لا أشاهد التلفاز لكثرة الإعلانات، ولأن من يعملون على المحتوى يمزجون السمين بالغث والجيد بالرث، ولكني تمنيت بعد متابعتي لمسلسل The newsroom «غرفة الأخبار» لو كان هناك برنامج حقيقي يقدم الأخبار بالطريقة التي قُدمت في المسلسل، حتى أتابعه.
تدور أحداث المسلسل حول مذيع ينوي تحت إشراف مدير قسم الأخبار في القناة وفريق عمله، على تقديم الأخبار بالطريقة الواجب تقديمها فيها، أي بعد تمييز الغث من السمين، حيث تُقدم الأخبار الصحيحة محققة المصادر والمهمة للمشاهد دون نشر الشائعات أو أخبار المشاهير الزائلة أو عدم المهمة، مع تحليل كل كلمة تُقال. المهم أن تكون كلمة حق، فلا يُجامل الضيف، ويسأل الأسئلة الكبيرة دون أن تكون له فرصة الهروب منها، وإن هرب منها، فالمذيع «ويل ماكفوي» سينبه المشاهد إلى هذا الهروب.
بعد مشاهدتي للمسلسل تغيرت نظرتي لبرامج الأخبار بكافة أنواعها خاصة السياسية والاقتصادية لأن المصلحة أكثر من أي شيء آخر هي ما يحكم هذين المجالين، ويحركهما، وليس رأي المشاهد أو فريق عمل البرامج. فكرت في هذا العالم الخيالي -والمثالي في نظري- لواقع برامج الأخبار. وفكرت فيما سيحصل لو حكم هذا النموذج عالم برامج الأخبار وقدمت الأخبار الحقيقية بناء على مواثيق شرف وأمانة مهنة الصحافة التي نراها تتدهور مع تقدم الوقت. العالم سيصبح أفضل، والناس سيعون ما يرون ويسمعون، والسياسيون سيحاسبون أنفسهم على كل كلمة يقولونها قبل أن يحاسبهم غيرهم. هذا ما كان ليحصل.
يتحتم علي أن أشير بأن نموذج المذيع «ويل ماكفوي» وبرنامجه، لا يوجد في عالم المسلسلات فقط، وأكبر مثال واقعي هو المذيع إدوارد مورو الذي ساعد في إدانة السيناتور جوزيف مكارثي بسبب حملته على الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، والتي أرهبت المجتمع الأميركي آنذاك. وتوجد في العالم العربي نماذج حسنة لغرف الأخبار كقناتي الجزيرة والبي بي سي العربية. ومن المذيعين ومقدمي البرامج والأخبار الجيدين، علي الظفيري وزاهي وهبي ويسري فودة، وغيرهم من النجوم. ومع ذلك معظم من ذكرت وغيرهم ممن أغفلت ذكرهم، نجوم خامدة. والمؤسف أن ابتعاد الأصوات الجيدة مهد الطريق للأصوات السيئة عديمة الضمير، فالكثير من مقدمي برامج اليوم، يفتقرون إلى الثقافة والوعي والاهتمام بميثاق شرف وأمانة مهنة الإعلام والصحافة، فمنهم لا يبالي بتقديمه لإشاعة ما دامت «خبطة صحافية»، ومنهم من يعطي معلومات مصادره السرية! بل ومنهم من يبلغ عن مصادره تحت خرق كامل لمبادئ عمل الصحافي وميثاقه!.
سبب من أسباب عدم تطور الإعلام والصحافة والبرامج بشكل عام في عالمنا العربي، هو تقييد الحريات وافتقار الجرأة والخوف من التطرق للخبر عبر المواجهة المباشرة. وكيف لهم أن يتجرؤوا والناس ترفض الحديث لهم لأن ميثاق وأمانة المهنة لا تحترم؟.
إصلاحات البرامج وغرف الأخبار تبدأ من الداخل، بعد تسطير قيم الحق والعدالة والصدق الأخلاق النبيلة، وعدم استغباء المشاهد لمصلحة ما. وبعد ذلك يتم البحث عن الرجل أو المرأة المناسبة، في المكان المناسب. ومن ثم تُقدم الأخبار، عبر تقديم الخبر وتحليله.. لا صناعته!
