الأحد، 23 أكتوبر 2011

القذافي و بعد

عندما هلت أخبار مقتل معمر القذافي، اعتقدت بأنه خبر كاذب كما قد قُتل خميس القذافي ست مرات من قبل، وكما قد اعتُقل باقي أبناء القذافي من قبل. لم أصدق إلا بعد مشاهدتي لصوره وهو مضرج بالدماء ومُسير بين أيدي الثوار. صور تصرخ بالذلة وتجبرك على الشعور بالشفقة، وعلى التحلي بالإنسانية تجاه الطريقة التي قُتل فيها. البعض يقول إنه توفي متأثراً بجراحه، وآخرون يقولون إن الثوار قتلوه، وفي كلا الحالتين لم يُعامل باحترام ولا رحمة، وكيف نتوقع ذلك من رجال أفقدهم معمر كل ما يملكونه؟ كيف نتوقع ذلك من رجال خرجوا مطالبين حق كرامتهم وحريتهم بكل سلمية ليُقابلوا بأوحش الطرق وبعدوان يقصف بيوتهم وأبناءهم؟ القذافي سَطر موته بيده، فنفس العدوان الذي قابل به شعبه قصف عمره، فلم يُعمر ولم يُعَمر! انتهت صفقة عزرائيل مع القذافي كما أنهى القذافي صفقات غيره في العقود الأربعة الماضية. فما أراد هذا المهووس بجنون العظمة إلا أن يسلك كل مسلك غريب ليُقنع الناس بشذوذه ويُوهم نفسه بتفرده. وها هو ملك ملوك إفريقيا، عميد الزعماء العرب، إمام المسلمين وخليفة الله على الأرض يدخل نفس الأرض التي دخلها شهداء ليبيا بالألوف من أجل وطنهم، ها هو يدخلها من أجل مجد واسم ضاعوا مع بقايا ممتلكاته وخزعبلاته وأبنائه، ها هو يدخلها جرذاً، لا كما دخلها الشهداء، ملوكاً.
انتهى كابوس أربعين سنة في دقائق، تم فيها القبض على الكابوس -معمر القذافي- ومن ثم قتله، لكن كوابيس الأمهات اللاتي فقدن أبنائهن باقية، وكوابيس الرجال الذين فقدوا مساكنهم وكل ما يملكون باقية، كل شبر خربه القذافي في ليبيا بقي، ولن يشعروا بلذة محاكمة الطاغية، ولن يشعروا بالراحة الكاملة التي تنهي حرباً دامية، لن يشعروا إلا بالحزن الدفين الذي يقلب صفحة الليل كل مرة تغرب الشمس فيها إلى أمد طويل.
رحم الله كل الشهداء الذين لن يمسح دماءهم عن جبيننا سوى مقدرة المجلس الانتقالي على التقدم بليبيا إلى مرحلة جديدة يعمها السلم والرخاء، فهم لم يقدموا على الموت إلا من أجل وطنهم، ولن يرتاحوا في قبورهم إلا بعد أن يعم الأمن مكانهم.



