الثلاثاء، 26 يوليو 2022

كيف نعبد الله

  

 

يقول الله تعالى في سورة الذاريات: (وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون)(٥٦). الآية واضحة و صريحة.. خُلق الانسان ليعبد الله سبحانه و تعالى. و يبين القرآن و السنة النبوية طريقة العبادة، و ما هي مراتب الدين الإسلامي و أساس هذه العبادة.. ففي المرتبة الأولى أركان الإسلام، و هي شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله، و الصلاة و الزكاة و صوم رمضان و حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. و المرتبة الثانية هي أركان الإيمان، و هي الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و بالقدر خيره و شره. أما المرتبة الثالثة فهي الإحسان، و الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك.

و نجد أن الصلاة هي أعظم عبادة بل و أن فيها مكامن و خُلاصة العبادة الكاملة، التي يكون للعبد، عندما يكرس قلبه و عقله للخشوع فيها، أن يصل إلى أعلى مراتب العبادة و السمو الروحي و الجسدي.. فالصلاة لا يسبقها في أركان الإسلام سوى الشهادة، و هذا لازم أن يستقر في القلب أولاً، فقد قال الله تعالى في سورة النساء: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ )(١١٦).

نبدأ الصلاة بالبسملة و الوضوء، فكأننا ننظف أنفسنا من ذنوبنا و سيئاتنا قبل ملاقاتنا الله. و من ثم نكبر في الصلاة.. فلا يوجد ما هو أكبر من الله، و لا يجب أن ننسى ذلك، و لذلك نكبر عدة مرات في كل صلاة. و من ثم نقرأ سورة الفاتحة الجامعة المانعة.. ففيها الحمد لله على جميع النعم التي يغدقها علينا، و فيها تذكير بلقائنا به و حسابنا يوم القيامة، و فيها نتذلل إلى الله، فهو من نعبد و هو من نستعين عندما تضيق الدنيا في وجوهنا.. و بعد ذلك نقرأ سورة أخرى من اختيارنا من سور القرآن.. و في كل مرة تكون لدينا فرصة التفكر و التدبر في الآيات التي سنقرأها، فإما نستفيد منها أو نقرأها بشكل آلي و في سرحان.

و في الصلاة نسبح لله العلي العظيم، و في كل تسبيحة، تأمل في خلق الله و مخلوقاته، و كل شيء يسير كما هو مخطط له بانتظام و اطراد.. فالأرض تدور حول الشمس بأمر منه.. و الشمس لا تقترب من الأرض بأمر منه.. و الانسان لم يدخل في حرب نووية، بعد، بأمر منه.

و في الصلاة أيضاً، نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله.. و ندعوا لأنفسنا و لوالدينا بالمغفرة، و من ثم ننهي الصلاة عبر إلقاء سلام الله و رحمته و بركاته على الملائكة و على أنفسنا و على أرواحنا و على كل شيء.. هكذا نختم أعظم عبادة بالطريقة التي يُفترض فيها للإنسان أن يعيش حياته.. بالسلام و عبر السلام. و لهذا أقول لمن يتساءل.. كيف عسانا أن نعبد الله؟ انظروا في صلاتكم.. حسّنوها.. و من ثم طبقوا كل جزء منها في حياتكم.. نظفوا أنفسكم من الداخل و الخارج، و كبروا و احمدوا الله و سبحوه و ادعوه و استغفروه، و أكثروا من الشهادتين و تدبروا في القرآن و من ثم افعلوا الخيرات في كل مكان و زمان!

 

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 19 يوليو 2022

أنت لست محور الكون

  

أنت لست محور الكون. قد يحتوي جسدك على أجزاء مماثلة لتلك التي تشكل الكون من حولنا، و لكنك بالتأكيد لست محور الكون. كيف يكون لك أن تكون محور الكون، و الأرض التي تعيش عليها ليست محور الكون؟ بل أن الشمس التي يدور حولها كوكب الأرض ليست محور الكون!