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
تدور أحداث المسلسل حول مذيع ينوي تحت إشراف مدير قسم الأخبار في القناة وفريق عمله، على تقديم الأخبار بالطريقة الواجب تقديمها فيها، أي بعد تمييز الغث من السمين، حيث تُقدم الأخبار الصحيحة محققة المصادر والمهمة للمشاهد دون نشر الشائعات أو أخبار المشاهير الزائلة أو عدم المهمة، مع تحليل كل كلمة تُقال. المهم أن تكون كلمة حق، فلا يُجامل الضيف، ويسأل الأسئلة الكبيرة دون أن تكون له فرصة الهروب منها، وإن هرب منها، فالمذيع «ويل ماكفوي» سينبه المشاهد إلى هذا الهروب.
بعد مشاهدتي للمسلسل تغيرت نظرتي لبرامج الأخبار بكافة أنواعها خاصة السياسية والاقتصادية لأن المصلحة أكثر من أي شيء آخر هي ما يحكم هذين المجالين، ويحركهما، وليس رأي المشاهد أو فريق عمل البرامج. فكرت في هذا العالم الخيالي -والمثالي في نظري- لواقع برامج الأخبار. وفكرت فيما سيحصل لو حكم هذا النموذج عالم برامج الأخبار وقدمت الأخبار الحقيقية بناء على مواثيق شرف وأمانة مهنة الصحافة التي نراها تتدهور مع تقدم الوقت. العالم سيصبح أفضل، والناس سيعون ما يرون ويسمعون، والسياسيون سيحاسبون أنفسهم على كل كلمة يقولونها قبل أن يحاسبهم غيرهم. هذا ما كان ليحصل.
يتحتم علي أن أشير بأن نموذج المذيع «ويل ماكفوي» وبرنامجه، لا يوجد في عالم المسلسلات فقط، وأكبر مثال واقعي هو المذيع إدوارد مورو الذي ساعد في إدانة السيناتور جوزيف مكارثي بسبب حملته على الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، والتي أرهبت المجتمع الأميركي آنذاك. وتوجد في العالم العربي نماذج حسنة لغرف الأخبار كقناتي الجزيرة والبي بي سي العربية. ومن المذيعين ومقدمي البرامج والأخبار الجيدين، علي الظفيري وزاهي وهبي ويسري فودة، وغيرهم من النجوم. ومع ذلك معظم من ذكرت وغيرهم ممن أغفلت ذكرهم، نجوم خامدة. والمؤسف أن ابتعاد الأصوات الجيدة مهد الطريق للأصوات السيئة عديمة الضمير، فالكثير من مقدمي برامج اليوم، يفتقرون إلى الثقافة والوعي والاهتمام بميثاق شرف وأمانة مهنة الإعلام والصحافة، فمنهم لا يبالي بتقديمه لإشاعة ما دامت «خبطة صحافية»، ومنهم من يعطي معلومات مصادره السرية! بل ومنهم من يبلغ عن مصادره تحت خرق كامل لمبادئ عمل الصحافي وميثاقه!.
سبب من أسباب عدم تطور الإعلام والصحافة والبرامج بشكل عام في عالمنا العربي، هو تقييد الحريات وافتقار الجرأة والخوف من التطرق للخبر عبر المواجهة المباشرة. وكيف لهم أن يتجرؤوا والناس ترفض الحديث لهم لأن ميثاق وأمانة المهنة لا تحترم؟.
إصلاحات البرامج وغرف الأخبار تبدأ من الداخل، بعد تسطير قيم الحق والعدالة والصدق الأخلاق النبيلة، وعدم استغباء المشاهد لمصلحة ما. وبعد ذلك يتم البحث عن الرجل أو المرأة المناسبة، في المكان المناسب. ومن ثم تُقدم الأخبار، عبر تقديم الخبر وتحليله.. لا صناعته!
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق