الخميس، 26 يناير 2012

عن العربي

قررت اليوم أن أكتب عن صاحبي، وقررت أن أسميه «العربي»، لأنه يتحدث ويفعل «العربية» بكل طلاقة! نعم، العربية اليوم «تُفعل» لا تُكتب ولا تُقرأ، فقط. أصبحنا نحن العرب نُعرف من سيمانا ومن أفعالنا التي أصبح لها نمط نُعرف من خلاله، أو بالأحرى نُفضح من خلاله. ها قد أخذتني عقدة الفخر بعروبتي مرة أخرى، وبدأت بالحديث عن معشرنا نحن العرب ونسيت صاحبي العزيز!
أعرف العربي منذ سنوات بعيدة، ولكي أكون دقيقة مذ أن عرفت معنى الخذلان. قابلته أول مرة في مجلس أصدقاء مشترك في أوروبا، كان يتكلم بحماسة فيبتسم ابتسامة الشمس تارة ويضحك ضحكة الربيع تارة أخرى. تحدث بخفة النور عن الأدب، السياسة، الفن، وكل المواضيع الثقافية الممتعة. كان متحدثاً ممتازاً لا يمل السامع منه، وكان مستمعاً رائعاً لا يشتت انتباهه شيء. أما كان فتدل على زمان ماض، مضى بغير رجعة! كان ذلك وكان إلى أن زرت صاحبي في وطنه، فاكتشفت في أقل من ساعة ونصف الساعة أن صاحبي لا يبتسم لغيره في وطنه، ولا يُعطي أذنه لأحد، فلا أحد يستحق الجهد كما يقول! اكتشفت بأن صاحبي الذي عرفته علمانياً، هو في الواقع ليبرالي سلفي! ليبرالي مع حبيبته، سلفي مع أخته. واكتشفت بأنه من أكثر الناس براً بزوجته وأكثرهم عقوقاً لوالدته. اكتشفت به الخطيب الذي لا يتورع عن النهي عن المنكر والنهي عن المنكر، فجل حديثه في بيته عن الحرام المطلق والحرام المغلظ! اكتشفت بأن صاحبي لا «يرضاها» على أخته و»يرضاها» على صديقته، أما عقله الذي رأيته يوماً معقداً مثيراً للاهتمام هو بسيط في الحقيقة كبساطة حجرة أو غيمة فارغة ستتبخر بعد دقائق! اكتشفت أشياء عجيبة في صاحبي المليء بالتناقضات، والذي كما تقول أغنية محمد عبده عنه «مجموعة إنسان»!
هذا كل ما لدي لأقوله عن صاحبي، وبعد أن أنهيت كتابتي عنه وأرحت ضميري بالكتابة، يجب علي أن أعترف بأنه لا وجود لهذا المُلقب بالعربي في محيطي الشخصي، لكنني سأسأل، قبل أن يلعن أحدهم خيالي، هذا السؤال: لماذا شعرنا كلنا بأن هذا «العربي» رجل مرئي غير مستحيل، وبأننا نعرفه بطريقة أو بأخرى؟



