الخميس، 28 نوفمبر 2013

نفس المشكلة كل سنة!

من رحمة الله علينا إمهاله في تحذيرنا وفي تبشيرنا، ومن عدالته أيضاً أن إشاراته لا يفهمها جميع من يصادفها، وإن توقفوا لبرهة عندها قسراً.
المشكلة هي أن الأمطار التي نفرح بها كل عام تتوقف فرحتنا بها عند حدود معينة، لنتمنى بعدها إما توقف الأمطار أو تغير الأحوال، وفرحتنا لا تكتمل لأمرين: كثرة الحوادث والوفيات، وغرق الشوارع والبيوت! أما الأولى فالأمطار لم توجدها كمشكلة، ولكنها زادت من كمها نظراً لأن السبب الرئيسي لحوادث السير هو السرعة وإرسال الرسائل النصية حال القيادة، وأما الثانية فهي مشكلة مزمنة نعاني منها كل سنة في الوقت نفسه في نفس الأماكن، ورغم سرعة استجابة السلطات من مطافئ وفزعة ورجال مرور وطوارئ وغيرهم هذه السنة، إلا أن مدة الاستجابة وإن كانت مهمة لم تكن أبداً الحل الدائم.
حلول هاتين المشكلتين اللتين تثير الأمطار أشجانهما تعود بشكل أو بآخر بجذورهما إلى التربية، فحوادث السير معظم ضحاياها من الشباب الذين يقودون بسرعة جنونية لا يرون فيها أي مخالفة للقانون ولا يعترفون بخطرها على غيرهم من سائقي المركبات في الشوارع، كما أنه ظهرت على إثر هذه التصرفات الشاذة من الشباب فئة من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية التي أخذت تقود السيارات بدلاً عن السائق عند المدارس وحولها! وإذا لم تعد جذور هذه المشكلة إلى التربية والرقابة والتوجيه، فلا أعرف إلى ماذا يمكن أن تعود!
وأما غرق الشوارع والبيوت، فمسؤولية هذه الأخطاء يقع عبئها على أكتاف من يعد بمعالجة هذه المشكلة كل سنة ويفشل في ذلك كل مرة. هؤلاء لم يتربوا على أحد أهم قيم الحياة، ألا وهو الإخلاص في العمل، والوفاء له لكي يرضوا ضميرهم قبل إرضاء الناس.
الحلول الجذرية مطلوبة، فالشاحنات الكبيرة التي تشفط مياه الأمطار عند سقوطها سترهق الدولة إن تم الاعتماد عليها كنهج لمعالجة هذه المشكلة، كما أن الحلول الأخرى من إرساء بنية تحتية ومن وضع قوانين أكثر صرامة في المنزل والمدرسة والشارع، أكثر فائدة وأدوم عمراً عن حل يستمر لليلة أو لأسبوع. الدولة تخسر الأرواح والأموال بسبب سياسات بعض المسؤولين الفاشلة ذات الوسائل الحجرية العصر، ولا مفر في السنوات المقبلة من استبعاد هذه السياسات مع واضعيها ومحاسبتهم على ما بدر منهم من أخطاء جسيمة.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.


الخميس، 21 نوفمبر 2013

الشباب قادم!

لا يمكن لأي عين تقطن الدول العربية -خاصة دول الربيع العربي- أو تزورها أو حتى تشاهدها من بعيد، إلا وتلاحظ حالة الإحباط والوجوم السائد فيها وخصوصاً بين شبابها. الثورات التي حُملت على رقاب الشباب واقتاتت من دمه بين هتافات الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، تمت سرقتها في دول وتأخيرها في دول أخرى من قبل أشخاص يرفضون التغيير.
أقول لرافضي التغيير: أعطوا الشباب فرصة، فهَمُّهم هو التنمية لا السلطة، ويشعل هواهم التغيير لا ريح الماضي.
أقول لرافضي التغيير: اتركوا للشباب إمساك زمام الأمور، حيث إنهم وإن لم يملكوا اليوم، سيملكون الغد بالتأكيد، فكل المعطيات تشير إلى أن الشباب الذي تمت تنحيته من المشهد العربي، يتطلع اليوم إلى سيادته بعد أن تشبع من سياسات لا تقدم الدولة ولا تؤخرها، وتملل من بطالة تزيده إحباطاً وكرهاً للحالة العربية اليوم.
أقول لرافضي التغيير: أعطوا الشباب مقاليد الحكم، حتى وإن أخطؤوا فالخبرة لا تكتسب بالمشاهدة، ولا خبرة دون خطأ، كما أن من يتمسكون بالحكم اليوم ليسوا بالملائكة التي لا تخطئ!
أقول لهم: أنتم غير مناسبين للحكم اليوم، أو كما قالها الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح ببلاغة أكثر: «فاتكم القطار!». يختلف اليوم عن الأمس كثيراً، فلا أنتم أولاد اليوم ولا أنتم أولاد المستقبل، وكل ما في المجتمع من عوامل اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية وثقافية تغير عليكم وتطور وبسرعة هائلة، فجيلكم الذي بالكاد استوعب رحلة رجل إلى القمر -والبعض منكم لا يزال غير مصدق بها- يختلف عن جيل يستطيع اليوم أن يشتري تذكرة إلى الفضاء بمائة ألف دولار للسياحة والمغامرة ويكتسب بعدها صفة رائد فضاء!
الشباب قادم! أقولها لكم وبكل ثقة على أمل أن تصدقوا حروفي كما أنا متأكدة منها، فمن ترك ماضيه رغماً عنه في أيدٍ غير أمينة لا يمكنه أن يتركها في أيد تشابهها في الصفة مستقبلاً، والأولى بعتيقي الطراز محتكري السلطة أن يبدؤوا بتسليمها أو على الأقل بتعيين من هم أكفاء من الشباب تحت إشرافهم لتهدئة النار التي تأكل الكثير من الدول العربية بسبب إقصاء الشباب، وبسبب ما أصاب الاقتصاد من تعرية، وما شاب السياسة من عجز.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 14 نوفمبر 2013

لماذا أكتب؟

لماذا أكتب؟ البتة إنه أول وأهم سؤال يطرحه أي كاتب على نفسه. هل هو يكتب من أجل نفسه؟ من أجل غيره؟ من أجل أن يوثق ما بداخله كي يثبت لنفسه قبل الناس أنه موجود وأنه كان موجوداً في حياته وحتى قبلها وبعدها؟ أم أنه يكتب من أجل الشهرة والحشود والمجد؟ وهل يكتب الكاتب من أجل الحقيقة أو الوهم -إن كان بينهما فرق قاطع!- هذا السؤال الكبير، يحدد قيمة الكاتب لنفسه وغيره، ولهذا كثير من الكتاب لم يتطرقوا لجوابه، إلا أن هناك من كان شجاعاً بالشكل الكافي للإجابة عنه، فقال الكاتب أورهان باموك الفائز بجائزة نوبل في الآداب: "أكتب لأنني غاضب منكم جميعاً.. أكتب لأنني لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيّرها".
وقال واسيني الأعرج "نكتب لأننا نريدُ من الجرح أن يظل حياً ومفتوحاً. نكتبُ لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج ونحن لم نقل له بعد ما كنّا نشتهي قوله. نكتبُ بكل بساطة لأننا لا نعرفُ كيفَ نكره الآخرين، ولربما لأننا لا نعرفُ أن نقولَ شيئاً آخر".
وقد حاولت الإجابة عن هذا السؤال مرات عديدة، وقد فشلت في كل مرة، إلا إنني تطرقت لهذا السؤال لأول مرة عندما بدأت الكتابة في مدونتي في عام ٢٠١٠ فسألت نفسي لم سأكتب في مدونة؟ ما السبب الذي يجعلني سأكتب في أي شيء أصلاً؟! ولم أجاوب على نفسي حينها، إلا أني لم أتوقف عن الكتابة، بل أقبلت عليها أكثر كالطعام من بعد جوع.
قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت: أنا أفكر.. إذن أنا موجود، وأنا أقول: أنا أكتب، إذاً أنا موجودة! فالكتابة وجود وتاريخ، ونحن نكتب لنُشرح أعضاءنا الفكرية والإبداعية، لا لنُحييها.. نحن نكتب لأننا نحتاج للكتابة ونحتاج أن يكون محلها الورق لا ذاكرتنا وأحلامنا.. الكتابة جزء لا يتجزأ من كيان الكاتب، هي رئة ثالثة كما يقول الكاتب منصور الضبعان، أما بالنسبة للشخص العادي أو لمن لا يحترف الكتابة، فهي جزء قابل للانفصال عن كيانه، جزء يستطيع أن يعيش وبكل سرور بدونه لو تطلب الأمر!
لماذا نكتب؟ لأننا رغم شعورنا بوحدتنا، نؤمن بداخلنا بأن هنالك من يشاركنا الأفراح والأتراح والأماني والمآسي، ولذلك نكتب لنشاركه كل وأعز ما نملكه، كلماتنا!
لماذا نكتب؟ لأن هذا سؤال يتغير جوابه دائماً، ولا يوجد جواب واحد صحيح له ولا جواب خاطئ. نكتب لأننا لا نستطيع أن نكف عن الكتابة، ولن نكف عن الكتابة إلا عندما يقف الحاضر بجانب الماضي، ويترك المستقبل.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.

