الجمعة، 21 نوفمبر 2014

لماذا نفعل كل ما نفعله؟

تخيل نفسك في أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي وأنت تجلس في مقعدك في حفلة لعبدالحليم أو أم كلثوم منتظراً أن يطربوك بأغان لم تسمعها من قبل، ولكنك تعرف بأنها ستصبح أغانيك المفضلة لعمر كامل.
تخيل نفسك تشاهد فيلماً عرفت من دعايته بأنه سيجعلك تتأثر، ومع ذلك ومن أجل ذلك دخلته باختيارك ومع من تحب. تخيل نفسك مُقدراً أو بين العائلة والأصدقاء أو بعافية وصحة أو ذا مال وجاه أو عاشقاً ومعشوقاً، أياً كان ما تطمح إليه، تخيل شعورك لحظة وصولك إليه. هل تخيلت؟ الآن كل ما عليك أن تفعله هو أن تنسى اللحظة وتتذكر هذا الشعور جيداً لأنه سيكون غايتك الجديدة وكل ما عدا ذلك هو وسيلة، سواء أكان صديقاً يشد على يديك عند حاجتك له، أو صلاة تبكي في سجودها وتمسح دموعك في ركوعها أو رواية تبعثك مؤمناً متأملاً أو سقوطاً تعود لتقف بعده كالنخلة وسط صحراء ضاعت فيها واحة أو أكثر.
والآن بعد أن تخيلت وعرفت ما سيكون لو شئت، ابدأ بوضع نفسك في مواقف تجعلك تصل إلى تلك الحالة الكبرى من السعادة والقناعة والسلام مع النفس والغير بعد الرضا والابتهاج. اجمع من حولك من تحب ومن يحبك ومن يرفعك ومن يدفعك ويساعدك، وبعثر داخلك الخوف والتوتر والإحساس بالدونية واختر الثقة والكبرياء والاندفاع والشجاعة وحب نفسك ثم حب الغير. اجعل طريقك معبداً بهذه المشاعر ووجهتك هو ذاك الشعور الأسمى الذي يجعل من الإنسان كائناً خارقاً استطاع أن يصل إلى أعلى طاقاته وأقوى ضرباته وأطول أوقاته. الطريق مهم والوجهة مهمة وكل يستند إلى الثاني في رحلة الإنسان الطويلة لتحقيق ذاته كي يصل إلى شعور يصنعه من أول ومن جديد.
«لقد تعلمت أن الناس قد تنسى ما قلته لهم أو فعلته بهم ولكنهم لن ينسوا أبداً ما جعلتهم يشعرون به!». هذه الكلمات القوية كانت للشاعرة مايا أنجلو التي لم توصلها أفعالها وإيمانها بقضايا سامية ومصيرية إلى ذاك الشعور الغني والعميق، بل جعلتها تشعر أيضاً بأهمية الشعور الذي يخلقه الناس فينا سواء أكان مؤذياً أو مصلحاً، بانياً أو هادماً، صاخباً أو هادئاً، جامداً أو ليناً، ساقطاً أو راقياً، فخماً أو متسولاً، أي إحساس وأي شعور يُفرح أو يبكي بحسب الموقف وبحسب أشخاص الموقف. أي إحساس مهم ولكن الأهم هو أن يكون شعوراً في سبيل الرضا والمحبة والسلام والدفء والجمال، أي ذاك الملاذ الأخير.


جواهر بنت محمد آل ثاني 
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 13 نوفمبر 2014

