الجمعة، 26 أغسطس 2016

في التعبير والعدم

(١)
لا يفوز بجائزة الأوسكار عن فئة التمثيل من يلعب دوره على النحو المطلوب، بل من يعرف التعبير عن مشاعر وأحاسيس الشخصية بالشكل الصحيح، ولا يكسب المغني قلوب الناس بالكلمات والألحان الجيدة فقط، بل وبغنائها أيضاً بطريقة مفصحة تناسب الأغنية. ولذلك نجد أغاني رائعة لم تجدْ شهرتها عبر الفنان الأصلي مالك الأغنية بل عن طريق مغنٍّ آخر عرف كيفية أدائها والتعبير عن فحواها.
التعبير عن المشاعر والأحاسيس له صور مختلفة وكثيرة قد لا نفهم كيفيتها أو حتى طريقة وعينا بها في حالات معينة، مثل حال مكالمتنا لشخص ما لا يجمع بيننا وبينه سوى سلك الهاتف ورغم ذلك نستطيع الشعور به مبتسماً في الضفة الأخرى.

(٢)
عمران تحت الركام، صاحَبت الجملة السابقة صور وفيديو للطفل السوري وهو يُخْرَج من تحت أنقاض سوريا دون بكاء، وعلى وجهه أثر الصدمة والذهول مما أصابه ليمسح بعد ثوانٍ دمعة تسربت من عينه اليسرى، والأكيد أنه كان يلومها متذكراً بأن دموعه ومشاعره وتعابيره بلا فائدة في ضوء كل ما يحصل له ولغيره في سوريا، ألم نذهل قبل ذلك من صور إيلان؟ ألم نندد و“نقلق”؟ ألم نهدد ونتوعد؟
أين كانت وأين أصبحت تعابيرنا التافهة مقارنة بتعابير عمران وإيلان ومحمد الدرة؟
رحمنا ناجي العلي عندما حمانا من تعابير حنظلة أمام كل ما يحصل أمامه، أعطانا ظهر حنظلة وجعلنا نشاهد ما يراه دون أن ندقق في تعابير وجهه، من المؤسف وغير المؤسف أن الواقع يطلعنا على تعابير الأطفال المؤلمة والمحطِمة لما تبقى من إنسانيتنا.

(٣)
أيهما أقسى: التعبير أم عدمه؟ لن يعرف أيّا منا الإجابة إلا عندما يقع في فخ الموقف. الحبيب الذي ينتظر من محبوبه إعلان حبه، يلعن خيانة التعبير، والصديق الذي رمى صداقته في لحظة غضب يتمنى قطع لسانه قبل تلك اللحظة التي باح فيها عما شعر به.
ولا شيء أقسى وأوقع على النفس من مشاهدة كل تلك التعابير وعدمها، وفقدان المقدرة على فعل أي شيء.
آسفون يا عمران.


جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الأربعاء، 24 أغسطس 2016

كائن لا تحتمل ثقله

من الممل أن تقابل الأشخاص أنفسهم يومياً ما لم يكن لكل واحد منهم شيء جديد يقدمه.
من الممل عدم تجربة أشياء جديدة أو الخوض في مغامرات مختلفة.
والملل كل الملل أن تسافر إلى الأماكن نفسها التي يسافرها أصدقاؤك وتصور الصور نفسها التي يأخذها معارفك وكأنك لم تسمع مصطفى أمين يقول: رحلة إلى الخارج تساوي قراءة ألف كتاب. ما الذي ستتعلمه إن كانت كل الكتب التي ستقرأها مجلوبة معك من بلادك؟
الروتين غير المتغير أو المتوقف من مدة لأخرى ممل.. وعدم وجود روتين يومي يثير الضجر أكثر.
لا أحد يحب أن يشعر بالضجر ولا أحد يحب الأشخاص المملين، حتى الشخص الممل نفسه الذي نتأفف من قصصه وراء ظهره يكره الناس المملة. إذاً، كيف نقهر الملل أو مساحة الشيطان كما يراه البعض؟ نغلبه بالتغيير الدائم والتجربة المستمرة. التغيير لا يلزم أن يكون جذرياً، بل قد يكون صغيراً لا يلاحظ مثل استبدال طريق العمل اليومي بآخر، أو التنويع في وجبات الفطور أو دخول فيلم لا يناسب بالضرورة ذائقة الشخص. هذه التغييرات وإن كانت بسيطة قد تساعد المرء في اكتشاف أمور جديدة عما حوله وفي نفسه مثل أن هناك طريقا أقل ازدحاماً يربط بيته بعمله أو أن شرب الشاي بدل القهوة على الإفطار أفضل أثراً عليه أو أن أفلام الرعب التي يكرهها ليست بتلك السوء أو التفاهة.
ويختلف التغيير عن التجربة، فهما ليسا الشيء نفسه في جميع الحالات. التجربة تكون عبر تجربة أشياء أو أمور جديدة والتغيير قد لا يكون بالضرورة من قديم لجديد ولكن من مجرب إلى مجرب آخر. والتجربة الأولى لها الأهمية نفسها التي يحملها الانطباع الأول. وهي ليست محدودة كما يظن البعض. التجارب الجديدة تبدأ ولا تنتهي عند قراءة كتب جديدة والسفر إلى دول العالم المختلفة وتجربة المطاعم الشعبية ومشاهدة الأفلام حديثة الصدور.
حتى أكون صريحة مللت وأنا أقرأ وأكتب عن الملل، وحتى هذا الحرف، وافقت ديلان ثوماس وهو يقول: «أحدهم يصيبني بالملل، أعتقد أنه أنا!». وأنت عزيزي القارئ هل مللت؟ أتمنى ألا توافقني الرأي، فأكثر الحوارات مللاً هي تلك التي يتفق فيها الجميع كما سبق أن كتب ميشيل دو مينتين.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الجمعة، 12 أغسطس 2016

ماذا عن الفن؟

ماذا نعرف عن الفن؟ وهل نعرفه حقاً؟ هل نفهمه ونعيه؟ هل نعطيه قيمته الحقيقية؟ وهل الفن الحقيقي هو ما لا يُشترى أو ما يُشترى بملايين الدولارات؟ وهل هذا هو المعيار الرئيس أو الوحيد؟
إذا كنت تظن بأنك تملك أجوبة فنانة، فهنيئاً لك. والآن، اسمع ما سأرويه إليك.
قام أحد الشباب بتجربة في متحف في سان فرانسيسكو، ترك فيها نظارته على الأرض في زاوية من الزوايا، وابتعد ليرى ردود فعل الناس. المدهش أن مرتادي المتحف ابتعدوا عن النظارة وأعطوها وضعية العمل الفني، التي يأتي بعدها التأمل ومحاولة الفهم. لم يكن ما قام به الشاب، فخ لهؤلاء الفاحصين، ولكنه فعل ذلك بعدما شاهد في المتحف عملا فنيا جعله يتساءل فيما إذا كان يمكن لعمل كذلك أن يثير إعجاب أي شخص في المكان.
وفي متحف آخر في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، قامت سيدة عجوز بإخراج قلمها من حقيبتها لتملأ فراغات لغز الكلمات المتقاطعة، ظناً منها أنها لعبة، لتعرف بعد ذلك من موظفي المتحف بأنه عمل فني يساوي أكثر من 60 ألف إسترليني.
هل يمكن لأي أحد منا أن يتأكد أنه لن يكون يوماً ما مكان العجوز أو المنبهرين بالنظارة في سان فرانسيسكو؟ وإذا لم نستطع الجزم بذلك فكيف سنجاوب على الأسئلة التي طرحتها في بداية المقالة؟
ما هو الفن؟
في معرض «ماذا عن الفن؟» الذي أُغلقت أبوابه الشهر الماضي في قطر، وتحديداً في الصالة رقم 3 من المعرض، تم تركيب ألعاب تفاعلية للصيني جينوفا تشين. عبر أحد الألعاب يقوم اللاعب باستخدام قطعة اليد لتحريك ما يشبه الريشة عبر الجبال والغابات مع موسيقا جبارة تصاحب الريشة والمناظر الخلابة. وأنا أحرك الريشة، شعرت براحة وسكينة من يجول في حديقة مونيه، وبحرية من يتنقل من مكان لآخر بسبب لعبة بوكيمون قو.
الفن هو بداخلنا، كل منا يقيمه بحسب نظرته للحياة ومن نظارة بيئته، هو ما يحرك فينا مشاعر لم نظنها فينا أو أحاسيس لم ننتبه بأنها سكنت منذ مدة طويلة، الفن خاصة الحديث «يمكن أن يكون نكتة في بعض الأوقات، لكنه الطريقة للتعبير عن إبداعنا الشخصي» كما قال خاياتان صاحب النظارة. وإن كان نكتة فهو كذلك للبعض، وإن كان كتاباً مقدساً فهو كذلك للبعض، لا يرى الكل في لوحات فان غوغ ما يرونه في جرافيتي شوارع ريو دي جانيرو. ولا يرى الجميع الفن في هذه المقالة، بل قد يتساءلون أكثر بعد سؤال: ماذا عن الفن؟ قائلين: أي فن؟


جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


وجه ما

(الوجه الأول)
إذا كنت تظن أن العالم مكان يصعب العيش فيه، فأعد التفكير مرة أخرى، لا شيء يضاهي صعوبة العيش في العالم الافتراضي، ولا شيء يساوي قسوته. في العالم الافتراضي وعلى الإنترنت خصيصاً، هناك من يظهر شخصيته الحقيقية وهناك من يزيفها حتى أصغر التفاصيل، فتجده يسلم بسلام غير السلام الذي يعرفه به أصدقائه، ويتكلم بغير أحاديثه، ويطالب بغير اهتماماته، ومهما بدا الشخص حقيقياً على الإنترنت، أو مهما بدا الشيء حقيقياً، فإنه لن يكون أبداً كذلك.

(الوجه الثاني)
في فيلم Nerve، يصوت لاعبو اللعبة الإلكترونية في أحد المشاهد على مقتل اللاعبة Vee، وبينما يتأكد للجميع من أن كفة التصويت سترجح لنعم، يبدأ اللاعب Ian بمطالبة جمهور اللعبة بالتحلي بالجرأة والتخلي عن أقنعتهم، قبل أن يطالبوا بمقتل Vee. هذا المشهد يختصر واقع العالم الافتراضي الذي يتواجد فيه داعش والدالي لاما وسياسيو العالم وبابا الفاتيكان وأشهر الأثرياء وأبسط الناس، ولا أنسى تجار الدم وسماسرة الأطفال في الشبكة العميقة Deep web، التي لا يصل إليها الجميع. وكلهم ليسوا هم، وهم ليسوا أنفسهم.

(قناع)
قبل عدة أشهر بدأت مايكروسوفت تجربة روبوت، كان الهدف من إنشائه هو التواصل مع البشر والتحدث معهم على طريقتهم. Tay الروبوت الذي كان من المفترض به التحدث كفتاة مراهقة ترى البشر رائعين في أوائل تغريداتها في تويتر، انتهى بها المطاف كعنصرية تشتم الغير وتحرض على الآخرين. انتهت التجربة في يوم واحد بعد أن أوقفت مايكروسوفت الحساب. ولا لوم على Tay، حيث إن ما غردت به كان حصيلة ما تعلمته من التغريدات التي وُجهت إليها، فتعاملت مع الناس كما تعاملوا معها وليس بحسب ما بُرمجت عليه، الهجوم البشري في العالم الافتراضي لا تُخص به الروبوتات فقط، بل الكل، وممن تم الهجوم عليه والتنمر ضده مؤخراً في تويتر، الأميركية ليزلي جونز ممثلة Ghostbusters، بسبب اختيارها كممثلة في الفيلم، لا لشيء آخر كجودة تمثيلها مثلاً.
من آمن العقاب أساء الأدب هذا ما يعتمد عليه المتنمرون والمسيؤون والمعتدون في تويتر وغيره، يختبئون فيه بأسماء وحسابات وهمية، بعد أن أدمنوا الحرية الزائفة، لماذا أسميها حرية زائفة؟ لأنها مؤقتة ولأنها تعتمد على أذية الغير، وهذا ما يمنعها من أن تصبح حقيقية، حيث إن الحرية الحقيقية تتوقف عند حدوث ضرر للآخر.

(قناع فوق القناع)
الكل يلبس الأقنعة، وكلنا نلبسها لنحمي أنفسنا من الآخر، الأشرار يلبسون الأقنعة، والأخيار يلبسونها أيضاً مثل باتمان والجوكر، لكن عندما يكون سبب وجود الأقنعة هو الرغبة في أذية الآخرين فقط، يجب أن يتم التصدي لهؤلاء، ونزع أقنعتهم فوراً، وعدم الرأفة بهم أو الأخذ بحجة عدم وقوع ضرر مادي، ففي بعض الأحيان أكبر الأضرار هي الأضرار المعنوية. وهذا ما يتضح يوماً بعد يوم في الواقع والعالم الافتراضي.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...