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 19 يناير 2012

ما بعد المراقبين العرب


طالبتني امرأة -لا أعرفها ولا تعرف عني سوى مهنتي- في الأسبوع الماضي بالكتابة عن المراقبين العرب في سوريا. طلبها لم يكن بالغريب أو غير المتوقع، فما يجري في سوريا يحرق الكبد ويعصر القلب ويهم كل عربي ومسلم و»إنسان»! أما تحديدها لموضوع المراقبين العرب، لأنه بنظرها كان ولا يزال هو الحل الوحيد لما يجري في سوريا قبل أن يفشل!
كان لدى الكثير أمل نجاح مهمة المراقبين العرب في سوريا، والواقعيون منهم كانوا يعرفون عدم قدرتهم الحقيقية على فعل شيء. لم يقدر المراقبون على التحرك بحرية في المدن، بل إنهم في البداية كانوا يتخيرون أو يدفعهم رجال النظام -و العلم عند الله- إلى مدن صامتة نائية لا يُسمع فيها شيء، ويحاولون الابتعاد عن المدن والمحافظات المحمومة كدرعا وحمص وإدلب. وخرج البعض منهم إلى الشاشة الكبيرة وقال إن الأمور هادئة، وبأنه يجب البحث أكثر! وظهر البعض منهم وهو يشعل السيجارة وكأنه يقول لدينا ولدى النظام كل الوقت! وظهر من ظهر -بخلاف إرادته- وهو يعلن بأنه يوجد قناصة! تصريح الأخير أُتبع بعدد من التصاريح التي فندت قوله ولم يظهر لنا مرة أخرى. أما آخر «مراقب» راقبته قبل أن «أموت هماً» صرح بصوت جهوري وقال: «لن أقول شيئاً يؤدي بحياة بقية المراقبين وعائلاتهم إلى الخطر!».
جاء فشل مهمة المراقبين العرب جزئياً، حيث إنهم وإن لم يستطيعوا إثبات وجود ثورة بشكل قطعي لم يستطيعوا في الوقت نفسه نفي قمع النظام للشعب! من أهم أسباب فشل المراقبين العرب هو خوفهم على أنفسهم في ظل رجال النظام الذين لاحقوهم في كل مكان، وخوفهم على عائلاتهم في مختلف البقاع العربية، «فعربيتهم» لم تساعدهم بالتأكيد.
إلى الآن قُتل أكثر من 6000 شخص بينهم الكثير من النساء والأطفال وهذا فقط العدد المعلن، والأكيد بأن العدد يفوق ذلك بأضعاف. إلى الآن شُرد الكثير وخُوف الكثير وكلهم سوريون، أما المراسل الفرنسي الذي قتل إثر سقوط قذيفة في حمص، جيل جاكييه، فتحت نيابة باريس تحقيقاً له حول جريمة قتل عمد! هل نقدر على فتح قضية جريمة قتل عمد للستة آلاف شخص الذين قتلوا؟ هل نقدر على أن نرفع قضية على من اغتالوا طفولة حمزة الخطيب؟
لا توجد أجوبة للأسئلة السابقة أو ربما عجزنا يمنعنا عن الإجابة عنها، وفي الحالتين تبقى الثورة السورية بلا حل لتعقيد سوريا نفسها ولتعقيد ظروفها الطائفية والجيوسياسية والسياسية.
بعد فشل مهمة المراقبين العرب -ولأكون دقيقة أكثر- حتى بعد ظهور تقريرهم، لم يبقَ سوى الأخذ باقتراح حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى ووضعه عين الاعتبار في إرسال قوات عربية إلى سوريا. فهل تستطيع الدول العربية والمجتمع الدولي تحمل هذا الاقتراح؟ سنرى في المستقبل البعيد الذي لا يشتري سوى الوقت لنظام الأسد!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 12 يناير 2012