الجمعة، 8 نوفمبر 2013

اختر مبادئك

الحياة التي لا تحكمها مبادئ وقيم، هي حياة عابر، بائسة، لن تستطيع التكيف مع أي مجتمع منظم وخاصة الحاضر منها والذي بدأ يميل إلى حفظ الحقوق والحريات. وبجانب المجتمعات التي ترسي بعض المبادئ الواجبة الاتباع من قبل الأشخاص، هناك من يلزم نفسه ببعض المبادئ التي يضعها هو أو يلزم أبناءه بها، وبالنسبة لي هناك مبادئ وقيم ألزم نفسي بها، لأنني أشعر من دونها بأني بلا توازن، ولهذا أقول لنفسي قبل أن أقول لغيري: صل بروحك لا بجسدك.
تذوق كل ما تأكله، وكأنك تأكل قطعة شوكولاتة.
اسمع من الأغاني ما يجعلك تدندن وأنت تمضي إلى عملك.
لا تفكر كثيراً، فيما سترتديه أمام الناس، ولكن فكر كثيراً فيما ستتكلم عنه أمامهم.
أكثر ما يشي بالإنسان ابتسامته، فابتسم كثيراً، لكن الأهم هو أن تبتسم بصدق والأجمل هو أن تبتسم بعينيك.
اعتبر كل مكان تحط فيه، بيتك، ثم اسأل نفسك، هل كنت لترمي القاذورات في غرفتك؟
من يقول لك:.. لا أستطيع أن أكمل أي شيء أبدأه!
اسأله:.. كيف استطعت إذن إكمال جملتك؟..
اللذة الحقيقية هي في السعي وراء الفوز لا الفوز نفسه، فاستمتع بكل خطوة تخطوها اتجاهه وإن كانت متعبة.
لا تخجل من معانقة الزهور، ولا الجري تحت الشمس، فإن كان الطعام غذاء الجسد، فإن الطبيعة غذاء الروح.
اترك سعة في روحك للجوع والفضول، واقتنع بأنه لا يمكنك أبداً سد هذا المحل، ولكن يمكنك أن تصغر حجمه قليلاً فتكون أفضل من غيرك.
احرص على اللحظات الصغيرة، كلحظات انتظار محبوب، أو لحظات استقلال القطار، أو اللحظات التي تقضيها بصحبة الطبيعة.
عبر عن مشاعرك وكأنك تلقي قصيدة، أو عبر عنها بفعل يشبه رقصة لا يمكن نسيانها.
تواضع مع الناس، وتكبر على نفسك.
وأول وآخر ما أشدد عليه، كن أنت، ولا تكن أي شخص غيرك، فأنت لن تتكرر مرة أخرى، وحياتك غيرك لن تضيف لك أي جديد بل على العكس، ستأخذ منك كل جديد.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.


الخميس، 31 أكتوبر 2013

الإسلام الحقيقي

الإسلام هو دين يسر وبساطة واعتدال، وليس ديناً يستند إلى التطرف والغلو، أما مشكلتنا الحقيقية فهي ليست في التعبير عنه، حيث إن العرب منذ غابر الأزمنة لديهم القدرة على الكلام والنظم والخطابة، وهذه المقدرة تتفوق على مقدرة أية أمة أخرى حتى الآن، ولكن مشكلتنا في فهمه الصحيح وتطبيقه من بعد ذلك.
فمشكلتنا تبدأ ولا تنتهي عند كره الشيعي للسني وكره السني للشيعي، وكلاهما ينسيان أن الدين الذي يتمسكون به عند الخلاف يأمرهم قائلاً: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً».
تستمر مشاكلنا عند الدين الذي سُيس، والسياسة التي تدينت، والمجموعات الإرهابية التي تتغطى بغطاء الجهاد لتخلف القتلى والمجروحين وضحاياها من الشباب المُضللين.
وتتكرر خيبات أملنا عندما نرى من يسافر ليُقبل على كل شيء إلا لحم الخنزير!
وتزداد الخيبات عند خلط الناس ما بين العادات والتقاليد -أو كما سماها القرآن «سنة الأولين»- والدين، والإسلام أبعد ما يكون عن هذه الممارسات التي ينسبها البعض له لأهدافه الشخصية والأيديلوجية.
مشكلتنا لا تنتهي، وتبدأ عند من يعتقد أن الإسلام غاية، لا وسيلة يصل بها الشخص إلى المرتبة التي يريدها الله من الإنسان عبر الأدوات التي وُفرت له.
مشكلتنا هي أننا نريد الدين على هوانا، ولهذا أوجدنا في الإسلام مذاهب كثيرة، يتفرع منها طوائف عديدة، وكل أحد من أجزائهما يتعمق في مجاله ومن منظوره، والكل يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب!
ما يجمع مشاكلنا كلها باختصار ويصلها بحبل هو عدم مقدرتنا على تصور مدى بساطة ديننا الحنيف الذي يعظم الدعاء ويُكبر الابتسامة، ويحض على عمل الخير حتى ولو كان في صورة إماطة أذى عن الطريق، أو إطعام حمامة على جبل ما، أو زيارة قريب أو حبيب.
ديننا ضمن بين طياته مواقف تحمل أفعالاً تصاحبها ردود فعل لتكون عبرة لمن يريد أن يتعظ: «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»، وردة الفعل لم تكن ولن تكون أبداً القتال.
حل مشكلة فهمنا الخاطئ للدين يوجد في كلمة واحدة لخصت دروساً كثيرة، ولم يكن نزولها في القرآن كأول كلمة إلا درساً في حد ذاته. (اقرأ) هي ما ستجعلنا نفهم ديننا العظيم الفهم الذي نحتاجه لكي نرقى به ولنعبر عنه، كما قُدر له لا كما اخترنا نحن، لنعبر عن ديننا بمعانيه وأهدافه وروحانيته لا بأعمالنا ومقاصدنا وشخصياتنا.
فلنقرأ لكي نصل إلى بر الحقيقة، حيث إن من يصل إليها، يصل محباً، صبوراً، عالماً، وهذه هي أخلاق الإسلام، وهذا هو ما نحتاج فهمه.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية

اللعبُ بالكلمات

في الواقع تختلف معاني معظم المصطلحات عن تعريفاتها النظرية في الكتب والمجموعات العلمية، فالديمقراطية مثلاً في أكثر دول العالم ديمقراطية معناها أن تحصر خياراتك بين اثنين لا ثالث لهما.
وكلما كان المصطلح أوسع تضمن معاني قريبة منه وأكثر أبعد عنه، وأوضح مثال يرد إلى ذهني حالياً هو الإرهاب، الذي توسع من فكرة الخوف الذي يبثه المتطرفون في نفوس الأبرياء عبر القتل والتخريب في كل أنحاء العالم حتى شمل المتظاهرين السلميين الذي «عكروا» صفو البلاد باحتجاجاتهم.
لا أحد ينكر كون الكلمات صديقة الكاتب وهي أداته الحقيقية لا القلم، يتلاعب بها ويرقص معها ويرسمها كما يشاء قبل أن تشاء.
ولا أحد يعرف قيمة الكلمات كالباحث، ولا أحد يمحصها أكثر من الصحافي، أما أكثر من يتوسع فيها ويدخل في أزقتها ويتجول بين شوارعها فهو الأديب، ولهذا يكون أحلى الكلام هو كلام الحب، سواء قيل أم لم يقل، أو كما عبر عنه نزار قباني: «كلماتنا في الحب تقتل حبنا.. إن الحروف تموت حين تُقال»، ويبقى أشوق الملام هو ملام الغزل، وأقصر الكلام في لحظات الوداع، وأصعبه عند اجتماع من تفارقوا باختيارهم، وأقله فائدة الكثير الذي ينسي بعضه بعضاً كما قال الصديق أبو بكر رضي الله عنه.
أخطر ما في الكلمات هو وضعها في غير محلها أو استخدامها في غير مقصودها، وأجمل خصائصها هي القدرة على توريتها وترميزها، وهذه هي أكثر خاصية يستخدمها ويجيدها الكتاب في العالم العربي لاعتبارات سياسية وأخرى اجتماعية.
قال جان بول سارتر: «الكلمات مسدسات محشوة» تُحشى بالأفكار والمعتقدات، وما إن تُطلق يصعب استرجاعها أو تغيير مسارها، وما أكبر الفرق بين تصويبها على صحن طائر وبين تصويبها على قلب إنسان! في كل الحالات لا يمكن لرصاصات الكلام أن تموت أو تنعدم، ولهذا نبدأ كلامنا بـ «مساء الخير» أو «صباح النور»، وننهيه بـ «مع السلامة» أو «إلى اللقاء»، متمنين أن يكون الكلام الذي يتوسطهما بمثل رقيهما وبساطتهما، لأن الكلمات هي ما يبقى في النهاية إذا ذهب الأشخاص وتغيرت الأماكن.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الخميس، 24 أكتوبر 2013