أسلوب التفكير هذا، و معرفة الانسان و فهمه بأنه ليس محور الكون، وأن العالم لا يدور حوله.. هو أسرع طريق لعيش حياة مريحة و سعيدة.

تسألني.. كيف ستعيش حياة خفيفة إن اعترفت بأنك لست محور الكون؟

سأقول لك.. لن تلتفت لسماع القيل و القال في مكان عملك لأنك تعرف بأنهم على الأغلب لم يتحدثوا عنك بل عن شخص آخر.

عندما يحدث موقف محرج لك في الشارع أمام الناس، لن تفكر في الموقف و أنت جالس في بيتك. ستعرف بأن من رآك، مضى بحياته، و اعتبرك ذكرى عابرة ضحك عليها في وقتها و من ثم نساها لأن هناك عشرات الأمور التي تشغل باله و أنت لست واحداً منها.

عندما يأتي المقربون لك للفضفضة أو أخذ النصيحة، لن تجعل الأمر متعلقاً بك. لن تعطي نصائحك بناء على الصورة التي تريد أن تظهر أمامهم، فيها. ستكون بجانبهم و تواسيهم بما تشعر به و ما تراه دون أن تضع نفسك أولاً، فهذا الموقف ليس حولك، بل حولهم و حول ما يحتاجونه في تلك اللحظة.

لن تفكر بالأمور الخارجة عن سيطرتك طوال الوقت. لا فائدة من ذلك، لأنك كما قلنا لست محور الكون، و لن تستطيع حلها بتضييع وقتك و التفكير بها.

لن تجلس في عقر دارك، و أنت تفكر: "ماذا دار في ذهن صديقي بعدما قلت كذا أو فعلت كذا؟". بل ستمضي في يومك دون أن تدور هذه الأفكار في رأسك لأنك تعرف بأنك لست محور الكون.

لن تفكر في رأي و أفكار الناس فيك، لأنك لم تخطر على بال أحد.. على الأغلب.. و إن خطرت في بال أحد، فالأكيد أنها ليست الأفكار التي في بالك!

إذا فهمت و اعترفت بأنك لست محور الكون.. سترتاح كثيراً.. لن تحمل هم تغيير العالم لوحدك.. و تبديل أفكار الناس حولك.. ستكون أخف و أسعد، لأنك ستكون قد عرفت بأنك لست الوحيد في العالم و يوجد غيرك ملايين ممن يستطيعون عمل الشيء نفسه الذي تعمله، و أنك لست محور الكون.. و لن تكون أبداً محوره!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 12 يوليو 2022

عادات الناجحين

 

 

الجميع يريد أن يعرف عادات الأشخاص الناجحين.. ماذا يفعلون في يومهم، كي يصبحوا محبوبين و أفضل و أغنى و أشهر منا نحن بقية الناس! و لهذا تُباع كتب "عادات الأشخاص الناجحين"، و لهذا تنجح الأفلام الوثائقية و "الواقعية" التي تصور حياتهم يوماً بيوم.. لأن الجميع يريد أن يعرف العادات و الخطوات التي يخطيها هؤلاء الناجحين، و التي جعلتهم من هم عليه اليوم.

القارئ للسير الذاتية للأشخاص الناجحين، سيعرف بأنهم ليسوا أناس خارقين للطبيعة، قد تكون هناك عوامل ساعدتهم على النجاح مثل الجينات و ثروة العائلة و غيرها.. و لكنهم على الأغلب أناس عاديين و لم يعتمدوا على هذه العوامل للنجاح بل اعتمدوا على أنفسهم.. عملوا و ثابروا حتى وصلوا إلى مكانهم اليوم. و العامل الرئيس في نجاحهم و في محافظتهم على النجاح هو عملهم و عاداتهم المستمرة في حياتهم.

