الخميس، 29 أكتوبر 2015

برامج الأخبار العربية

لا أشاهد التلفاز لكثرة الإعلانات، ولأن من يعملون على المحتوى يمزجون السمين بالغث والجيد بالرث، ولكني تمنيت بعد متابعتي لمسلسل The newsroom «غرفة الأخبار» لو كان هناك برنامج حقيقي يقدم الأخبار بالطريقة التي قُدمت في المسلسل، حتى أتابعه.
تدور أحداث المسلسل حول مذيع ينوي تحت إشراف مدير قسم الأخبار في القناة وفريق عمله، على تقديم الأخبار بالطريقة الواجب تقديمها فيها، أي بعد تمييز الغث من السمين، حيث تُقدم الأخبار الصحيحة محققة المصادر والمهمة للمشاهد دون نشر الشائعات أو أخبار المشاهير الزائلة أو عدم المهمة، مع تحليل كل كلمة تُقال. المهم أن تكون كلمة حق، فلا يُجامل الضيف، ويسأل الأسئلة الكبيرة دون أن تكون له فرصة الهروب منها، وإن هرب منها، فالمذيع «ويل ماكفوي» سينبه المشاهد إلى هذا الهروب.
بعد مشاهدتي للمسلسل تغيرت نظرتي لبرامج الأخبار بكافة أنواعها خاصة السياسية والاقتصادية لأن المصلحة أكثر من أي شيء آخر هي ما يحكم هذين المجالين، ويحركهما، وليس رأي المشاهد أو فريق عمل البرامج. فكرت في هذا العالم الخيالي -والمثالي في نظري- لواقع برامج الأخبار. وفكرت فيما سيحصل لو حكم هذا النموذج عالم برامج الأخبار وقدمت الأخبار الحقيقية بناء على مواثيق شرف وأمانة مهنة الصحافة التي نراها تتدهور مع تقدم الوقت. العالم سيصبح أفضل، والناس سيعون ما يرون ويسمعون، والسياسيون سيحاسبون أنفسهم على كل كلمة يقولونها قبل أن يحاسبهم غيرهم. هذا ما كان ليحصل.
يتحتم علي أن أشير بأن نموذج المذيع «ويل ماكفوي» وبرنامجه، لا يوجد في عالم المسلسلات فقط، وأكبر مثال واقعي هو المذيع إدوارد مورو الذي ساعد في إدانة السيناتور جوزيف مكارثي بسبب حملته على الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، والتي أرهبت المجتمع الأميركي آنذاك. وتوجد في العالم العربي نماذج حسنة لغرف الأخبار كقناتي الجزيرة والبي بي سي العربية. ومن المذيعين ومقدمي البرامج والأخبار الجيدين، علي الظفيري وزاهي وهبي ويسري فودة، وغيرهم من النجوم. ومع ذلك معظم من ذكرت وغيرهم ممن أغفلت ذكرهم، نجوم خامدة. والمؤسف أن ابتعاد الأصوات الجيدة مهد الطريق للأصوات السيئة عديمة الضمير، فالكثير من مقدمي برامج اليوم، يفتقرون إلى الثقافة والوعي والاهتمام بميثاق شرف وأمانة مهنة الإعلام والصحافة، فمنهم لا يبالي بتقديمه لإشاعة ما دامت «خبطة صحافية»، ومنهم من يعطي معلومات مصادره السرية! بل ومنهم من يبلغ عن مصادره تحت خرق كامل لمبادئ عمل الصحافي وميثاقه!.
سبب من أسباب عدم تطور الإعلام والصحافة والبرامج بشكل عام في عالمنا العربي، هو تقييد الحريات وافتقار الجرأة والخوف من التطرق للخبر عبر المواجهة المباشرة. وكيف لهم أن يتجرؤوا والناس ترفض الحديث لهم لأن ميثاق وأمانة المهنة لا تحترم؟.
إصلاحات البرامج وغرف الأخبار تبدأ من الداخل، بعد تسطير قيم الحق والعدالة والصدق الأخلاق النبيلة، وعدم استغباء المشاهد لمصلحة ما. وبعد ذلك يتم البحث عن الرجل أو المرأة المناسبة، في المكان المناسب. ومن ثم تُقدم الأخبار، عبر تقديم الخبر وتحليله.. لا صناعته!


