الخميس، 31 أكتوبر 2013

اللعبُ بالكلمات

في الواقع تختلف معاني معظم المصطلحات عن تعريفاتها النظرية في الكتب والمجموعات العلمية، فالديمقراطية مثلاً في أكثر دول العالم ديمقراطية معناها أن تحصر خياراتك بين اثنين لا ثالث لهما.
وكلما كان المصطلح أوسع تضمن معاني قريبة منه وأكثر أبعد عنه، وأوضح مثال يرد إلى ذهني حالياً هو الإرهاب، الذي توسع من فكرة الخوف الذي يبثه المتطرفون في نفوس الأبرياء عبر القتل والتخريب في كل أنحاء العالم حتى شمل المتظاهرين السلميين الذي «عكروا» صفو البلاد باحتجاجاتهم.
لا أحد ينكر كون الكلمات صديقة الكاتب وهي أداته الحقيقية لا القلم، يتلاعب بها ويرقص معها ويرسمها كما يشاء قبل أن تشاء.
ولا أحد يعرف قيمة الكلمات كالباحث، ولا أحد يمحصها أكثر من الصحافي، أما أكثر من يتوسع فيها ويدخل في أزقتها ويتجول بين شوارعها فهو الأديب، ولهذا يكون أحلى الكلام هو كلام الحب، سواء قيل أم لم يقل، أو كما عبر عنه نزار قباني: «كلماتنا في الحب تقتل حبنا.. إن الحروف تموت حين تُقال»، ويبقى أشوق الملام هو ملام الغزل، وأقصر الكلام في لحظات الوداع، وأصعبه عند اجتماع من تفارقوا باختيارهم، وأقله فائدة الكثير الذي ينسي بعضه بعضاً كما قال الصديق أبو بكر رضي الله عنه.
أخطر ما في الكلمات هو وضعها في غير محلها أو استخدامها في غير مقصودها، وأجمل خصائصها هي القدرة على توريتها وترميزها، وهذه هي أكثر خاصية يستخدمها ويجيدها الكتاب في العالم العربي لاعتبارات سياسية وأخرى اجتماعية.
قال جان بول سارتر: «الكلمات مسدسات محشوة» تُحشى بالأفكار والمعتقدات، وما إن تُطلق يصعب استرجاعها أو تغيير مسارها، وما أكبر الفرق بين تصويبها على صحن طائر وبين تصويبها على قلب إنسان! في كل الحالات لا يمكن لرصاصات الكلام أن تموت أو تنعدم، ولهذا نبدأ كلامنا بـ «مساء الخير» أو «صباح النور»، وننهيه بـ «مع السلامة» أو «إلى اللقاء»، متمنين أن يكون الكلام الذي يتوسطهما بمثل رقيهما وبساطتهما، لأن الكلمات هي ما يبقى في النهاية إذا ذهب الأشخاص وتغيرت الأماكن.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...