الخميس، 22 أكتوبر 2015

البقاء للأذكى

كثيراً ما نتعامل مع العقل باستخفاف ولا مبالاة، فبدل أن نوقظه ونجعله يذهب إلى العمل، نحبسه ونسلم مفتاحه إلى شخص آخر ليضعه في المكان والزمان وبحسب الطريقة التي يراها مناسبة!.
ننسى عندما نهمل إعمال عقولنا أنها كعضلات جسدنا الأخرى، تحتاج إلى الماء والطعام والتمارين الرياضية! وبخلاف جسم الإنسان، العقل لا ينمو إلا بإضافة التمارين الرياضية بجانب الماء والطعام. وهذه التمارين تكون في القراءة والتعلم المستمر والبحث ومشاهدة الأفلام والسفر والاحتكاك بالناس والفن واللغات والثقافات والألوان المختلفة حول العالم.
الفنون والعلوم من حولنا تمرن وتساعد عقولنا على التفكير والتحليل والتخيل، وفي الوقت نفسه تستثير خلايانا العقلية لإنتاج الإبداع. فالكتاب قد ينتج بسببه كتاب آخر، والأغنية قد ينتج عنها أغنية أخرى، بل والفيلم قد ينتج عنه اختراعات جديدة مثل طابعة الأشياء ذات الأبعاد الثلاثية والسيارة ذاتية القيادة وغيرها كثير مما رأيناه في قاعات السينما قبل أن نراه على أرض الواقع.
نحتاج إلى تمرين العقول كي تبدع وتفكر.. والفكرة تنتج فكرة أخرى، والفكر ينتج فكراً غيره، فالعقل يتفتح كالزهرة، عندما تجد من يسقيها، ورحيقه هو الفكر. الفكرة قد تتولد من المؤثرات المحيطة بالإنسان، سواء أكانت أغنية أو فيلما أو مقالة أو لوحة أو حلما أو حديثا عابرا أو نقاشا حادا أو مشهدا مؤثرا، أو خبرا قُرئ على عجل في إحدى الصحف. الفكرة في هذه الحالة مادة خام، كالبترول في أول لحظات استخراجه من باطن الأرض أو البحر، بلا فائدة كبيرة، ولكن ما إن تتم معالجته وتكريره حتى يصبح باهظ الثمن، مرتفع القيمة. الفكرة هي المادة الخام للعقل، إما نحبسها في البواطن أو نطلقها إلى الحياة بشكلها دون فائدة أو بفائدة لا تذكر، أو نعالجها ونخلق لها بيئتها اللازمة للنجاح ثم نرسلها لتعود علينا بعدئذ بالجائزة الكبرى.
الفكر هو ما يجعلنا نمضي في الحياة، أما الفكرة فهي ما قد ينقذ حياة أحدنا يوماً ما، وهي الصندوق الأول للإبداع. والإبداع هو ما يميزنا كجنس بشري، فنحن اليوم نتذكر المصريين والرومانيين القدامى بعمارتهم وهندستهم الرائعة، واليونانيين بفلسفتهم وأدبهم. وهذا الإبداع أيضاً هو ما سيميز بيننا كبشر وبين الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. وحدث أن صرحت وزارة التعليم اليابانية مؤخراً بأن أحد أهدافها ورؤيتها لعام 2040 هي إعداد أجيال يابانية تجاري الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر التركيز على الأمور التي لا تستطيع فيها الآلات والأنظمة مواكبة الإنسان مثل المهارات المختلفة والقيادة والإبداع.
ولدوا أفكاركم أو ساعدوا الغير في ذلك، كما كان سقراط يفعل عندما يناقش الغير. وهو الذي كان يرى أن وظيفته لا تختلف عن وظيفة أمه الداية، فهو يولد الأفكار، وأمه تولد النساء.
بكل بساطة، في المستقبل البقاء للأذكى وللمتفردين بإبداعهم ومهاراتهم وقيادتهم.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...