم فيها أنفسنا أكثر، ولماذا نفعل ما نفعله أو ما لا نفعله؟!
في مخازن النفس، أشياء نعرفها ونعرف كيفية الوصول إليها، وأشياء نعرف بأنها موجودة لكننا لا نعرف طريقها، وأمور نسينا وجودها أصلاً، وأمور أخرى لا نتذكر إن كانت موجودة أو رميناها خارجنا!
وقتما عرفنا ما في دواخلنا عن طريق التأمل، سنتمكن من معرفة أسبابنا ودوافعنا الخفية عن كل أحد حتى أنفسنا. عندها سنفهم حقاً وسنصل وسنصدق العبارة الملقية دائماً على مسامعنا: «أنت تعرف أكثر مما تظن!».



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

هل تسمعهم يهتفون؟

(١)
على مكتبي في المنزل وأمام عينيّ، علقت شهادة، محتواها كالآتي: «تشكر إدارة المدرسة الكاتبة: جواهر آل ثاني لإبداعها المتميز في الكتابة، وحسن اختيارها للموضوع، فلها كل الشكر والتقدير، وإلى مزيد من التوفيق والسداد. ودمت سالمة».
الحقيقة أنني لا أذكر مناسبة الشهادة، ولا ما كتبته أيام دراستي في المرحلة الثانوية لأستحقها. كل ما أعرفه بأنها شدت انتباهي الأسبوع الماضي، وأنا أفتش بين أشيائي القديمة باحثة عن شيء ما، نسيته ما إن عثرت على الشهادة!
جلست ألتهم كلمات الشهادة لساعات، بابتسامة عريضة، وأركز على عبارة «الكاتبة: جواهر آل ثاني». كم كان حظي كبيراً في تلقي مثل هذا التشجيع والتقدير في وقت لم أعرف فيه أنني سأصبح كاتبة، أو أن طموحي الحقيقي هو الكتابة! كل ما كنت أعرفه بأني أحب الكتابة من حين لآخر في مدونتي ودفاتري الدفينة في سري ودرج مكتبي.

(٢)
من أسباب النجاح الأساسية التشجيع وتلقي الشكر والتقدير. نعم يوجد الكثير من الناجحين الذين قال لهم أساتذتهم أو أفراد عائلتهم لهم إنهم سيفشلون، أو إنهم أغبياء، أو إن أحداً لن يحبهم يوماً من الأيام، ولكن هؤلاء هم الاستثناء من القاعدة، فأكثر منهم بكثير من كان قد نجح بسبب معاونة غيره له مع شكره وتشجيعه وتقديره.
أذكر في مقامي هذا قصة الضفدع الصغير الذي سقط في حفرة كانت في طريقه هو وأصحابه، فما كان منه سوى القفز مرة بعد مرة في محاولة منه للخروج منها، في الوقت الذي كان فيه أصحابه يرجونه عدم المحاولة لعمق الحفرة واستحالة خروجه منها بالقفز. كانوا يطالبونه بالتوقف واحتفاظه بقوته عل وعسى أن تمطر السماء، فتحمله المياه خارج الحفرة.
خرج الضفدع الصغير في النهاية من الحفرة وسط دهشة الجميع، ليتضح بعد ذلك أنه لم يسمع شيئاً مما قالوه، بل وظن بأنهم كانوا يشجعونه ويهتفون له بمواصلة محاولات الخروج وعدم الاستسلام!
كم منا من قفز عند تشجيعه، واستسلم وقت تحبيطه؟ كم منا تعلّم حل معادلة رياضية بعد إلحاح ودفع من المدرس أو الوالدين في وقت لعنا فيه الرياضيات وكل المواد العلمية الأخرى؟ من منا خضع لتشجيع أصدقائه بالخروج والوقوف على عتبة المسرح في لحظات كنا أقرب فيها مسافة إلى باب الهروب، وبعداً عن أي شيء آخر؟

(٣)
التشجيع ينمي المواهب ويعطي إبرة الحياة للأحلام بعيداً عن الأوهام. الشكر والتقدير يعلي الهمة ويخلق طموحاً كبيراً لا تجاريه قمة. ولأني أريد الحصول على بعض من شرف الشكر والتقدير، أشكر مدرستي: الشمس الثانوية، وأمي وعائلتي وأصحابي، وكل من شجعني على الخوض والاستمرار في مغامرتي الكبرى: الكتابة. شكراً من القلب.. والقلم!




جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...