الأربعاء، 12 أبريل 2017

احساس و محاولة

(إحساس)
«إحساسي لا يخيب!». كم مرة استعملنا هذه العبارة في أماكن لم نفهم فيها منبع الإحساس أو مصبه؟ كم مرة خاب فيها إحساسنا؟ وكم مرة انتصر فيها وخسرنا نحن شيئاً ما؟ على أية حال كنا، نحن لا نفهم سبب إحساسنا الباطن. لا نعرف ما وراء حرقة المعدة، وقرصة القلب التي تقول لنا إن أمراً ما على وشك الحدوث، أو أن محدثنا يكذب، أو أن الموضوع أكبر مما نراه! ورغم ذلك نشعر بكل ما لا نسمعه ولا نراه، وكأننا نسمعه ونراه أمامنا.

(قول وفعل)
كم مرة فعلنا أشياء غير مقتنعين بها، وقلنا أموراً لا نعنيها؟ كم مرة قمنا بأعمال لا نفهمها أو لا نفهم الأسباب التي جعلتنا نقوم بها؟ ولا أقصد تلك الأمور التي نفعلها في حالة انفعال سلبي أو إيجابي.. أتكلم عما نقوم به ونحن هادئون أو في حالة نفسية محايدة، غير مغمورين بمشاعرنا الإنسانية. أتحدث عن الأوضاع التي نجد فيها أنفسنا نبوح لشخص ما بشيء، لنتساءل: لماذا أسررنا بذلك؟ أو عن الأحوال التي نتصل فيها على هاتف صديق قديم في حركة لا إرادية..

(محاولة)
يذكر مالكوم جلادويل في كتابه «Blink: the power of thinking without thinking» قصة تمثال تم بيعه في ثمانينيات القرن الماضي لمتحف جيتي في كاليفورنيا. التمثال المذكور في الكتاب «الكوروس» يعود تاريخه -بحسب البائع- إلى القرن السادس قبل الميلاد. قام المتحف بفحص التمثال قبل شرائه عبر علماء وفنانين مختلفين. ظهرت نتيجة الفحص العلمي مؤكدة أصلية «الكوروس» وانتفاء تقليده، وأجمع معظم الفنانين والدارسين في مجالات الفن والتاريخ على ذلك أيضاً، ما عدا حفنة من الفنانين الذين «شعروا» بأنه مزيف. وما بين الشعور الحسي والبرهان العلمي، اشترى المتحف التمثال.
ولسبب ما، «قد يكون شك القائمين على المتحف أيضاً في أصلية التمثال»، استمر البحث فيه وفي تاريخه، ليتبين في النهاية بأنه مزيف وحديث الصنع، لا يعود إلى قرون ماضية قبل الميلاد!
لماذا شعر فريديريكو زيري بأن التمثال لم يبدُ في حالته الطبيعية؟ كيف شعرت إيفيلين هاريسون بأن «الكوروس» مزيف؟ ما السبب الذي جعل أول كلمة تخطر في بال توماس هوفن هي «Fresh» -أي جديد- عند رؤيته التمثال؟ هم لم يعرفوا وقتها، وليس لنا أن نعرف!

(وصول)
ما لا نعرفه عن أنفسنا أكثر مما نعرفه. كيف لنا أن نفهم كل الأمور التي نقوم بها؟ كيف لنا أن نفهم الأحاسيس المبطنة التي نشعر بها في أوقات لا نملك فيها الدلائل والبراهين؟
يقول مالكوم جلادويل، عبر كتابه، إن الحل يكمن في المحاولة والتجربة واكتساب الخبرة. مثال ذلك الفنانون الذين يمكنهم من خلال واقع تجربتهم وتعرضهم المستمر للقطع الفنية القول إن هذه القطعة مزيفة وتلك أصلية، عبر شعور لا يمكن وصفه عن طريق مختبر، أو وثيقة تاريخية.
وأزيد عليه، التأمل. يمكن للتأمل في النفس أخذنا إلى مخازن ومستودعات الروح، تلك الأماكن التي نفهم فيها أنفسنا أكثر، ولماذا نفعل ما نفعله أو ما لا نفعله؟!
في مخازن النفس، أشياء نعرفها ونعرف كيفية الوصول إليها، وأشياء نعرف بأنها موجودة لكننا لا نعرف طريقها، وأمور نسينا وجودها أصلاً، وأمور أخرى لا نتذكر إن كانت موجودة أو رميناها خارجنا!
وقتما عرفنا ما في دواخلنا عن طريق التأمل، سنتمكن من معرفة أسبابنا ودوافعنا الخفية عن كل أحد حتى أنفسنا. عندها سنفهم حقاً وسنصل وسنصدق العبارة الملقية دائماً على مسامعنا: «أنت تعرف أكثر مما تظن!».



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...