الأحد، 22 يوليو 2018

أن تكون وحيداً

(الجزء الأول)
الوحدة هي أن تنظر حولك، ولا ترى قلباً يفهمك.
الخيبة هي ألا تجد من يسعفك.
اليأس يتسلل بين شروخ الوحدة والخيبة، ويُولّد مادة لزجة كثيفة تُسمى الحزن.
الحزن يكبر مع الأيام، حتى يصبح محيطاً من الكآبة.
روبن ويلياميز فهم ذلك جيداً، ولذلك قال: «كنت أظن أن أسوأ شيء في الحياة هو أن تكون وحيداً لكن أسوأ شيء في الحياة هو أن ينتهي بك الأمر مع أشخاص تشعر معهم بالوحدة».

(الجزء الثاني)
في فيلم «Wanderland»، يعيش أليكس في المدينة الكبيرة، حيث لا أحد يرفع رأسه عن الموبايل أو الكمبيوتر أو أي لوح إلكتروني. لا أحد يحاول بناء جسر إنساني للآخر.
يذهب أليكس في رحلة بعيداً عن المدينة. وبقرب الشاطئ تحدث مع امرأة لمدة لا تزيد عن خمس دقائق. كانت بالنسبة له أطول اتصال إنساني منذ شهور. حتى محادثته هذه، هرب منها ليبحث عن شاحن هواتف، يسعف به بطارية هاتفه المغلق.
أنا أليكس، وأنت عزيزي القارئ أليكس آخر. من منا لا يجلس في بيته مع عائلته وعائلته الأخرى من الهواتف؟ من منا لا يخرج لمطعم أو مقهى ما مع أصدقائه، لينتهي بهم المطاف كمجموعة رؤوس مصوبة على الهواتف في الطاولة؟
أصبح شاحن الهاتف أهم إكسسوار في هذه الحياة، والاتصال الرقمي هو ما نفضله على أي اتصال واقعي جسدي.

(الجزء الثالث)
شاهدت مؤخراً تجربة على الإنترنت، حيث صوّر جوزيف لندو تجربته في الوحدة لمدة أسبوع. طوال هذه المدة لم يخرج من شقته، ولم يستعمل الإنترنت، حيث كان هدفه من هذه التجربة نشر التوعية حول الكثير من المسنين الوحيدين في بريطانيا، الذين تمر عليهم أيام طويلة دون أن يتحدثوا فيها مع أحد.
في بداية تجربته، كانت الأمور تسري على ما يرام. نام طويلاً وشاهد التلفاز وبدأ في حل الأحجيات، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً. بعد اليوم الثالث دخل في مراحل الإحباط والملل. وأصبحت الأشياء التي تبعد تفكيره عن بقائه وحيداً، متعبة.
يقول عن تجربته هذه: «الوحدة تجردك من الثقة بالنفس، وإن كنت وحيداً فذلك سيجعلك أكثر عرضة للأمراض العقلية، كما أنه سيكون من الصعب عليك أن تجد نفسك بين الناس مرة أخرى».

(الجزء الأخير)
يجب أن نتذكر في النهاية أن الإنسان اخترع كل أنواع وطرق ووسائل التواصل، كي يتواصل مع نظيره الإنسان، وأن مسألة أن تكون وحيداً ليست بخطورة أن تشعر بأنك وحيد.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الاثنين، 16 يوليو 2018

كل شيء لن يكون على ما يرام

ستأتي أيام شاحبة، بلا ألوان، وأيام بلا طعم، وأيام بأنفاس سلبية، كشريط أخبار لا يتوقف. وذلك أمر لا مفر.
وستحل أيام مشمسة وطازجة، مليئة بالضحكات والبالونات، وأيام مصحوبة بأكواب الأصدقاء وأغاني الجدات المريحة، وأيام تسند بها رأسك إلى كتف من تحب دون أن تسمع أصوات القلق أو الخوف أو الإجهاد أو الغضب. وهذه الأيام نادرة، ولا تحدث لحظاتها للجميع، فالبعض يقتلها بالتفكير وبدونه.
أوقاتنا السيئة مثل أوقاتنا الجيدة. هي ملكنا. نحن من يتحكم بها. إن أردنا أن يصبح كل شيء على ما يرام، فذلك بيدنا وحدنا لا بيد الوقت ومن حولنا. طريقة نظرنا إلى ما يحصل لنا هو ما يحدد مصيرنا ومصير سعادتنا. وأكبر دليل على ذلك، عندما يحصل شيء سيء لنا، يتبعه شيء جيد. عندها لن يكون كل شيء على ما يرام، إن كنا لا نزال نفكر ونقيم الأمر السيء. ولن يعني الأمر الجيد أي شيء لنا.
سيكون كل شيء على ما يرام، عندما نتقبل كل ما يحصل لنا في حياتنا، ولا أعني هنا أن نخضع لأحداث حياتنا، بل أن نخضعها لنا عن طريق تقبلها، ومن ثم التعامل معها كما ينبغي. إن كان حدثاً جيداً، نقبله ونستحقه ونحمد الرب عليه، وإن كان سيئاً أو مؤلماً، نقبله ونستسلم لمشاعرنا الوقتية، لنخرج بعدها بحلول تساعدنا على المضي قدماً، دون جعل هذا الحدث محور حاضرنا أو مستقبلنا.
كل شيء سيكون على ما يرام، عندما نستيقظ من غفلة التفكير الدائم، الذي يمنعنا عن النوم أحياناً. عندما لا نغرق في دوامة التيه العميقة. عندما لا نسلم الراية لعقلنا طوال اليوم. ونمنح مشاعرنا فرصة التعبير عن أنفسنا لأنفسنا في أوقاتنا السيئة قبل الجيدة.
كل شيء سيكون على ما يرام، عندما نؤمن ونتقبل أن كل شيء لن يكون على ما يرام طوال الوقت أو حتى في النهاية.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



