الخميس، 30 أكتوبر 2014

هل تقدر على الإبحار؟

الناس أنواع.. هناك من يختار العوم في كل اتجاه جنوباً مرة وشمالاً مرة، وهناك من يقصد أن يسبح عكس التيار في كل حين ليثبت شيئاً لنفسه أو لغيره أو لكليهما، وهناك من يترك نفسه لهوى التيار كالسمكة الميتة. أسوأ الأنواع هو من لا يسبح أساساً لخوفه من الماء أو الغرق أو المجهول، فيبقى على اليابس ممضياً عمره بين كثبان رملية قاسية بعلة الأمان والسلامة والاحتياط، رغم أنه لو جرب حظه وقفز في الماء لوجد نفسه سباحاً هائلاً. هذا النوع من الناس لا تبعدهم المسافة عن البحر بل الخوف، نسوا أن أجدادهم وأجداد أجدادهم عاشوا فيه وتربوا فيه وأكلوا من خيراته، وشربوا من الأماكن التي أوصلهم إليها. نسي هؤلاء صبر وجلد أجدادهم أيام عيشهم في مدن بلا ماء، حارة الجو، جافة الأرض، تقسو فيها الحياة ويضرب فيها الممات. نسوا أنهم خلف من لفظ الخوف لكي يعيشوا، تركوا الخوف وراءهم في السلم والحرب، عند التجارة ووقت العبادة، أيام الجوع وأوقات الأمن. فما بال هؤلاء يخافون أن يعيشوا كي لا تقال كلمة من الناس أو لأنهم يألفون ما هم فيه أو لكسل وعجز فيهم؟ ما بالهم يختارون أن يكونوا سمكاً صغيراً، بينما في وسعهم أن يكونوا قروشاً سريعة ومتأهبة وفتاكة؟ ما بالهم يرفضون أن يعيشوا والوجود بحد ذاته مجازفة ومخاطرة؟ ألا يعرفون أن مذاق الحياة اللذيذ يكمن في أن يفعلوا كل شيء بشكل كبير وإن كان صغيراً؟
لا يختار البحر أصدقاءه ولا عشاقه، ولكنه يختار ضحاياه، تارة لأنه يشعر بخوفهم وتارة لأن الصدف جاءت بهم إلى جوفه وحيدين ومستسلمين، الحياة تفعل بمن تقابله الشيء نفسه، من ينظر إليها بعين خائفة ترد عليه بعين شامتة، والعكس صحيح كما كتب نجيب محفوظ: «من يحتقر الحياة تحترمه».
ألا يزال خوفك يشغل تفكيرك، ويشعل شعرك ويأكل أظافرك؟
لا تخف إذا كانت الحياة اختيارك.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...