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية
المصـــــدر

الأحد، 16 أكتوبر 2011

أزمة أم نعمة؟

إلى خمس سنوات مضت كان استخدام البلاك بيري في الخليج يقتصر على رجال الأعمال تقريباً. فكانت الأغلبية لا تستسيغ ذلك الجهاز الكبير ذي لوحة المفاتيح القاسية، وكان معظم الناس يُفضل أجهزة النوكيا السهلة الاستعمال والتي تخرج لنا في السنة بأشكال كثيرة ومضمون متغير. ولكن بما أن من طبع الحياة التغيير وكما احتل النوكيا السوق مرة، احتله البلاك بيري عشرات المرات في السنوات الماضية. فأصبحت المنافسة بين البلاك بيري، الآي فون وباقي الشركات والمنتجات الإلكترونية. أصبح تَمَلُّك بلاك بيري واجبا في عالم تحكمه السرعة والتكنولوجيا، وإن لم تكن تملك واحداً كان السؤال لك بغرابة: «لا تملك بلاك بيري؟!» فيشتري البعض البلاك بيري بعد هذا السؤال الذي يُشعرك بالتخلف والذي يقول لك في الحقيقة شيئاً عن مجتمعنا المادي. وتسأل آخرين نفس السؤال عن عدم امتلاكه لبلاك بيري فيُبرر لك وبكل فخر فيقول: «عندي آي فون!» أي أن عنده البديل المنافس! وهناك من لا يمتلك هذا الجهاز فيكون هدفا رائعا لتسلمه البلاك بيري كهدية مثالية في عيد ميلاده أو أي حفلة ومناسبة أخرى. وهنالك الفئة الأخيرة -والتي أتمنى أن تكون الأغلبية- التي تحصل على هذا الجهاز مقتنعة به وبكل مميزاته وعيوبه. وكل هذه الفئات باختلاف أشكالها وألوانها وأطباعها عانت من تخلف الخدمة في الأسبوع الماضي عن العمل، فانقطع الكثير عن معارفهم وتعطلت الكثير من الأعمال، فصعُبت مسيرة التواصل فجأة! وشعر الناس عند انقطاع الخدمة في مختلف أجزاء العالم بأن هنالك شيئا قد نقص وأن فراغا وربما بعض الملل قد نسج خيوطه في حياتهم، وهذا ما حدث، فرجع الكثير إلى أدوات التواصل الأولى من مكالمات هاتفية ورسائل نصية تُبعد عنهم الشعور بالقطيعة والسكنى في صحراء!
توقف الخدمة في هذا الوقت المزدحم من السنة واستنفار الناس بسببه يُبين لنا بأن البلاك بيري أصبح من الكماليات الضرورية التي لا نستغني عنها وهذه إما أزمة، خاصة أن أكثرنا قد نسي كيفية التواصل مع الآخرين من دونه، أو أنها نعمة ستساعدنا على ترتيب أوراقنا مجدداً واختيار أدوات الربط التي نتمنى أن تكون موجودة بيننا دائماً وبين نظرائنا. فهل ستختار الأزمة التي ستتعرض لها عند توقف الخدمة في كل مرة أم الراحة التي توفرها استعمال وسائل التواصل المختلفة -بشكل متوازن- بالإضافة للبلاك بيري؟ اختر.



جواهر بنت محمد آل ثاني.
مقال نُشر في صحيفة العرب القطرية.


الرابـــــــــــــــط



الأحد، 9 أكتوبر 2011

الرجل الذي حول التفاحة إلى حديقة!

انتهت مع موت ستيف جوبز في الخامس من أكتوبر ٢٠١١ حقبة كاملة. رحل جوبز بعد أن وضع في أيدي كل منا الضروريات والكماليات التي نطمح لها، بعضها لا نستغني عنها وبعضها لا نستمتع إلا بها. رحل بعد أن قضم تفاحة في بيت كل شخص وشرب الشاي معنا وشاهد الأفلام على أرائكنا. انتقل إلى حياة أخرى بعد أن غير في حيواتنا وشكل في أشخاصنا. لم يكفه التربع على عرش واحد فقط، لا، فذلك لا يناسب رجلا يملك رؤية رباعية الأبعاد، فكانت رؤيته التي لامست الحواسب فأنتجت لنا الماك بوك بأنظمته الرائعة وكان إبداعه الذي تَمَلك عوالم الترفيه بثورة الآي بود والآي تونز الذي يتيح لنا الوصول لمكتبة ضخمة ترفيهية وتعليمية من الكتب، المسلسلات، الأفلام والموسيقا. لم يكفه ذلك، فحاضر الهواتف النقالة مازال مملاً ويدعو بكل إيمانه غيثاً يشبع ظمأه؛ حمل ستيف هذا الدعاء في قلبه وأخرج لنا الآي فون لينافس كل هاتف نقال خرج وسيخرج! ومن عالم الهواتف النقالة إلى امتلاك نصف أسهم بيكسار، الشركة التي أنتجت لنا روائع الرسوم المتحركة ثم أخيراً وللأسف ختاماً، الآي باد، اللوح الذي جعله ملازماً لنا مع نهاية رحلته اللطيفة. فكم طريقاً سهله علينا؟ وكم عالماً اختصره في جهاز؟ أجوبة متشابهة وامتنان واحد، لرجل لا تهم جنسية أبيه أو جنسيته ولا يهم دينه أو دين أمه، كل ما يهم هو إنسانيته وما حاول تقديمه لنا.
يجوز أن تكون كلماتي رثاء، فكل مبدع يستحق التصفيق عند نهاية السباق ويجوز أن تكون حروفي مفراً من واقع رحيل رجل صعب المهمة على من سيأتي بعده.