جيل التكنولوجيا

(١)
التكنولوجيا امتصت بطريقة أو أخرى الجيل الجديد، ابتداءً بالأطفال الذين لم يعد اهتمامهم ينصب سوى على الألعاب الإلكترونية، أو مشاهدة التلفاز، أو اليوتيوب. هذا هو الواقع الذي أكدته شركة الألعاب الشهيرة «Toys R Us» التي أغلقت هذا الشهر جميع فروعها في الولايات المتحدة الأميركية، كي تضع حداً لخساراتها المتتالية التي أدت إلى وقوعها في ديون تبلغ أكثر من 5 بلايين دولار أميركي. والوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة لمواليد 2000 ومن قبلهم المسمين بجيل الألفية، أو جيل «الواي فاي». هذه الأجيال تعامل معلومات الويكيبيديا أمراً مسلماً به، تقارع من يحاججهم بها. وهذا الانغماس في التكنولوجيا يترك أثره على المعلم خاصة، الذي يشعر بأن دوره تم تقليصه إلى حد كبير نتيجة وسائل إلكترونية وذكية، قد يقدرها طلابه أكثر منه.

(٢)
في الماضي، كانت أسوأ كوابيس المعلم الطالب المشاغب. اليوم، أسوأ كابوس يمر على المعلم هو الطالب المشاغب الملوّح بهاتفه الذكي في الفصل.

(٣)
التكنولوجيا -مع حفظ مزاياها ومآثرها- تشتت الطالب. ومع وجود المعلومات الهائلة على الإنترنت حول أصغر وأكبر الأمور، من كيفية تبديل إطار سيارة، وحتى معرفة اسم ثاني شخص مشى على سطح القمر، قد يعتقد الطالب بأنه في غنى عن المعلم ودروسه. وفي رأيي هذا ما يكبر دور المعلم لا ما يصغره، فالطالب في حاجة إلى من يرشده في زحام المعلومات وصراخ نقاشات الإنترنت التي غالباً لا يسمع فيها الأشخاص بعضهم البعض. الطلبة لا يزالون في حاجة إلى المعلم، لا الدروس الإلكترونية في الدورات السريعة Crash Courses التي قد يبقى منها في الذاكرة ما قلّ ودلّ، ويُمحى منها ما كثر في المعنى والكم. ما زلنا في حاجة إلى المعلمين الذين نقدر على مناقشتهم والتفاعل مع ردة فعلهم، المعلمين القادرين على تصويب أخطائنا، والتراجع عن أخطائهم، إن وُجدت.

(٤)
التكنولوجيا لم تكن يوماً سيئة، ولكننا نحن من فهمها واستخدمها بشكل سيء، كي تخدم رؤيتنا وأهدافنا. هدفنا في الوصول السريع إلى مبتغانا، وإن كان بالخروج من المدرسة أو الجامعة، رغم قلة العلم والخبرة، فظن الكثير بأن الخبرة تعلمها الحياة، والعلم يؤخذ من التكنولوجيا وأدواتها، والحقيقة أن الشخص إن لم يمتلك إحدى الاثنين (العلم أو الخبرة) سيسقط لا محالة في اختبار الحياة. ولا يكفي الاستشهاد بستيف جوبز أو بيل غيتس، فكلاهما تركا الجامعة، وابتدآ مشوارهما بخبرة تعادل خبرات من تخرج في الجامعة قبلهما.

(٥)
الكِبر والتعجرف، هو أسوأ ما يواجهه هذا الجيل، لا الروبوتات والتكنولوجيا، كما يظن إيلون مسك.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...