مقال غير توجيهي

تدور قصة فيلم «مقبول» أو accepted حول مجموعة من الشباب لم يتم قبولهم في أي جامعة قدموا طلبات تسجيلهم فيها. تبدأ القصة مع إنشائهم لجامعة وهمية كيلا يخيبوا ظن آبائهم، ولكن الوضع يتطور ليجدوا أنفسهم أمام مجموعة كبيرة من «المرفوضين» أمثالهم، وهم يطلبون الدخول إلى الجامعة التي أنشأها الطلاب. رغم أن مشكلة رفض الطلبة من دخول الجامعات لأسباب عدة موجودة في كل مكان ومهمة ويجب التعرض لها، إلا أن معرض حديثي سأتناوله من جانب مختلف، ومختلف هو ما يجب أن أكون.
سأبدأ من حيث انتهى الفيلم، من مشهد يقول فيه الدكتور للطلبة في يوم التوجيه «orientation day»: «اليوم ليس يوم التوجيه orientation بل هو يوم عدم توجيهكم «disorientation day» لقد تم توجيهكم طوال حياتكم، والآن حان الوقت ليتغير ذلك». بهذه العبارة التي قالها الدكتور ضاحكاً مع الطلبة انتهى الفيلم الكوميدي، ولكنها لم تكن بالمزحة ولا بالسخافة، بل فلسفة يتم طرحها وتعلمها في كليات الفلسفة تحت أسماء الشك وعدم الإيمان ومرات كثيرة تحت مسمى الإيمان نفسه، لأن ضياع المرء وإيجاده طريقه بنفسه أفضل مائة مرة من أن يدربه أحد على الطريق فيحفظه وهو مغمض عينيه عن كل ما سواه، في الحالة الأولى سيصل مؤمناً، أما في الثانية سيصل بعد أن تم تلقينه إيمان غيره.
نعيش خطأ لا يتعلم ولا يتحمل الصحة، منذ بداية حياتنا يتم توجيهنا من الإجبار على المشي والكلام إلى دخول المدرسة وتعلم الرياضات أو العزف على آلة موسيقية أو تعلم لغة أخرى، وفي حالات كثيرة لا تكون الاختيارات خاطئة، ولكنها غير مناسبة للشخص نفسه، لأن ميوله مختلفة ويجبر على ميول غيره لأسباب نفسية أو اقتصادية أو لاعتبارات اجتماعية أو سياسية. يعلموننا ماذا نحب وماذا نكره. من نحب ومن نكره. ماذا نريد وماذا سنتجنب. ما نقتنع به وما نرفض الاستماع إليه. يعلموننا ويوجهوننا ويسيروننا على ما يشتهون وما يريده المجتمع وما عرفه الآباء والأجداد، بدل أن يعلمونا كيف نحب، ولماذا نحب، ولماذا نكره، وكيف نتعلم بأنفسنا وبأدواتنا وأساليبنا، ولماذا سنتجنب، ولماذا سنقتنع، وكيف سنستمع لما نكره أو غير ما نألفه، وكيف سنتقبل ونتفهم، ولماذا نفعل كل ذلك.
هذه الفلسفة ليست مقتصرة على الفلاسفة ولا المثقفين الواعين حيث يتحدث عنها -وإن لم يكن بشكل مباشر في بعض الأحيان- فقهاء الإسلام المعتدلون الذين يحضون على إعمال العقل وزحزحة الفكر وعدم الخضوع لأي مبدأ أو فتوى بلا سابق اعتبار واعتمادها بـ «آمين»! هذا ما نحتاج البدء منه والرجوع عليه، خاصة في عالم انتشرت فيه الدواعش في الهشيم!

ملاحظة:
بغض النظر عن عنوان المقال، أقول لكم إن الهدف منه هو توجيهكم إلى عدم التوجيه.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

عشاق التاريخ

لا أقصد روميو وجولييت ولا قيس وليلى ولن أتحدث عنهم، ولكني قد أعرج عليهم، وأنا أتكلم عن عشاق من نوع آخر. عشاق رُزقوا حب الورق والقلم، أو أجبروا عليه لحب أو مال أو شهرة أو سلطة أو جاه أو خوف ممن أجبرهم على الكتابة. عشاق يحملون في قلوبهم حباً مزدوجاً، الأول ثابت وهو للكتابة سواء أكان باختيارهم ومن طابع فطرتهم أم لم يكن، والثاني حبٌ يتملكهم باختلاف كل كاتب وذائقته ومدى سماحه له بالتأثير عليه، فمنهم من كان عاشقاً لنفسه، فصاحب كبار الشأن في المجتمع والمشاهير ليكتب أولاً عن نفسه وحياته والمواقف التي تصادفه أكثر من كتابته عنهم، ومنهم من عشق التاريخ، فسرد في كل ما كتبه جزءاً من التاريخ ليجعل ما يكتبه جزءاً من التاريخ، ومنهم من عشق الحب، فبدا جل كلامه خرافياً جميلاً أدبياً، وينتهي أغلب هؤلاء الكتاب إلى مرتبة الشعراء، ومن لم يفعل منهم حاول أن يتشاعر! ومنهم من عشق الألم حتى ظن بأنه لن يكتب إلا به، فقام باستنزاله على نفسه! ومنهم من عشق الكتابة من عشقه للعمل الذي يمارسه سواء أكان محامياً أو مهندساً أو موظفاً عاماً اكتشف القلم والورقة بالمصادفة في وقت فراغه، ومنهم من عشق غيره بشغف جعله يضيع في الكتابة ليوصل ما يريد قوله أو ما يريد نسيانه، ومنهم من هام بالحياة أو الموت -كلهم على نفس درجة التأثير- فكتب ليصل بسرعة إلى ما يحب أن يخشاه.
كليوباترا وأنطونيوس وروميو وجولييت ليسوا أكثر أهمية ممن كتب عنهم، بل العكس من كتب عنهم هو العاشق الحقيقي الذي سيتذكره التاريخ. ورغم اختلاف كل كاتب هوى وذائقة عن الآخر، إلا أنهم جميعهم يعشقون الفن ويعيشونه وإن لم تنضح كلماتهم به، فالفن هو سر العشق الأبدي لأنه يبعد الضجر عن ظاهر الأشياء.
كل ما يسعني أن أختم به هو ما قاله الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن آل سعود في قصيدة المراية: «كلنا عشاق لكن كل واحد له حكاية..».

جواهر بنت محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...