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 22 أكتوبر 2015

البقاء للأذكى

كثيراً ما نتعامل مع العقل باستخفاف ولا مبالاة، فبدل أن نوقظه ونجعله يذهب إلى العمل، نحبسه ونسلم مفتاحه إلى شخص آخر ليضعه في المكان والزمان وبحسب الطريقة التي يراها مناسبة!.
ننسى عندما نهمل إعمال عقولنا أنها كعضلات جسدنا الأخرى، تحتاج إلى الماء والطعام والتمارين الرياضية! وبخلاف جسم الإنسان، العقل لا ينمو إلا بإضافة التمارين الرياضية بجانب الماء والطعام. وهذه التمارين تكون في القراءة والتعلم المستمر والبحث ومشاهدة الأفلام والسفر والاحتكاك بالناس والفن واللغات والثقافات والألوان المختلفة حول العالم.
الفنون والعلوم من حولنا تمرن وتساعد عقولنا على التفكير والتحليل والتخيل، وفي الوقت نفسه تستثير خلايانا العقلية لإنتاج الإبداع. فالكتاب قد ينتج بسببه كتاب آخر، والأغنية قد ينتج عنها أغنية أخرى، بل والفيلم قد ينتج عنه اختراعات جديدة مثل طابعة الأشياء ذات الأبعاد الثلاثية والسيارة ذاتية القيادة وغيرها كثير مما رأيناه في قاعات السينما قبل أن نراه على أرض الواقع.
نحتاج إلى تمرين العقول كي تبدع وتفكر.. والفكرة تنتج فكرة أخرى، والفكر ينتج فكراً غيره، فالعقل يتفتح كالزهرة، عندما تجد من يسقيها، ورحيقه هو الفكر. الفكرة قد تتولد من المؤثرات المحيطة بالإنسان، سواء أكانت أغنية أو فيلما أو مقالة أو لوحة أو حلما أو حديثا عابرا أو نقاشا حادا أو مشهدا مؤثرا، أو خبرا قُرئ على عجل في إحدى الصحف. الفكرة في هذه الحالة مادة خام، كالبترول في أول لحظات استخراجه من باطن الأرض أو البحر، بلا فائدة كبيرة، ولكن ما إن تتم معالجته وتكريره حتى يصبح باهظ الثمن، مرتفع القيمة. الفكرة هي المادة الخام للعقل، إما نحبسها في البواطن أو نطلقها إلى الحياة بشكلها دون فائدة أو بفائدة لا تذكر، أو نعالجها ونخلق لها بيئتها اللازمة للنجاح ثم نرسلها لتعود علينا بعدئذ بالجائزة الكبرى.
الفكر هو ما يجعلنا نمضي في الحياة، أما الفكرة فهي ما قد ينقذ حياة أحدنا يوماً ما، وهي الصندوق الأول للإبداع. والإبداع هو ما يميزنا كجنس بشري، فنحن اليوم نتذكر المصريين والرومانيين القدامى بعمارتهم وهندستهم الرائعة، واليونانيين بفلسفتهم وأدبهم. وهذا الإبداع أيضاً هو ما سيميز بيننا كبشر وبين الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. وحدث أن صرحت وزارة التعليم اليابانية مؤخراً بأن أحد أهدافها ورؤيتها لعام 2040 هي إعداد أجيال يابانية تجاري الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر التركيز على الأمور التي لا تستطيع فيها الآلات والأنظمة مواكبة الإنسان مثل المهارات المختلفة والقيادة والإبداع.
ولدوا أفكاركم أو ساعدوا الغير في ذلك، كما كان سقراط يفعل عندما يناقش الغير. وهو الذي كان يرى أن وظيفته لا تختلف عن وظيفة أمه الداية، فهو يولد الأفكار، وأمه تولد النساء.
بكل بساطة، في المستقبل البقاء للأذكى وللمتفردين بإبداعهم ومهاراتهم وقيادتهم.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الخميس، 15 أكتوبر 2015

