الخميس، 13 نوفمبر 2014

عشاق التاريخ

لا أقصد روميو وجولييت ولا قيس وليلى ولن أتحدث عنهم، ولكني قد أعرج عليهم، وأنا أتكلم عن عشاق من نوع آخر. عشاق رُزقوا حب الورق والقلم، أو أجبروا عليه لحب أو مال أو شهرة أو سلطة أو جاه أو خوف ممن أجبرهم على الكتابة. عشاق يحملون في قلوبهم حباً مزدوجاً، الأول ثابت وهو للكتابة سواء أكان باختيارهم ومن طابع فطرتهم أم لم يكن، والثاني حبٌ يتملكهم باختلاف كل كاتب وذائقته ومدى سماحه له بالتأثير عليه، فمنهم من كان عاشقاً لنفسه، فصاحب كبار الشأن في المجتمع والمشاهير ليكتب أولاً عن نفسه وحياته والمواقف التي تصادفه أكثر من كتابته عنهم، ومنهم من عشق التاريخ، فسرد في كل ما كتبه جزءاً من التاريخ ليجعل ما يكتبه جزءاً من التاريخ، ومنهم من عشق الحب، فبدا جل كلامه خرافياً جميلاً أدبياً، وينتهي أغلب هؤلاء الكتاب إلى مرتبة الشعراء، ومن لم يفعل منهم حاول أن يتشاعر! ومنهم من عشق الألم حتى ظن بأنه لن يكتب إلا به، فقام باستنزاله على نفسه! ومنهم من عشق الكتابة من عشقه للعمل الذي يمارسه سواء أكان محامياً أو مهندساً أو موظفاً عاماً اكتشف القلم والورقة بالمصادفة في وقت فراغه، ومنهم من عشق غيره بشغف جعله يضيع في الكتابة ليوصل ما يريد قوله أو ما يريد نسيانه، ومنهم من هام بالحياة أو الموت -كلهم على نفس درجة التأثير- فكتب ليصل بسرعة إلى ما يحب أن يخشاه.
كليوباترا وأنطونيوس وروميو وجولييت ليسوا أكثر أهمية ممن كتب عنهم، بل العكس من كتب عنهم هو العاشق الحقيقي الذي سيتذكره التاريخ. ورغم اختلاف كل كاتب هوى وذائقة عن الآخر، إلا أنهم جميعهم يعشقون الفن ويعيشونه وإن لم تنضح كلماتهم به، فالفن هو سر العشق الأبدي لأنه يبعد الضجر عن ظاهر الأشياء.
كل ما يسعني أن أختم به هو ما قاله الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن آل سعود في قصيدة المراية: «كلنا عشاق لكن كل واحد له حكاية..».

جواهر بنت محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...