الأمر الذي يشترك فيه الأشخاص الناجحين هو محافظتهم على العادات الجيدة في حياتهم اليومية و التي تصبح بعد ذلك جزء من شخصهم و هويتهم. صوفيا و جوديث و سوزان بولغار، هن أكبر مثال على ذلك. فقد تربوا في منزل يُقدس لعبة الشطرنج، فكن يتدربن على الشطرنج يومياً حتى أصبح من عاداتهن اليومية و من ثم جزء من هويتهن عندما تمكن في سن صغيرة بهزيمة لاعبين بالغين. و مرت الأيام لتصبح صوفيا "أستاذ كبير" و أختهن الصغرى جوديث أفضل لاعبة شطرنج أنثى في التاريخ!

كلمة العادة تأتي من الاستمرارية، و كلنا نريد أن نعتاد العادة الجيدة و نفعلها حتى تصبح جزء منا، و لكن الجزء الصعب يأتي من الاستمرار فيها. الكاتب الذي يريد أن يكتب كتاباً، يريد أن يكتب يومياً حتى يستطيع انهاء الكتاب.. و لكن هل سيستمر في الكتابة اليومية؟ الانسان الذي يريد أن يكون شخصاً رياضياً، يريد أن يذهب إلى النادي الرياضي أربع مرات في الأسبوع، و قد يذهب لبضع مرات بعد أن يعقد رأيه، و لكن هل سيستمر بعد ذلك؟

في كتابه (العادات الذرية)، يشرح جيمس كلير، أربعة قوانين لتبني و المحافظة على العادات الجيدة، و هي أن تكون العادة واضحة، و سهلة و جذابة و مشبعة.

تكون العادة واضحة، عندما تكون أمام الشخص. فمثلاً لو أراد الشخص أن يقرأ كل ليلة قبل النوم، فعليه أن يضع كتاباً على سريره ليتذكر قراءة صفحة كل ليلة.

و تكون العادة سهلة، عندما تعملها بالتدريج.. إذا أردت أن تتعلم لغة جديدة، لا تبدأ بجبر نفسك على التعلم لمدة ساعة يومياً، بل ابدأ بخمس دقائق في اليوم حتى تعتاد الأمر و يصبح جزء منك و من ثم زدها بعشر دقائق و هكذا.

و لكي تكون العادة جذابة يجب عليك ألا تكون قادراً على مقاومتها. فمثلاً لو أردت تبني الرياضة يومياً بعد عملك، رغم تعب العمل، يمكنك أن تربط التمرين بمشاهدة حلقة من مسلسلك المفضل، فلا يكون لك أن تشاهد هذه الحلقة إلا و أنت تتمرن، و بهذا تجعل عادة التمرين جذابة.

و لكي تكون العادة مشبعة يجب أن يكون هناك شعور بالمكافأة. و في الأغلب الشعور بمكافأة العادات هو شعور مؤجل، فعندما تبدأ بتناول طعام صحي، لن تشعر بالفرق فوراً، بل قد يأخذ الأمر أسابيع حتى يتغير مقاسك و تشعر بتطور صحتك للأفضل. و في هذه يجب أن تطول بالك.

أخيراً، لكي تنجح في حياتك، يجب أن تختار عاداتك جيداً، و من ثم تجعلها جزء من هويتك. و لكي تعرف عاداتك، يجب أن تعرف ماذا تريد.. و من تريد أن تكون، أولاً.

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الأربعاء، 6 يوليو 2022

كلها أمور صغيرة

 

 

لتحيا حياة سعيدة و خفيفة-و أظن أن هذا ما يرغب فيه الجميع-يجب عليك ألا تتعلق بكل شيء تمر عليه في حياتك، و ألا تولي اهتماماً لكل حدث أو فعل أو قول يُقال في حضرتك أو غيابك. ماذا ستستفيد لو جلست تفكر عزيزي القارئ، بكلمة قالها لك مديرك بعد أن رجعت إلى بيتك، و أنت جالس في حضن عائلتك؟ ما النفع الذي سيعود عليك و أنت مستمر في غضبك على شخص التف عليك بسيارته قبل خمس ساعات؟! هذا ما تطرق إليه ريتشارد كارلسون في كتابه (DON’T SWEAT THE SMALL STUFF.. AND IT’S ALL SMALL STUFF!) كان كارلسون ليقدر على اختيار عنوان أقصر من هذا، و لكنه لم يكن ليجد عنوان معبر أكثر، و معناه: (لا تفكر بالأمور الصغيرة.. و كلها أمور صغيرة!).