ما بين الزمان و المكان

(١)
زرت في روما البرلمان الإيطالي والقصر الرئاسي ومحكمة التمييز، وكان بنيان هذه الأماكن أحدث عمراً من كل الأماكن الأخرى التي مررت بها هناك، ورغم ذلك كان في كل زاوية قصة ورسمة، وفي كل مكان وُجد دليل على قدسيته وهيبته.
هذا ما ينقصنا في دوائرنا الرسمية، روح المكان الذي يؤثر بدوره على روح قاطنيه وزواره.

(٢)
كتب العلماء أكثر من الأدباء عن الزمان والسفر عبره، ولكن لم يغذ هذه الفكرة إلا الأدباء، ولو أن هذه الزاوية خُصصت لغير مقال، لكتبت عن رجل من القرن الواحد والعشرين زار فرعون مصر قبل ميلاد المسيح بقرون وهو يخطب قائلاً: «أنا ربكم الأعلى!»، ولكن احتراماً لهذه الزاوية سأكتب فقط أن السفر عبر الزمان ممكن لكل شيء ما عدا الإنسان، فالتماثيل التي من حجر، والرسومات الملونة على الأقمشة، والكتب التي سُطرت على الورق، ما كانت لتصل إلينا لولا سفرها عبر الزمن وتحملها كل مشاقه ومتاعبه، ونحن نختار لهذه الأشياء سفرها ووجهتها وضياعها ووصولها، ونحن من يبقيها أو يدمرها. ولهذا يجب أن تكون أول اهتماماتنا وأعظم مشاغلنا الاهتمام بآثارنا وبصماتنا والحفاظ على تاريخنا.

(٣)
قيل سابقاً: «أعطني مسرحاً أعطك شعباً عظيماً». لم تُقَل مقولة كهذه عن معمل ما أو مصنع أو مرسم، بل قُصرت على المسرح، حيث إنه يخلق الحياة من سطور الكتب وعلى شفاه الممثلين، ويصل إلى الجمهور الذين تربطهم الأحاسيس الجياشة والدموع الحارة بمقاعدهم. 
من رحم المسارح والفن تُولد الشعوب، وفي ابتعادها عنها تضمحل، لأنها ما يقوي الصلات الإنسانية في المجتمع، والدول وإن كبرت دون فن تكبر دون جمال وبلا روح، ولا أهمية عندها للزمان ولا المكان.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 10 أكتوبر 2013

أبواب الحياة

كتبت لصديقتي قبل مدة ليست بطويلة، «ما أكثر الأبواب في هذه الحياة، وما أقل تلك التي نحاول فتحها أو التي يتملكنا الفضول حول ما تخبئه ورائها!»، كتبت لها هذه الكلمات قبل أن أعي بأن الحياة كلها أبواب وبعضها نوافذ. أبواب نفتحها لكي نصل وأبواب نفتحها لكي نخرج من متاهة علقنا فيها.
مشكلة البعض أنه يستخدم الأبواب في حياته كوسيلة للمضي قدماً أياً كانت الغاية، ومشكلة البعض الآخر أنه يرى الأبواب كغاية، يختار باباً معيناً لكي يخرج منه غنياً أو مشهوراً أو ذا مال وبنون، وينسى أن «من يتق الله يجعل له مخرجاً».
الحديث عن الأبواب حديث شيق لأنها عبارة عن معابر، ولكن الأهم منها هي النوافذ التي قد يقضي أشخاص أعمارهم كلها بجانبها يشاهدون ويفكرون ويتخيلون دون أن يشاركوا العالم حب التقدم إلى الأمام.
لطالما كانت النوافذ السبب وراء كل حزن، لأنها ما تغذيه وتحميه عن العالم الخارجي، ولذلك ارتبط الانتحار بالقفز من النافذة لا الموت عند الأبواب.
ورغم ذلك ترتبط النافذة بما تطل عليه وبمن يطالع منها، فمن يفتح نافذة على شوارع باريس لا يمكن أن يشعر بالملل، كما قال الشاعر الألماني هاينرش هاينه، ومن يتذوق القهوة عبر النافذة كل يوم، يمكنه كسر حاجز النافذة.
يقول أينشتاين: «لا حدود للفضاء ولا لغباء الإنسان»، والأكيد أنه لا حدود لخيال الإنسان إلا أنه لغبائه يصنع الأسوار حول نفسه، ومن ذلك صنع أغلاله على هيئة باب ليصعب الرحلة على نفسه، وأكثر من النوافذ بعد ذلك كي يسهل الرحلة في شكل مفاتيح.
اختر أبوابك قبل أن تختار نوافذك، أي اختر قدرك قبل أن تختار فرصك، فإن كنت تبحث عن عمل مثلاً فابحث عن ما تريده أولاً فإن عجزت، فاقبل بما عرض عليك، وحاول أن تصل عن طريقه إلى ما تريده، فالباب الذي طرقته قد يكون مواربا بعد أن كان مغلقاً في وجهك، وقد قال جمعة الحلفي: «ولو ما أسمعك تدق.. ما ينفتح لك باب».

باب أخير:
كتب أحمد مطر مطولاً عن أحاديث الأبواب وكان هذا «الباب» آخرها:
الأبواب تعرف الحكاية كلها
من (طق طق)
إلى (السلام عليكم)».


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

الخميس، 3 أكتوبر 2013

زحمة يا دوحة زحمة!

منذ إغلاق دوارات الكورنيش كي يتم تحويلها إلى إشارات ضوئية، والشكاوى المتعلقة بالزحمة المرورية في الدوحة تزداد يوماً بعد يوم في الصحف والإذاعات والمجالس، الرحلة اليومية بين المنزل ومكان العمل، والتي كانت تمتد إلى نصف ساعة في السابق، الآن قد تأخذ ساعة ونصف الساعة أو ساعتين على الأقل، وقد تزداد المدة أو تقل بحسب الشخص وحظه!
هذا الازدحام الذي انفجر بين ليلة وضحاها له بالطبع ككل المشاكل التي تواجه المرء، أسبابه، ومن هذه الأسباب سوء التخطيط المتعلق بانسياب الحركة المرورية، فإغلاق مخارج ومداخل أكثر من دوار على امتداد نفس الشارع في نفس الوقت، لا يحقق هذه الانسيابية، وعدم توفير البدائل يساعد على هذا الانسداد المروري وتكدس المركبات في الشوارع الجانبية قبل الرئيسية!
المضحك في الموضوع من يضم عدد المركبات التي وصلت إلى المليون تقريباً في الدوحة إلى أسباب الاختناق المروري، معللاً أن في عام ٢٠٠٥ لم تُوجد سوى ٢٥٠ ألف مركبة فقط على الأرض! من يذكر هذه الأرقام كسبب ينسى أنه يتكلم عن نفس الشوارع التي ستستضيف عددا من البطولات في السنوات القادمة، أقربها كأس العالم لكرة اليد في ٢٠١٥ وكأس العالم لكرة السلة عام ٢٠١٧!
لكل داء شفاء، ولكل مشكلة حل، ويُفترض بعد معرفة السبب بطلان العجب. أقرب الحلول هو إعادة تنظيم أوقات مرور الشاحنات في الطرق السريعة والطرق المجانبة لها، بالإضافة إلى استقدام الخبرات الأجنبية بمساعدة لجان محلية لوضع خطتين، إحداهما لمواجهة ازدحام المرحلة القريبة والأخرى لمواجهة الازدحام على المدى البعيد، أي لمدة لا تقل عن عشرين سنة مثلاً، وهناك حلول أخرى مثل فتح طرق أخرى بديلة عند إغلاق كل طريق للعمل على البنية التحتية أو لأي سبب كان.

لحظة انتظار أخيرة:

ما يجري في شوارع الدوحة وغيرها في شوارع الدولة من بناء وإغلاق للشوارع يعرف الجميع بأنها من مصلحة المواطنين والدولة، وحتى أعلى الشكاوى صوتاً ما أن تهدأ نفس ملقيها حتى يقول لسان حاله: «سأبقى في بيتي ما لم يكن لدي عمل حتى أخفف من الازدحام المروري»، وهذا إن دل على شيء فهو حبنا لبلدنا ومعرفتنا بأنها فعلاً تستحق الأفضل دائماً.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.

الخميس، 26 سبتمبر 2013

هل تكفي روحانية الشرق؟

في بلاد الشرق حطت الأديان ومنها وُلدت الحضارات العظيمة وتكاثرت الأساطير القديمة، هذه البلاد ذات الثقافة الثرية قابلها في الجهة المعاكسة بلاد بُنيت في عصر التنوير وصُنعت على ضوء ما وصلها من الشرق، ما كان للغرب أن يصل مكانه لولا الشرق، وما كان للشرق أن يتبوأ مقعده لولا الغرب.
لا يكتب كتاب الغرب عن الشرق إلا ويذكرون الحنين إلى تاريخه وجمال روحانيته وقديم دياناته، وحرارة الإيمان الذي يحتضنه كل ركن من أركانه سواء أكان تحت منبر أو بقرب تمثال يجسد بوذا أو بجانب صليب احتضنته كنيسة.
يرانا بعض هؤلاء الكتاب وآخرون من الشرق على أننا أغنى من الغرب وأننا نملك أنفس الكنوز ألا وهي الراحة الإيمانية والنفسانية التي نشأت بعد تراكم طويل تاريخي لديانات وحضارات وروحانيات وجدت تربتها الخصبة في الشرق. يرى نفس هؤلاء الغرب، كمعمل يصنع الآلات والأدوات الجوفاء التي وإن كانت تسهل المهمات على الإنسان إلا أنها لن تفعل الشيء نفسه لروحه، فتلك مهمة ومجال الشرق.
كان ذلك رأي لوركا عندما زار نيويورك لتعلم اللغة الإنجليزية، فقضى هناك سنتين ليرجع بعد ذلك إلى بلده دون أن يتعلمها، وليخرج لنا أشعاراً نُشرت بعده في كتاب سُمي بشاعر في نيويورك. عبر فيه لوركا عن مادية الحياة في الفراغ القابع في وول ستريت وخلف زجاج ناطحاته الطويلة.
وهذا أيضاً ما ظنه ميخائيل نعيمة الذي قال: إن على الغرب اتباع الشرق لا العكس، حيث إن الشرق منبع كل شيء والغرب بني عليه، ثم صرح بأنه لو وضع الغرب في موضع أُجبر فيه على حرق كل كتبه إلا كتابا واحدا، لكان ذاك الكتاب، الكتاب المقدس.
إذاً، هل تكفي روحانية الشرق كي تصنع الشرق أو -بصيغة أخرى- كي يكون نداً للغرب؟ في الواقع روحانية الشرق لا تكفي إلا لإيجاده على خريطة اليوم، حيث إنه لولاها لكان الشرق ككيان أشبه بدولة من تلك الدول التي يسمع عنها الناس في العام، مرة واحدة.
ورغم قناعتي الراسخة بغنى الشرق بكل مكوناته التاريخية والدينية والثقافية إلا أن الغرب متقدم على الشرق بأشواط كثيرة، والمشكلة أن سبب من أسباب تقدمه هو نفس السبب الذي يعتقد البعض أنه سبب من أسباب تخلفه -أي الغرب- ألا وهو روحانية الشرق! فتاريخ العرب هو ما يبقيهم في مكانهم لتمسكهم به ورفضهم للمضي قدماً إلى المستقبل، ودين المسلمين هو ما يعيقهم أيضاً عندما يكون فكرهم متوقف عند فكرة «هم في النار وأنا في الجنة، فلينعموا بالدنيا وأنا سأنعم بالآخرة!»، وهي فكرة لا يشجعها الإسلام بالمناسبة!
هل تكفي روحانية الشرق؟ لا يمكن نكران أهميتها، فهي جزء من هوية الشرق لكنها كفت في الماضي لأنها كانت بعض الشرق لا كله، أما الآن وبعد تشبع الشرق بروحانيته ونسيانه لأهمية العلوم الأخرى التي ساعدت في بناء تاريخه، فيجب الاعتراف بعدم كفاية هذه الروحانية في الحاضر وحاجة الشرق الماسة لمادية الغرب في المستقبل.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.


الخميس، 19 سبتمبر 2013

أسرار النجاح الستة

لا عجب في أن تبدأ كل كتب «تنمية الذات» بنفس المقدمة: «آمن بنفسك وبما تريده ثم صدقه كي تصل إلى المكان الذي تتمناه!»، ولا عجب في كون تلك الكتب، الأكثر مبيعاً في المكتبات التي تحط فيها! سر نجاح هذه الكتب والأشخاص الذين تحتضن قصصهم ليس في نفس الكلمات بل في فكرتها، وهي أن الشخص الذي يستقر عقله وقلبه في مكان ما، سيذهب به جسده إرادياً ولا إرادياً إليهما، وهذا يتطلب الإيمان الكامل بالفكرة، هذه المقدمة هي أول سر من أسرار النجاح، أما ثاني سر فهو الحذر من اليأس من المحاولة، وعدم الاستماع إلى مثبطي الهمم وأصحاب مقولة: «لن تنجح فيما تفعله -أو تتمناه-أبداً!»، هذا السر هو ما أوصل ستيف جوبز-الذي لم يستمع إلى الآخرين ولم يتوقف عن المحاولة- وشركته «آبل» من جراج عائلته إلى مكانها العالي والحالي بين الشركات الأميركية، وهذا السر هو ما جعل المخرج الأميركي ألفريد هيتشكوك يترك بصمته التاريخية على أفلام الرعب بعد فيلم psycho عندما أصر على أن نجاحه لن يتوقف عند فيلم north by northwest فصور فيلماً صار مرجع معظم أفلام الرعب والتشويق من بعده، رغم كل الإحباط الذي واجهه عند تصوير الفيلم من تعنت المنتجين إلى تشكيك النقاد.
السر الثالث هو الابتعاد عن الخوف بكل أنواعه: الخوف من المحاولة، الخوف من إجراء تعديل على خطة المستقبل، الخوف من الانفتاح والتعرض لأفكار جديدة، وأخطرها آخرها، لأن الفكرة التي لا تتطور، يكون مصيرها الموت في مهدها، ولنا في ذلك أمثلة شركات كثيرة منها ما كانت متخصصة في الهواتف النقالة، اشتهرت وانتشرت ثم تقلصت وانكمشت لأنها لم تتطور أو لم تسع إلى ذلك إلا بعد فوات الأوان.
السر الرابع هو نقل الفكرة أو الحلم من مكانها في داخل الإنسان إلى العالم الخارجي المادي، عن طريق وضعها على ورقة أو الإفصاح عنها لصديق أو العمل عليها أو غيره، فإن كان هناك شخص يحلم بإنشاء شركة دعاية وإعلان مثلاً فعليه اختيار اسم وعلامة لها واختيار العنوان المناسب لشركته مع كتابة كافة التفاصيل الصغيرة على ورقة كخطوة أولى، ثم البدء بتنفيذ مشروعه، كما أخرجه، وأهم وسائل هذا السر هو استخدام الخيال الذي يعتبر أقوى أدوات الإنسان على مر العصور.
والسر الخامس يكمن في الاستفادة من تجارب الآخرين، فالكاتب المبتدئ عليه قراءة كتب من سبقه من المخضرمين، والمخرج الصغير عليه مشاهدة أفلام العمالقة كوودي آلن وبيلي وايلدر، والرسام عليه العروج على تاريخ الفن والتعرف على المدارس المختلفة وأعمال أشهر الرسامين من مونيه إلى بيكاسو وفان جوج.
أما آخر الأسرار وأهمها بالنسبة لي هو الاستمتاع بالرحلة، فالوجهة مهمة لكن الطريق المؤدي إليها أهم، والأحلام جميلة، لكن النوم هو ما يسمح لها بزيارتنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر 

الخميس، 12 سبتمبر 2013

لدي حلم!

لدي حلم! أقولها على طريقة مارتن لوثر كنج، وعلى مذهب من سبقه وسبق غاندي، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
الحلم الذي سأحدثكم حوله مشابه لأحلامهم، دعوة إلى السلام ونبذ العنصرية، دعوة إلى الحب ونبذ الكراهية التي لا يحتاج معها المرء في العالم العربي إلى حاسة سادسة للشعور بوجودها.
الحلم الذي سأكتب لكم عنه قد يسميه البعض بالحلم العربي، وأنا سأسميه حلمي..
أحلم بأن يجيء اليوم الذي تلعب فيه دولتان عربيتان كرة القدم دون أن يكون الشيطان هو الحكم.
أحلم بأن يكون التنقل بين الدول العربية عن طريق البر سهلاً، ولكن يتطلب ذلك أن تكون الحدود بينها مفتوحة أولاً، ولذلك أتمنى أن تفتح الحدود بين الدول العربية كالجزائر والمغرب واللاتي أُغلقت الحدود فيما بينهما من عام ١٩٩٤ حتى يومنا هذا.
أحلم أن يتفق العرب على ألا يختلفوا، وأعرف أنه حلم صعب المنال ولكن ماذا لو كان طريق الصواب بيّناً وأُبعدت الأهواء عن الطاولة؟ لن يك,ن صعب المنال إلى تلك الدرجة عندها.
أحلم أن تبعد كلمة «لاجئ» عن قاموس الواقع العربي.
أحلم بإحياء مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: «‫النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».
أحلم بمرور يوم لا نقرأ فيه خبر مقتل أو جرح أي عربي في اليمن أو سوريا أو مصر أو أي في دولة أخرى على شريط الأخبار.
أحلم بعالم عربي بلا كراهية، بلا عنصرية وبلا طائفية! عالم يملؤه -إن لم يكن الحب- التعايش والاحترام. عالم يتقبل جميع من يعيش فيه بكل اختلافاتهم وتنوعاتهم وآمالهم وأحلامهم وآرائهم وتوجهاتهم، هذا هو العالم الذي أحلم به!
في «تويتر» أكثر الهاشتاقات العربية التي تنتشر -بعد هاشتاقات الفضائح- هي هاشتاقات الكراهية نحو العرب من العرب أنفسهم، وهذا ما جعل أحدهم يكتب أنه قرر أن يتابع الحسابات الناطقة باللغة الإنجليزية دون العربية ليتجنب هذه الهاشتاقات، وهذا ما كنت لوهلة أن أفعله لولا أنني توقفت لأتساءل: كيف لي أن أساهم في بناء العالم الذي أتمناه دون أن أكون جزءاً منه؟ «أقول لكم يا أصدقائي، رغم الصعوبات والإحباطات، ما زال لدي حلم...» -مارتن لوثر كنج.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر

الخميس، 5 سبتمبر 2013

الفن و أهله

في إحدى حلقات المسلسل الأميركي الشهير «Franklin &bash» يعترف أحد الشخصيات بأنه أخطأ عندما اعتقد أن الفن لا يمكن أن يكون إلا ضمن لوحة، أو في جمود صخرة أو لحن أغنية. تُصرح الشخصية بأن الفن قد يشمل الكثير،حتى مرافعة متقنة يلقيها محام على مسمع قاض أو هيئة من المحلفين.
الفن إذاً هو إبداع وتطوير وتغيير وإتقان، لا يمكن حصره في الإطارات التقليدية من رسم وشعر وموسيقى ونحت فقط، ولو حبسناه فيها لما كنا لنعتبر ما ينتج عن التكنولوجيا الحديثة فنا.
الفن أيضاً كما لُمح في فيلم never let me go هو ما يثبت لنا إنسانيتنا، وأننا لسنا بوحوش، فعن طريق الفن تنساب شاعريتنا وأحاسيسنا وأفكارنا، وأهم شيء تلميحاتنا لا تصريحاتنا.
أجمل ما قد يُصور الفن هو ما سمعته مرة: «الفن ليس وصفاً لما هو كائن، بل هو استشراف لما قد يكون» لهذا قرأنا عن الصواريخ قبل وجودها ولهذا شاهدنا الرحلات إلى القمر قبل حصولها. إذا كان العلم هو ما يصنع الحضارة فالفن هو ما يهذبها، فالعلم دون الفن كحديقة المدرسة الخلفية، يحتاج عشبها إلى تشذيب من أجل اللعب عليه.
في قطر، تشجع الحكومة على الفن، ومن أجل ذلك خصصت الكثير من المؤسسات والهيئات مثل مؤسسة الدوحة للأفلام، والتي رعت مهرجان ترايبكا السينمائي في الدوحة لسنوات، والهيئة العامة للمتاحف التي تظلل باهتمامها متحف الفن العربي الحديث ومتحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الوطني، والذي سيُفتتح مبناه الجديد والجميل بإذن الله عام ٢٠١٥، هذا بالإضافة إلى كلية فيرجينيا كومنولث للفنون الجميلة، وكلية UCL، والتي تقدم درجة الماجستير في تخصص المتاحف وحماية الآثار وعلم الآثار العربية والإسلامية في المدينة التعليمية. ولا أنسى الجمعيات المتعددة التي تستضيفها كتارا مدينة الثقافة والتراث، من جمعية المصورين والمهندسين إلى جمعية الشعراء، بجانب معارضها المتجددة والدائمة لفنانين قطريين وغير قطريين.
في قطر لا تضيع الفرص من الفنانين المبدعين، فإن لم يعثر عليهم الحظ، ستعثر عليهم المدارس والمعارض والشركات، وإن لم يعثروا عليهم ستعثر عليهم الصحف والوزارات، أما العثرة الوحيدة التي يمكن أن تسد طريق العثور عليهم هي عدم اتباعهم لشغفهم. هذا ما قد يقضي عليهم لا الفن، فالكتابة ليست مهنة من لا مهنة له، بل هي مهنة المغيرين والمؤثرين من الناس، والرسم ليس هواية، بل هو هوية وطريقة حياة.
هذا ما نحتاج إلى زرعه في مجتمعنا الذي نقول فيه لأبنائه كن طبيباً ولا تكن نحاتاً، كن رجل أعمال ولا تكن مخرج أفلام.
كل مهنة مهمة، والفن لا يختلف عن بقية المهن، بل إنه ما يعطيها طعمها وألوانها.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر 