جواهر بنت محمد آل ثاني.


مقال نُشر في صحيفة العرب القطرية.


رابط المقال

الأحد، 2 أكتوبر 2011

نريد ربيعاً عربياً في «الجمعة»

لو طُلب من شخص ذكر موضوع لخطبة جمعة فإنه سيذكر-على الأرجح- ومن دون تفكير: الصلاة، الزكاة، النهي عن المنكر، الأمر بالمعروف وغيرها من المواضيع المتجذرة في الدين والشريعة. ولو تجرأنا فأكملنا طلبنا وسألنا نفس الشخص عن سبب ذكره لهذه المواضيع بالتحديد، لأعطانا أسبابا كثيرة، منها: أنه كان قد سمع نفس هذه المواضيع تُكرر في الجامع كل جمعة تقريباً أو أنها المواضيع الوحيدة التي تتكلم عنها البرامج الدينية أو أنها مواضيع تتعلق بالدين، ولذلك فمن الطبيعي أن تتمحور خطب الجمعة حولها. كلها دواع حقيقية، لكن متى كانت آخر مرة سمعنا بها خطبة تكلم فيها الإمام عن مواضيع اجتماعية تخاطب مجتمعنا يومياً، أو عن حياتنا وما يصادفنا من خلالها، أو عن ما يمر به العالم الإسلامي بصفة مستمرة؟ مواضيع كثيرة تستحق أن نلتفت إليها وأن يلتفت أئمتنا لها ولكنهم لا يفعلون، بل يكتفون بالإعادة والتشديد على أمور الشريعة ليختمون الخطبة بدعاء على فئات موجودة في مجتمعنا مثل «الكفار» و «النصارى» و «اليهود» بدل نصحهم وإرشادهم من على منابرهم العالية!
كانت في وقت ما خطبة الجمعة مُقدسة فلا توكل لأي أحد بل يجب أن يكون ضالعاً في أمور الدين والدنيا، ويجب أن يكون متحدثاً بارعاً، حماسياً، يُشعل معه قلوب المستمعين بلسانه، ويخاطب عقولهم بقلبه. وقد روى الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء: أن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سُئل عن سبب سرعة الشيب عنده. فقال: وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة!
أما الآن فأي شخص كان قد قرأ كتابا عن الفقه أو عن الحديث يقدر أن يحل محل الإمام في منبره ويقدر أن يجعل أسلوبه حماسياً «بالصراخ» كما يفعل بعض الأئمة في وقتنا هذا.
ليس كل المستمعين للخطب الدينية متعمقين في الدين، ونعم يلزمهم الاستماع لحديث عنه ولكن الأجدر بنا أن نتكلم، أيضاً، عن المواضيع الأخرى التي نربط بينها وبين بيئتنا، مواضيع قد تشدنا لعيد الجمعة لا أن تنفرنا منه أو -أسوأ- أن توقعنا في نوم لا نستيقظ منه إلا آخر الخطبة!
الخطاب الديني يجب أن يتطور ابتداء من خطبة الجمعة التي كانت منبراً إعلامياً للطرح والتوجيه لا للتوجيه، فقط!



جواهر بنت محمد آل ثاني.


مقال نُشر في صحيفة العرب القطرية.
رابـــط المـــقـــال



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...