أكثر شيء جدلاً

يقولون: «لا تجادل الأحمق حتى يستطيع الآخرون التفريق بينكما!». سأسألهم: «وإن تجادلوا كلهم مع بعضهم البعض، ماذا نقول عنهم؟!»، هذا هو حالنا اليوم، جدال في جدال حول اختلافات ضروري أن تطرأ بيننا، وأن نختلف فيها كما تختلف أصابع اليد! المشكلة عندما لا نتقبل اختلاف بعضنا ومذاهب ومشارب الآخرين، المشكلة عندما نخلق عاصفة كي نقنع الآخرين بصحة آرائنا، والمصيبة الأكبر عندما لا تستقر هذه العاصفة عند بر أمان!
إلى يومنا هذا، هنالك أناس يسألون لمجرد المجادلة فقط: هل تعمل المرأة أم لا؟ هل تقود المرأة السيارة أم لا ضرورة لذلك؟ ماذا عن الاختلاط؟ هل هو حرام أم حلال؟ وأسئلة أخرى كثيرة معظمها عن المرأة والسلفية والإسلام! منذ متى ونحن ندور في هذه الدائرة؟! هذه السلاسل كانت مسموحة قبل ٢٠١١ بسبب الكبت السياسي ولضيق مساحة الحوار، وبسبب الأغلال التي كانت تُوضع على العقول، أما الآن، ففُتحت الآفاق وتوسعت المدارك وكبرت فسحة التواصل، وزاد من ذلك الفضاء الافتراضي الذي قد يقرأ لك ما في «فيس بوك» و»تويتر» وغيرهما من المواقع، كله في آن واحد، فلماذا نصر على الحديث حول صغائر الأمور من تغطية لوجه المرأة وتغطية لركبة الرجل؟ لماذا لا نختلف ونتحدث بدلاً عن ذلك عن الاقتصاد المتدهور والذي سيتدهور في دول عربية عدة في الأيام المقبلة؟! لماذا لا نتحدث عن التعليم الذي لا نوليه أي اهتمام في بلداننا؟ لماذا نتحدث عن أي شيء، أي شيء غير البديهيات الدينية والدنيوية التي حفظناها وحفظنا الأدلة التي تسند آراءنا بها وحتى الأدلة التي تفند آراءنا بها؟!
الاختلاف نعمة من نعم الله ولون من ألوان الأرض، فالاختلاف مثلاً بين التفاحة «آبل» والتوت الأسود «بلاك بيري» هو ما يؤرجحنا بينهما ولا نحتمل ألا يختلفا، ولكم أن تتخيلوا الملل الذي كنا سنعيشه لو كنا كلنا نهتم بنفس الاتجاهات، ونحمل نفس الاهتمامات، ونبتسم في نفس الخلفيات بنفس الابتسامة، فلو تحقق هذا الشيء، لانتحر كل الرجال من الضجر ولتشاجر النساء فيما بينهن!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 5 يناير 2012

عام التحولات

هل يذكر أحد العالم قبيل ٢٠١١؟ هل يذكر أحد الخوف والكبت والموت الذي لاحقت رائحته أنوفنا؟ بالتأكيد نتذكر ولكن بصعوبة، فهذا العام قد بنى صرحاً تاريخياً وحده من ثورات وشعارات وارتقاء ووعي. هذا العام محا خرافات سطرتها أنظمة عاشت لعقود، وحكام اعتقدنا أنهم سيدومون لدهور! هذا العام كما تقول النكتة الدارجة: سيكون مائدة ضخمة وثقيلة تُقدم لطلاب التاريخ!
بدأ ٢٠١١ بثورة تحدّت كل شيء في تونس، وبرئيس جبان هرب عندما وعى أنه لن يستطيع قمع شعبه مجدداً، ثم أكملنا أول شهر فيه بثورة ملحمية في مصر تصور كل زوايا التمدن والحضارة التي عاشت في أنفس المصريين وحبسها النظام السابق. أما بعد، فتتابعت الثورات من ليبيا غرباً إلى اليمن جنوباً وسوريا شمالاً. والإصلاحات لم تقف عند تلك الحدود، والحراكان الشعبي والسياسي لم يجد له حدوداً. الكل أراد التغيير في العالم العربي، الكل أراد وطناً جديداً يتطلع إليه لا ينفر ويخاف منه!
تشبيه الثورات العربية بالربيع العربي يصف الشعور الذي بثته في نفوسنا ولا ينصفها هي في وصفها أو تأثيرها علينا وعلى بيئتنا ومجتمعاتنا. الثورات العربية أو الانتفاضات الشعبية -أياً أحببنا تسميتها- صدمت العرب كما صعقت العالم من حولنا، ويعود ذلك إلى قدرة العرب العجيبة سابقاً، على الصبر على الأكذوبة الديمقراطية، والمضي قدماً في التأخر الحضاري.
عرب ٢٠١١ يختلفون عن عرب ٢٠١٠ كما يختلف عرب ٤٨ عمن قبلهم ومن بعدهم، فجميعهم يريدون الحرية، جميعهم يصرخون من أجل الكرامة، وكلهم حنين إلى الوطن، الوطن الذين ينتمون إليه، ويتمنون أن يعطيهم كل حقوقهم.
٢٠١١ كان عام التحولات وسنة سقوط الحكام وفوز الشعوب، وكم من حاكم لم يتعظ بعد! كم من حاكم لم يعط أذنه للشارع بعد!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...