الخميس، 29 أغسطس 2013

طعم من الحياة الأخرى

كل الناس لديها تصوراتها الخاصة حول الجنة والنار، البعض يعتقد بعدم وجود حياة أخرى تتسع لهما والبعض الآخر يؤمن بوجود حياة أخرى وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في تكييفها وتحديدها وتوقيتها.. فهل تبدأ الحياة الأخرى بعد الموت مباشرة أم في القبر أم بعد موت الناس أجمعين؟
كثير من المسلمين يخافون الخوض في نقاشات كهذه لئلا يقعوا في الحرام إن هم تجاوزوا المسموح من الكلام إلى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ورغم ذلك أي مسلم قارئ للقرآن وسامع للحديث سيكون له تصور -و إن كان بسيطا- حول الجنة والحياة الأخرى. فنحن متأكدون مثلاً بأن المسلم تُزرع له نخلة في جنته إن ذكر الله قائلا: سبحان الله العظيم وبحمده، ولكننا لا نعرف شكل النخلة ولا لونها ولا طعم رطب تلك النخلة السماوية التي زرعتها كلمة.
ونحن متأكدون أن من يدخل الجنة من الصائمين سيدخل من باب عظيم اسمه باب الريان، وسيذوق ويستمتع بأنهار خمر ولبن وعسل، ولكننا لا نعرف حجم باب الريان ولا شكله، ولا طعم الأنهار أو لونها، نعرف بأن الفائزين بالجنة تنتظرهم كنوز وثمار وحور عين، ولكننا لا نعرف كنه الأشياء في الجنة ولا نستطيع تصورها، وإن تصورناها سيكون تصوراً ضيقاً لأن الفكرة أكبر منا جميعا.
وهذا يأخذني إلى القصة التي تنسب للشيخ الدكتور علي الطنطاوي، حيث قيل: إن شابا سأله عن الجنة قائلا بأنه مؤمن بها -كفكرة- لكنه لا يستطيع تصورها.
طلب منه الشيخ بعد الاستماع إليه أن يتخيل توأمان لا يزالان في رحم أمهما، ثم سأله: لو فرضنا وقلت لهم عن حياة أخرى تنتظرهم في عالم فسيح غير عالمهم، واسع، ومليء بالقصور والطعام اللذيذ والأسرة الواسعة، هل كانوا ليصدقونك؟ بل هل كانوا ليتركوا عالمهم «المريح» في نظرهم من أجل ذلك العالم؟
الجواب هو أنه برغم ظلمة وضيق عالمهم إلا أنهم سيختارونه في غمضة عين على عالم يرونه خياليا؛ لأنه لم يروه ولا يمكنهم تصوره. سيتشبثون بعالمهم، حتى يخرج التوأم الأول من الرحم، بعدها سيحمد ربه أنه خرج من ذاك العالم الضيق إلى هذا العالم الأفضل، وسيتأسف التوأم الباقي في الرحم على أخيه الذي خرج من عالمهم الآمن والدافئ الذي ألفاه.
يكتب ميتش ألبوم تصورا من تصورات الجنة في روايته «الأشخاص الخمسة الذين تقابلهم في الجنة»، والتي تدور حول رجل يموت ليجد نفسه في الجنة يقابل خمسة أشخاص ليتعلم خمسة دروس يفهم من خلالها حياته السابقة والتي أوصلته إلى الجنة.
حمى الكاتب نفسه من الوقوع في فخ عميق بعدما كتب في مقدمة الكتاب بأن للكل اعتقاداتهم وتصوراتهم الخاصة حول الجنة والحياة الأخرى والتي قد تنبع عن أديان أو مذاهب، وأن ما ذكر في الرواية هو تصور مثل باقي التصورات، ليس بالضروري أن تقنع المرء المهم أن يشعر بها وأن تلمسه الدروس التي تتدفق على لسان شخصيات الرواية، فمهما اختلفت التصورات حول الجنة، تبقى دروس هذه الحياة والتي تصل بنا إلى الحياة الأخرى، واحدة.
لماذا نحب؟ وبمن نضحي؟ ومتى نتشجع؟ ومتى نخاف؟ كلها أسئلة نجاوب عليها باختياراتنا في الحياة، والتي تصبح في النهاية دروس، قد نطالعها في نهاية الرحلة متمنين تغيير أمر أو حجب شيء أو إكمال طريق، ولكنها تبقى دروس أصغر من الدرس الأخير، وهو أننا عندما اخترنا حياتنا في الدنيا، اخترنا معها حياتنا في الآخرة.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية
المصدر

السبت، 24 أغسطس 2013

مصر: يا أنا يا أنت!

(1)‬
بالنسبة لبعض من يتابع المشهد المصري من المصريين وغيرهم مصر تنقسم إلى إخوان وثوار، وبالنسبة للبعض الآخر مصر تنقسم إلى فلول وعسكر وثوار.
جميعهم يرون الصورة بالأبيض والأسود، أنت على خطأ وأنا على صواب، أنت إرهابي وأنا ثائر، أنت انقلابي وأنا طالب للديمقراطية.
هذا الانقسام الخطير في المشهد المصري جعل الكثير يقبلون ويتغاضون عن القتل في سبيل الخلاص من خصومهم السياسيين، حتى تحولت مصر من أنا وأنت إلى يا أنا يا أنت!
(2)
مصر تحتاج قلوباً صادقة وأفعالاً جريئة، وحوارا وطنيا شاملا لجميع الأحزاب والأطياف، ليشفي الجروح وليعلن الهدنة على الفتنة.
كانت قد صرحت الخارجية القطرية بعد استقالة البرادعي بأنها كانت تعمل على الوساطة بجانبه، وأنها تفاجأت باستقالته، خاصة أنها كانت قريبة من إيجاد حل للأزمة المصرية.
جهود الوساطة التي بذلتها قطر قبل يوم الأربعاء ١٤ أغسطس كانت من ضمن جهود دولية حاولت قدر استطاعتها بطلب وقبول من السلطة الحاكمة في مصر.
بعد ١٤ أغسطس، لن تنفع الوساطات الدولية التي تحاول طرح الحلول؛ لأنها لن تكون الحل، ولن يكون الحل أيضاً في فض المزيد من التظاهرات ولا في تخوين وإلقاء كل طرف اللوم على الآخر، الحل هو -كما ذكرت سابقاً- حوار وطني لا يقصى منه أحد ولا يخون فيه أحد، يولد حلولاً لا انسحابات ومشاجرات هدفها مصالح شخصية لا مصلحة مصر، والأفضل أن تدير هذه الحوارات أحزاب أو جماعات وطنية لا من الإخوان المسلمين ولا من السلطة التي حكمت مصر بعد ٣٠ يونيو، كما يجب أن تكون هذه الجهة ذات مواقف واضحة مناهضة للعنف والقتل والفوضى من جمعة الغضب عام ٢٠١١ إلى يومنا هذا.
(3)
قبل أن يطلب وزير الدفاع المصري السيسي تفويضا من أجل محاربة الإرهاب، كان المتظاهرون في شوارع وميادين مصر متظاهرين، وبعد التفويض أصبحوا إرهابيين، ماذا حدث؟ هل للإعلام دور في ذلك أم أنه مفعول به لا فاعل؟ ثم ما دور الكاتب الذي يطل علينا كل صباح في زاويته فرحا بسحق وقتل متظاهر؛ لأنه ينتمي لحزب أو جماعة «لا يطيقها»؟
وما موقع المثقف الذي يحاضر في الأخلاق في تغريدة له في تويتر ليلحقها بتغريدة أخرى تحرض على القتل والعنف من أجل إقصاء حزب سياسي؟
أتساءل إن كان هؤلاء من أنصاف الكتاب وأشباه المثقفين يعرفون أن ميكافيللي تم انتقاده كثيراً بسبب عبارة «الغاية تبرر الوسيلة»؟
أتساءل إن كانوا يعرفون أن النقاد على مر التاريخ اعتبروا ميكافيللي شريراً بسبب تعليماته التي أهداها إلى دوق أوروبينو في كتابه الشهير الأمير من أجل أن يحافظ الأخير على ملكه بأي طريقة كانت؟
رسالة إلى كل كاتب ومثقف كتب عن القتل في مصر بدم بارد لدوافع سياسية وشخصية: الغاية لا تبرر الوسيلة، ورغبتكم في إقصاء -أو الخلاص من- أي طرف، لا يمكنها أبداً أن تبرر القتل، ولذلك كونوا أشباه كتاب أو أشباه مثقفين أو لا تكونوا شيئاً، ولكن لا تكونوا عديمي إنسانية وعديمي ضمير!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر



الخميس، 15 أغسطس 2013

هل انقلب الربيع العربي إلى خريف؟

(صحافة حقيقية وصحافة فارغة)
منذ أن ثارت الشعوب العربية في أواخر عام ٢٠١٠ وبدايات عام ٢٠١١، حتى تساقط أكثر حكام الدول الثائرة بعضهم وراء بعض كقطع الدومينو، وكنتيجة لتلك الأحداث التي أوجدتها أسبابها، سمت الصحافة الغربية هذه الثورات «الربيع العربي»، في نفس الوقت الذي كان الصحافيون والإعلاميون والمثقفون العرب يختارون معسكراتهم السياسية، ورغم أن كلا الفريقين -العربي والغربي- لم يشاهدا صور فخامة الرئيس على التلفاز مصحوبة بأغنية تدعو للدعاء له والحفاظ عليه وعلى نعمة الأمن والأمان، بل شاهدا صور الجماهير تكتسح الميادين والشوارع وتدعو إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في دول لم يكن يُسمح لها بالتجمعات والتظاهرات في أكثر أيام السنة بسبب قوانين الطوارئ، إلا أن الصحافة الغربية كانت أكثر موضوعية.
اليوم وبعد مرور أكثر من سنتين ونصف السنة على أولى الثورات العربية، تخلى الكثير من الصحافيين والإعلاميين العرب عن تسمية الثورات العربية بالربيع العربي، بل واستهزأ البعض بهذا المسمى، ودعا إلى نسب الثورات إلى أي فصل من فصول السنة ما عدا الربيع، والحق أن موقفهم اليوم في ظل التناقضات المستمرة لمعسكراتهم السياسية حيال الثورات العربية، أفضل من حالهم عند قيامها، فهم الآن يستطيعون -على الأقل- الرجوع إلى تلك الفترة والنظر إليها بأوراق مرتبة وشرح مواقفهم.

(حيرة)
تشبه حيرة الأمس حيرة اليوم كثيراً، فكما ارتبك العرب في تسمية الثورات العربية ما بين ربيع وخريف ومؤامرة، يختلف المصريون اليوم في تسمية ٣٠ يونيو ما بين ثورة وانتفاضة وانقلاب عسكري، والفرق الواضح بين الحالين هو أن الثورات العربية مهما اختلفنا في تسميتها، تبقى ثورات على الفساد والفقر والممانعة الكاذبة، والأنظمة المتسلطة، وهذا برأيي سبب كاف لجعلها ربيعاً أزهر في فم كل متظاهر حرية الكلام، وزرع في قلب كل مظلوم الشجاعة الكافية للدفاع عن حقه.

(قبل الربيع العربي: زمن الغم الجميل)
في كتابه يوميات مواطن مصري قبل الثورة، كتب عمر طاهر عن اختلافات ما قبل وما بعد الثورة المصرية في حياة المواطن العادي، وكيف أنه في عهد مبارك، سَهُل على الشرطة إلقاء القبض على الناس، وصَعُب خروج الناس من تلك القبضة، أما بعد الثورة كما كتب طاهر، انعكست الآية، صعُب على الشرطة إلقاء القبض على الناس وسهل خروج الناس من تلك القبضة. سمى طاهر يومياته «زمن الغم الجميل» مسبباً فعله بهذه الكلمات: «هو زمن «الغم» لأن النظام القديم كاد أن يحولنا إلى شعب طموحاته أقل مما يلزم لأن يعيش الإنسان تجربة حياة تستحق الفخر. أما «الجميل» فذلك لأمرين: الأول لأنه كان مفتاح الثورة، والثاني ليقيني الخاص بأن أيام ربنا كلها جميلة».

(فلنصبر)
إذا كان الربيع العربي قد انتهى مع كل ما نواجهه اليوم من صعوبات في سوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن، فلأن دوام الحال من المحال، وإذا كان قد انقلب إلى خريف طويل، فلا بأس، حيث إن ربيع الثورات العربية سبقه سبات شتوي طويل وممل، ولا بد لدورة الفصول أن تدور مرة أخرى حتى يجيء ربيع آخر.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر


الخميس، 8 أغسطس 2013

ماذا فعلت لبلدك؟

من الجميل أن تنشر الشركات التجارية -وخاصة العالمي منها- القيم الجميلة والأخلاق العالية بين الناس، أو أن تحاول ذلك على الأقل، في إعلاناتها وفي مبادراتها الاجتماعية. ومن الشركات التي لفتت انتباهي هذه السنة شركة الاتصالات المصرية «موبينيل» بدعاية احتوت على أغنية جميلة جداً كانت بعض كلماتها كالآتي:
«بحتاجلك وتحتاج لي، ما بينا ألف حلقة وصل، وبشبه لك وتشبه لي في حب الخير وطيبة الأصل، ما ليش غيرك أكيد لكن، محدش فينا مختار حد، أنا وأنت حكاية ناس متقاسمين الحياة مع بعض..
**
بتزرع لي رغيف عيشي وأنا بغزلك اتيابك.. تقف دلوقتي على بابي وأنا بكره على بابك.. تعلم ابني وتكبر ودائك يشفا بدوايا.. بتبني بيتي وتعمر وجيتك وأنت في حمايا»..
أبدعت شركات الاتصالات العربية بشكل خاص في هذا المجال، من زين الكويتية ومسرحيات الأطفال التي تدعمها إلى «أوريدو» القطرية التي تبرعت في رمضان بدرهم واحد عن كل دقيقة مكالمة، وبجانب هذه الشركات كانت شركة بيبسي الشرق الأوسط التي تبرعت أيضاً بآلاف الألعاب لأطفال محرومين، وشركة عبد اللطيف جميل السعودية التي توفر الفرص الوظيفية في أكثر من دولة عربية.
لم يكن الاهتمام بالنسبة للشركات السابقة الذكر، على سبيل المثال لا الحصر، بالأخذ فقط من المجتمع، بل رد الجميل أيضاً، فالمجتمعات وأفرادها هي الضامن الحقيقي لاستمرارية الشركات، ورغم أن قوانين الدول سبب من الأسباب التي توجب الشركات على العطاء إلا أنه لم يكن السبب الذي جعلهم يتقنونه، أفليس بالأحرى إذاً أن يحتوي كل فرد على سبب مماثل في نفسه؟ يجعله ينمي ويعطي المجتمع الذي درسه ورباه وشفاه من بعد الله؟ أم إن القانون هو السبب الوحيد القادر على إجبار أي شخص على العطاء بعد الأخذ كنوع من التكافل والتعاون ورد الجميل؟ تستطيع المجتمعات تطوير نفسها بجهود فردية، سواء أكانت من الحكومة أو بعض المؤسسات، ولكنه سيكون تطوراً بطيء الوتيرة قد يغلفه عدم الإتقان وينخره الفساد، ولهذا السبب المجتمعات التي يشارك في تنميتها أبناؤها تتقدم بسرعة في طريقها، وعندما توشك على التراجع تقاوم، لأنها تستند إلى الناس ورقابتهم واستمراريتهم.
ما يجب معرفته هو أن أول أميال ذاك الطريق ليس معبداً بالقانون فقط، بل بثقافة العطاء أيضاً، تلك التي يمكن زرعها عن طريق الأعمال التطوعية والمشاركات الصفية الجماعية في المدارس، وعن طريق إيصال كلمة الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي إلى كل طالب في سن صغيرة: «لا تسأل ماذا فعلت بلدك لك بل اسأل ماذا فعلت أنت لبلدك».


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.



الخميس، 1 أغسطس 2013

مشكلة خواطر

جاء رمضان، وانتصف السباق السنوي بين القنوات الفضائية العربية، وما زال المشاهد واقفاً وملقياً برهاناته على أمتع المسلسلات وأقوى البرامج. وبالنسبة لي وللكثير من المشاهدين، يتبوأ قائمة أفضل البرامج -حتى قبل بدء رمضان- برنامج أحمد الشقيري، خواطر.
من أول موسم للبرنامج في ٢٠٠٥ إلى النسخة الحالية والتاسعة منه في ٢٠١٣، لم يقم معدوه ولا منتجه ومقدمه أحمد الشقيري باستهلاك أي فكرة أو -على الأقل- إعادتها بشكل لا يحتمله المشاهد، بل على العكس، تنوعت مواضيع المواسم من مقارنة بين المسلمين وغير المسلمين إلى المقارنة بين مسلمي الماضي ومسلمي الحاضر إلى تقديم حلول عملية والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، وغيرها من المواضيع ذات الطابع الاجتماعي الإصلاحي المزين بالدين والثقافة.
لتنوع المواضيع وأساليب الطرح والمقاربة ولقصر وقت البرنامج، أصبح «خواطر» من أكثر البرامج الرمضانية نجاحاً ومتابعة، والدليل على ذلك ما قدمته mbc إحدى أكبر القنوات الفضائية العربية وأشهرها والتي خصصت لخواطر وقت الإفطار الذي تتحلق فيه العوائل حول أجهزة التلفزيون في مختلف البلدان العربية. كما لم يكن من الغريب أن يتم اختيار أحمد الشقيري كأحد أكثر الشخصيات العربية تأثيراً في الوطن العربي لأكثر من مرة بسبب خواطر.
النقد البناء يبني، ويُبنى عليه ولكن يدا واحدة لا تصفق كما يُقال، فرغم وصول خواطر إلى موسمه التاسع لا تزال الاستجابات له من أعمال تطوعية وخيرية ومبادرات وغيرها، خجولة جداً بالنسبة لبرنامج تتابعه الآلاف المؤلفة كل عام. وأنا لا أتحدث هنا عن الأعمال الكبيرة فقط، بل حتى الصغير الحسن منها مثل إماطة الأذى واقتصاد الماء والكهرباء والكلمة الطيبة والقلب الممدود واليد العاملة.
نعم قد يصعب الحال أمام مشاهد عادي يريد أن يقوم بشيء ما لإصلاح نظام الصرف الصحي في بلده، وقد يستحيل أمام آخر يريد أن يقلب وطنه إلى يابان أخرى، لعدم وفرة المادة، وهذا كله مقبول حيث إن ما سبق لم يكن يوماً ما النتيجة التي يطلبها البرنامج من كل فرد على حدة، بل المطلوب هو التحلي بالمبادئ العالية والأخلاق الإسلامية السمحة، التي ستؤدي في حال اتباعها من قبل كل مشاهد -على الأكثر- إلى تغير كبير في الدول الإسلامية والعربية.
خواطر برنامج لا يحتاج إلى مشاهدين فقط يؤكدون على ضرورة استمرار عرضه، بل يحتاج إلى مبادرين أيضاً، يمدون أيديهم إلى البرنامج كما يمد فريق عمل البرنامج أيديهم إلى المشاهدين، فهذه هي روح البرنامج الذي خصص من أجل المبادرات والمشاريع الخيرية والتطوعية الكثير من الإعداد والكثير من الحلقات، ولكن هنا أيضاً تكمن مشكلة البرنامج، في قلة المشاهدين المبادرين الذين قد يضخمون الكبير ويصغرون الصغير، فلا يعتقدون بأهمية البسمة ولا المساعدة ولا كف الأذى، لأنها ما دون كبار المشاريع الخيرية والتطوعية، وهذا فهم ضيق لمعاني المبادرة والمساعدة وتم توضيح ذلك لأكثر من مرة في خواطر، فبناء سد عال ليس مطلوباً من المشاهد، والحلول الصعبة أو تلك التي لا يمكن توفيرها ليست مطلوبة أيضاً، المطلوب هو مبادرة حسنة تدل على أن خواطر لا ينفخ في قربة مخروقة، ولا يهم بعد ذلك إن كانت مبادرة صغيرة أم كبيرة، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وكلٌ خلق الله لمغزى معين، فلنبادر إذاً بما يرضي ضمائرنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 25 يوليو 2013

