الجمعة، 12 أغسطس 2016

وجه ما

(الوجه الأول)
إذا كنت تظن أن العالم مكان يصعب العيش فيه، فأعد التفكير مرة أخرى، لا شيء يضاهي صعوبة العيش في العالم الافتراضي، ولا شيء يساوي قسوته. في العالم الافتراضي وعلى الإنترنت خصيصاً، هناك من يظهر شخصيته الحقيقية وهناك من يزيفها حتى أصغر التفاصيل، فتجده يسلم بسلام غير السلام الذي يعرفه به أصدقائه، ويتكلم بغير أحاديثه، ويطالب بغير اهتماماته، ومهما بدا الشخص حقيقياً على الإنترنت، أو مهما بدا الشيء حقيقياً، فإنه لن يكون أبداً كذلك.

(الوجه الثاني)
في فيلم Nerve، يصوت لاعبو اللعبة الإلكترونية في أحد المشاهد على مقتل اللاعبة Vee، وبينما يتأكد للجميع من أن كفة التصويت سترجح لنعم، يبدأ اللاعب Ian بمطالبة جمهور اللعبة بالتحلي بالجرأة والتخلي عن أقنعتهم، قبل أن يطالبوا بمقتل Vee. هذا المشهد يختصر واقع العالم الافتراضي الذي يتواجد فيه داعش والدالي لاما وسياسيو العالم وبابا الفاتيكان وأشهر الأثرياء وأبسط الناس، ولا أنسى تجار الدم وسماسرة الأطفال في الشبكة العميقة Deep web، التي لا يصل إليها الجميع. وكلهم ليسوا هم، وهم ليسوا أنفسهم.

(قناع)
قبل عدة أشهر بدأت مايكروسوفت تجربة روبوت، كان الهدف من إنشائه هو التواصل مع البشر والتحدث معهم على طريقتهم. Tay الروبوت الذي كان من المفترض به التحدث كفتاة مراهقة ترى البشر رائعين في أوائل تغريداتها في تويتر، انتهى بها المطاف كعنصرية تشتم الغير وتحرض على الآخرين. انتهت التجربة في يوم واحد بعد أن أوقفت مايكروسوفت الحساب. ولا لوم على Tay، حيث إن ما غردت به كان حصيلة ما تعلمته من التغريدات التي وُجهت إليها، فتعاملت مع الناس كما تعاملوا معها وليس بحسب ما بُرمجت عليه، الهجوم البشري في العالم الافتراضي لا تُخص به الروبوتات فقط، بل الكل، وممن تم الهجوم عليه والتنمر ضده مؤخراً في تويتر، الأميركية ليزلي جونز ممثلة Ghostbusters، بسبب اختيارها كممثلة في الفيلم، لا لشيء آخر كجودة تمثيلها مثلاً.
من آمن العقاب أساء الأدب هذا ما يعتمد عليه المتنمرون والمسيؤون والمعتدون في تويتر وغيره، يختبئون فيه بأسماء وحسابات وهمية، بعد أن أدمنوا الحرية الزائفة، لماذا أسميها حرية زائفة؟ لأنها مؤقتة ولأنها تعتمد على أذية الغير، وهذا ما يمنعها من أن تصبح حقيقية، حيث إن الحرية الحقيقية تتوقف عند حدوث ضرر للآخر.

(قناع فوق القناع)
الكل يلبس الأقنعة، وكلنا نلبسها لنحمي أنفسنا من الآخر، الأشرار يلبسون الأقنعة، والأخيار يلبسونها أيضاً مثل باتمان والجوكر، لكن عندما يكون سبب وجود الأقنعة هو الرغبة في أذية الآخرين فقط، يجب أن يتم التصدي لهؤلاء، ونزع أقنعتهم فوراً، وعدم الرأفة بهم أو الأخذ بحجة عدم وقوع ضرر مادي، ففي بعض الأحيان أكبر الأضرار هي الأضرار المعنوية. وهذا ما يتضح يوماً بعد يوم في الواقع والعالم الافتراضي.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...