في كتابه يلقي كارلسون نصائح مهمة على القراء، و سأذكر منها ثلاثة.

أولاً: ثق بحدسك. و حدسك قد يعني الشعور اللا إرادي المزعج الذي ينمو في أحشائك عندما ترى شخصاً جديد لأول مرة ثم تكتشف بأنه محتال.. و قد يعني أيضاً تعليمك أو تدريبك الذي مارسته طوال حياتك حتى صار جزء منك، يدلك على الطريق الصحيح بدون أن تشعر، مثل القصة التي ذكرها جيمس كلير في كتابه (العادات الذرية). و تقول القصة: التقى رجل بزوجة ابنه (الممرضة) في تجمع عائلي، فقالت له الممرضة فوراً: "لا يعجبني شكلك". رد عليها الرجل ممازحاً: "و أنا لا يعجبني شكلك أيضاً!". فقالت له: "كلا، أنت بحاجة إلى الذهاب إلى المستشفى الآن!". أصرت المرأة حتى ذهب الرجل إلى المستشفى، و اكتشف بأنه يعاني انسداداً في شريان رئيس، فخضع لجراحة مستعجلة. الجراحة و حدس المرأة أنقذا حياة الرجل.

النصيحة الثانية، اسأل نفسك دائماً، ما هي الأمور المهمة بالنسبة لي؟ هل هي كثرة المال؟ هل هي امتلاك جسم صحي و جميل؟ هل هي محبة الناس و فعل الخير؟ هل هي وجود علاقات قوية بيني وبين عائلتي و أصدقائي؟ هل هي العمل ليل نهار كي أصل إلى منصب معين؟ و عندما تعرف جواب هذا السؤال.. ابدأ في وضع قائمة أولوياتك في الحياة.

أخيراً.. "لو رمى أحد الكرة عليك.. لا يلزمك أن تمسكها". لا تقل نعم، دائماً للآخرين. ليست من وظيفتك رفع التعب و الحمل دائماً عن الناس. أنت مسؤول عن نفسك طوال الوقت.. و لكنك لست مسؤول عن الآخرين طوال الوقت. لست مجبراً بالرد على كل اتصال و كل طلب و كل حاجة و تلبية الناس في طلباتهم طيلة الوقت. يجدر التنويه، أن هذه ليست دعوة إلى تجاهل مساعدة الناس و الحس بالمسؤولية اتجاه المجتمع، و لكنها دعوة إلى عدم تحميل النفس فوق قدرتها و طاقتها.. بحيث يصل الانسان إلى الانهيار، و عندها لن يقدر على مساعدة لا نفسه و لا غيره.

الحياة أكبر و أهم من أن نولي الأمور الصغيرة جل اهتمامنا.. فعندما نفعل ذلك.. لا نترك مكاناً كافياً للأمور الكبيرة و الأمور التي تهمنا فعلاً، و بدلاً من ذلك نعبئ حياتنا بالقلق و الأرق. و هذا في النهاية خيارك عزيزي القارئ.. هل تريد أن تملء وقتك بالتفكير بقيل و قال، قيل من ورائك.. أم هل تريد أن تملء وقتك بالتفكير في أحلامك و خططك؟

لا تنسى بأن كل شيء من حولك صغير و تافه معظم الوقت.. و أنك أنت ما تجعله كبيراً و عملاقاً في رأسك. 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


 

 

 

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...