وصفة للنجاح


هل تستطيع أن تعطي صاحبك -كهدية- كعكة ناقصاً منها قطعة أو قطعتين؟ هل تقبل أن يهديك أحد تلك الكعكة؟ سأفرض بأنك رفضت وأجبت بلا، لأنك لو وافقت سيكون ذلك هو سبب فشلك، لأنك قبلت بالفتات، بشيء ناقص وغير كامل.
النجاح أيضاً، لا يمكنه أبداً أن يقبل منك «عمل ناقص» أو كعكة ناقصة القطع، فما هي إذاً الوصفة التي يقبل بها النجاح؟ وما هي مقاديرها؟ كتب عنها الكثير، وجربها الكثير، بطرق أكثر وبمقادير مختلفة ومتنوعة. وهنا سأكتب عن الوصفة التي يُلاحظ «طبخها» من قبل الكثير من عظماء البشرية وأبدعهم عند قراءة سيرهم الذاتية، وسأبدأ بالمقادير:
أولاً: الرغبة الشديدة في النجاح، والمحاولة عن طريق كل السبل الأخلاقية والقانونية.
ثانياً: وهو أحد أهم المقادير وأصعبها، اختيار هدف معين يسعى الشخص لتحقيقه في حياته.
ثالثاً: بعكس ما يعتقده الكثير، هذه الوصفة لا تحتوي على عنصر العبقرية، إلا أنها لو وُجدت لن تضر.
رابعاً: العمل بجد والاجتهاد من أجل النجاح وعدم الاستسلام، وهذه المكونات بالذات تشكل أكثر من %90 من كعكة النجاح!
خامساً: الموهبة مطلوبة في الخلطة، والمقصود هنا هي الموهبة التي اكتسبها الإنسان نتيجة لبيئته والظروف التي وُضع فيها، فميسي لم يكن ليفوز بالحذاء الذهبي وبحب عشاق كرة القدم لو أنه ما لعب كرة القدم منذ سن الخامسة في النادي الذي أداره والده.
سادساً: القدرة على التخيل، تخيل الأهداف والنجاح والوصول، وكيفية تحقيق كل ذلك، بالإضافة إلى التخيل الداخل في تطوير المهارات والقدرات، فقد قال ألبرت أينشتاين: «المنطق يأخذك من أ إلى ب، أما الخيال فيأخذك إلى كل مكان».
وأخيراً، اقتناص الفرص، أو ما يسميه البعض بالحظ.
إذا وفرت هذه المقادير، ستكون قد اجتزت ثلاثة أرباع الطريق إلى النجاح، ولن يكون عليك سوى خلطها مع بعض لتقطع الربع الأخير، وعندها فقط سيُقبل النجاح عليك لأن كعكتك كاملة القطع، صحيحة المقادير. والأمثلة كثيرة لمن جربوا هذه الوصفة، فمن كان ليعتقد بأن موظفاً صغيراً اسمه أحمد ديدات يعمل في شركة أثاث في جنوب إفريقيا سيصبح في يوم ما أحد أشهر دعاة الإسلام لولا عمله وجده؟ ومن كان ليعتقد بأن محاسباً بسيطاً حمل اسم رفيق الحريري سيصبح يوماً رئيس وزراء بلده لولا اقتناصه للفرص؟ إرادة، تخطيط، عمل، خيال وحظ! هذا ما ستحتاجه لو أردت النجاح فيما تحب أو فيما تعمل، وكل ما عدا ذلك من عبقرية وتشجيع وإلهام وموهبة فطرية أو إلهية، يُعد ثانوياً بالنسبة للعناصر الأولى.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 18 يوليو 2013

لا تقم بعملك!

لماذا تموت المهن والحرف في الدول العربية؟ تموت لأن معظم العاملين يفعلون أقل مما يُطلب منهم في عملهم أو يقومون بعملهم كما هو فقط. فلا يضيفون إليه ولا يبدعون ولا يُجددون، كالطبيب الذي يعالج المرضى بما يعرفه ولا يبحث عن أدوية لأمراض أخرى غير معروفة العلاج.
تموت المهن والحرف لغياب الحوافز المالية والمعنوية.
وتموت بسبب مقابلة أصحابها بعدم الاحترام والتقدير، سواء من الدولة أو من الأفراد.
تموت لقلة وعي العرب، الذين يعتقدون بأن المحامي أفضل من المعلم، وأن المعلم أحسن من السباك، والسباك أشرف من عامل النظافة. تموت لأن الناس ينسون أن كل من سبق ذكرهم مهمون ويقدمون خدمات جليلة وعظيمة لكل من الوطن وقاطنيه الذين لا يمكنهم الاستغناء عن أي عامل، سواء أكان معلماً أو سباكاً أو عامل نظافة.
تموت المهن والحرف لأن الطبيب يقول إنه يعمل في مجال الطب لا في مجال الشفاء، والمحامي يُبين بأنه يترافع في القضايا لا يدافع عن المظلومين.
تموت المهن والحرف لغياب الشغف والحب، والعيش من أجل العمل، لا العمل من أجل العيش.
ماتت المهن والحرف لأننا نقول: «قم بعملك!»، وقد نزيد عليها: «وأنت ساكت!».
تموت المهن والحرف لأسباب كثيرة، كلها مرتبطة بالقائمين عليها، إن هم أحيوها حيت، وإن هم أماتوها لفظت أنفاسها الأخيرة، وللدولة أيضاً دور في ذلك، فهي إما داعمة لأصحاب المهن والحرف، وإما مهملة لهم، وفي الوطن العربي بالذات، تُميت الدول المهن والحرف، ولا يقوم أيضاً أصحابها بفعل مخالف، بل يشاركون في الدفن والتأبين، مما ولد أعداداً ضخمة من الشباب المحبطين، غير القنوعين، العاطلين عن العمل، الذين يأبون أن يشقوا ويتعبوا في سبيل حرفة لا تُحترم، أو لا تُقدر، أو من أجل مهنة يكون العائد منها أقل من المصروف عليها معنوياً ومادياً.
وصلنا إلى المكان الذي نحتاج فيه أن نقول قم بعملك، وأكثر. لا تشعر بأن الزمان أو المكان يضيقان الخناق عليك. افعل أكثر مما يُطلب منك لأن هذا ما سيدفع بك للأمام، وبسرعة أيضاً، أما إن بقيت على حالك ولم تتطور أو تُطور ما حولك، ستبقى في مكانك وفي دورة وظيفية بطيئة، قد ترفعك مع الوقت وقد تبقيك في محلك، وبالتالي عليك أن تعطي أكثر كي تأخذ أكثر، وعندما تأخذ أكثر، تذكر من أعطاك، كيلا تمتنع عن العطاء بعد الشعور بالاكتفاء والرضا.

كلمة أخيرة:
من أجل شباب مقهور اختير له طريقه، ومن أجل أصحاب المهن وكل الحرفيين والأجيال القادمة، والأجيال العاثرة، علينا أن نتحرك كي نصل إلى الدول النشطة وأن نقول: لا تقم بعملك إن كنت تراه في صورة عائد مادي وحسب، لا تقم بعملك إن لم تكن هنالك عوائد أخرى بجانب المادية، تجعلك تعود كل صباح إلى مقر عملك مرة أخرى. لا تقم بعملك إذا لم يبق هنالك شغف وحب وشوق بينك وبينه. لا تقم بعملك إلا إذا شعرت بأنك ستضيع من دونه، وعندها فقط، قم بعملك وتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...