مقالة متخمة بالرسائل

«من كان يتوقع أننا ونحن في عصر الإنترنت والسكايب والبلاك بيري، سنترك كل هذه الوسائل لنعزل أنفسنا في صوامع الرسائل والحبر الأخضر الذي نتخيله دائماً سائلاً عليها؟ إن هذا ليبدو غريباً بالنسبة لغيرنا كما بدا لي عندما فكرت في اتفاقنا ملياً! ولكن بعد قراءتي لرسالتك، وكتابتي لرسالتي هذه، أشعر بأن هذه الرسائل ستكون فسحة لنا نرتاح فيها من ضجة الحياة، ونزهة نأخذ فيها بيد الأفكار دون أن ندين بعضنا بسببها!».
هذا ما كتبته لصديقتي بعد أن اتفقنا على أن نتراسل عبر الرسائل الطويلة في زمن الواتساب وتويتر والفيس بوك ذات الرسائل القصيرة والحوارات السريعة! رغم حماسي لهذه الفكرة وقتها إلا أنني لم أفهم سبب ذلك حتى الآن، عندما أعدت قراءتها وعرفت أن الرسالة لها مكانتها ودفؤها وخطوطها وتاريخها وآثارها الوقتية ونتائجها المكانية.
كتبت لصاحبتي في رسالة أخرى: «الرسالة كالمرساة التي يلقي بها البحار في البحر كي تثبت السفينة، وتربطها بالبحر، وأنا ألقي بها في حضنك، كي تربطنا، وتقربنا، فالرسالة تعبير عن شوق العاشق، وغصة المهجر، وألم الغربة، ومعزة الأصدقاء، وحب الوطن».
الحب الذي نشعره عندما نقرأ رسائل مي زيادة لجبران خليل جبران، هو ما نحبه عندما نقرأ رسائل غسان كنفاني لغادة السمان. حب كهذا لا تختصره رسائل نصية قصيرة ولا سؤال بسيط يحمله إيميل. الرسائل أعمق بكثير من قاع سؤال، أنهته علامة استفهام، ففيها تبدأ الأجوبة، وربما لهذا سميت بـ «جوابات» عند العامة. 
الرسائل هي تأريخ للمكان وثوب يلبسه الزمان، تعبر عنهما بحروف محظوظة، لأن أكثر الكلمات حرية هي تلك التي تجد لنفسها حيزا في رسالة ما.
هذه المقالة رسالة كي تبدؤوا بكتابة رسائلكم الخاصة، لشخص واحد على الأقل، سواء أكانت رسالة حب أو شكر أو دعم أو تفريغ مشاعر، تهتدي بها أنفسكم وترتاح بها قلوبكم سواء أكانت لكم أو لغيركم، حتى وإن لم يطلع عليها أحد.
أذكر أنني قد كتبت مرة: «يترجم محمد الضبع كي يحافظ على لياقة الحياة، على حد قوله، وأنا أكتب إليك كي أكسب الحياة، وأكتب لقراء الصحيفة كي أتأكد بأنني هناك مثلما أنا هنا! وأكتب لك كي أتأكد بأنني هنا مثلما أُوجد هناك!».
وكتبت أيضاً: «لا تنتظري شيئاً ليس مستعداً لأن يأتي، بل اذهبي إليه، فالحياة لا تنتظر. كل ما نستطيعه هو أن نفعل ونفعل حتى نمتلئ بالراحة والقناعة كما يمتلئ الدب القطني بحب الأطفال». فأسرعوا وتبادلوا الرسائل مع من تحبون ولا تفوتوا هذه الذكرى!

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 8 أكتوبر 2015

هل نعيش في فندق 5 نجوم؟

هناك بعض الخيالات التي تطاردنا كبشر كلٌّ بحسب هواه، كالسفر حول العالم عبر قارب، أو تسلق أحد الجبال الشاهقة، أو السكن طول العمر في فندق من فئة 5 نجوم تحت الخدمة!
في مجتمعنا القطري المحافظ يعيش بعض الأفراد أو يحاولون العيش في فندق من فئة 5 نجوم دون مقدرة وتحت خدمة التبذير. وأقول محافظ، لأنه يحافظ على الكثير من عادات وقيم ليس من بينها الممتلكات والمال. ونرى هذه الحقيقة في رسم الفندق الذي سأوضحه لكم.
حول الفندق الفخم وعالي المستوى تقوم حديقة غناء تنشرها الكهرباء، وترشها المياه ليلاً ونهاراً، لنرى بعدها الفندق الكبير، ذا الرخام الأسود والمرمر الأبيض. في داخله يوجد الخدم والطباخون كما يُوجد السائقون والمزارعون والحراس خارج الفندق، وبالإضافة لهم لا ننسى المربيات اللاتي تتناسب أعدادهم مع أعداد أطفال الفندق.
يعيش الجميع في هناء داخل الفندق، دون تفكير في المستقبل أو أية مسؤولية، أو اعتبار للأولويات المنطقية، كعطلة سنوية مفتوحة التاريخ. انتهى.
قد يقول معلق- صادقاً- إنني بالغت في وصفي السابق، ولكن هل سننتظر الوصول إلى هذه المرحلة كي نستيقظ؟
الطفرة التي مرت وتمر بها قطر على جميع الأصعدة خاصة الاقتصادية أصابتنا «بتبلُّد مالي» من بين أمراض كثيرة بعضها صحي واجتماعي وروحي ونفسي. تغير الحياة من حولنا طبيعي نظراً لهذه الطفرة، ولكن تغيرنا السلبي لم يكن بالضرورة نتاجاً للتغيرات الكبيرة، بل خنوعنا نحو الملذات والمسرات بعد أن عشنا في شظف قبل النفط والغاز.
كم منا علم أولاده الادخار منذ صغره؟ من منا وضع المال لمستقبل أبنائه ولم يضيعه في سفرات دورية وسيارات وإكسسوارات براقة تُستبدل كل سنة بما هو أغلى منها؟ من منا طلب من ولده أن يذهب بنفسه ويحضر ما يريده بدل أن يطلبه من الخادمة؟ هل يوجد مِن بيننا مَن ربَّى ولده بنفسه وليس خادمة باسم «مربية»؟ كم منا يحرص على أن يتأكد كل ليلة أن جميع الأضواء وصنابير المياه مطفأة ومقفولة، مع علمه بأن الدولة هي التي ستدفع فواتيره؟ من منا حرص على ممتلكات الدولة في الحدائق والساحات وحرص على عدم رمي أي قاذورات في الشارع مع علمه بأن الدولة تستطيع تحمل تكاليف النظافة والممتلكات؟ كم منا يتصرف في حياته بمسؤولية، وعلى أساس أنه لا يسكن فندق من فئة 5 نجوم، وأن كل شيء يقوم به سيُحسب عليه صحياً ونفسياً واقتصادياً واجتماعياً وروحياً، وأنه سيدفع الثمن لاحقاً، صاغراً لا مكبراً كما يفعل عندما يسافر إلى الخارج ويشغل أفخم الفنادق؟ هذه من أطول الأسئلة التي يمكن للمرء أن يسألها لنفسه، ولكنها لازمة كي نعي مرحلة التبذير وعدم التفكير التي وصلنا إليها، من ناحية عدم اهتمامنا بالمستقبل سواء مستقبل الدولة أو أولادنا أو من نواحي أخرى كانقلاب أولوياتنا السليمة من مخبر إلى منظر، وتراخي أسسنا الاجتماعية التي كانت يوماً ما سبب قيام دولتنا العزيزة.
أُذكر بأنني أشير إلى بعض أفراد المجتمع دون تعميم، وتبقى هناك الكثير من النماذج الحسنة في مجتمعنا، والتي نأمل أن نقتدي فيها، فتصلح أحوالنا ولا نضيع أنفسنا بتضييع مسؤولياتنا وأولوياتنا. ولا أنسى أن أضيف: لا بأس أن نعيش في فندق من فئة 5 نجوم ونرفه عن أنفسنا كما هو الحال عند سفرنا، ولكن لبعض الوقت لا طوال السنة!


صحيقة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...