الخميس، 26 سبتمبر 2013

هل تكفي روحانية الشرق؟

في بلاد الشرق حطت الأديان ومنها وُلدت الحضارات العظيمة وتكاثرت الأساطير القديمة، هذه البلاد ذات الثقافة الثرية قابلها في الجهة المعاكسة بلاد بُنيت في عصر التنوير وصُنعت على ضوء ما وصلها من الشرق، ما كان للغرب أن يصل مكانه لولا الشرق، وما كان للشرق أن يتبوأ مقعده لولا الغرب.
لا يكتب كتاب الغرب عن الشرق إلا ويذكرون الحنين إلى تاريخه وجمال روحانيته وقديم دياناته، وحرارة الإيمان الذي يحتضنه كل ركن من أركانه سواء أكان تحت منبر أو بقرب تمثال يجسد بوذا أو بجانب صليب احتضنته كنيسة.
يرانا بعض هؤلاء الكتاب وآخرون من الشرق على أننا أغنى من الغرب وأننا نملك أنفس الكنوز ألا وهي الراحة الإيمانية والنفسانية التي نشأت بعد تراكم طويل تاريخي لديانات وحضارات وروحانيات وجدت تربتها الخصبة في الشرق. يرى نفس هؤلاء الغرب، كمعمل يصنع الآلات والأدوات الجوفاء التي وإن كانت تسهل المهمات على الإنسان إلا أنها لن تفعل الشيء نفسه لروحه، فتلك مهمة ومجال الشرق.
كان ذلك رأي لوركا عندما زار نيويورك لتعلم اللغة الإنجليزية، فقضى هناك سنتين ليرجع بعد ذلك إلى بلده دون أن يتعلمها، وليخرج لنا أشعاراً نُشرت بعده في كتاب سُمي بشاعر في نيويورك. عبر فيه لوركا عن مادية الحياة في الفراغ القابع في وول ستريت وخلف زجاج ناطحاته الطويلة.
وهذا أيضاً ما ظنه ميخائيل نعيمة الذي قال: إن على الغرب اتباع الشرق لا العكس، حيث إن الشرق منبع كل شيء والغرب بني عليه، ثم صرح بأنه لو وضع الغرب في موضع أُجبر فيه على حرق كل كتبه إلا كتابا واحدا، لكان ذاك الكتاب، الكتاب المقدس.
إذاً، هل تكفي روحانية الشرق كي تصنع الشرق أو -بصيغة أخرى- كي يكون نداً للغرب؟ في الواقع روحانية الشرق لا تكفي إلا لإيجاده على خريطة اليوم، حيث إنه لولاها لكان الشرق ككيان أشبه بدولة من تلك الدول التي يسمع عنها الناس في العام، مرة واحدة.
ورغم قناعتي الراسخة بغنى الشرق بكل مكوناته التاريخية والدينية والثقافية إلا أن الغرب متقدم على الشرق بأشواط كثيرة، والمشكلة أن سبب من أسباب تقدمه هو نفس السبب الذي يعتقد البعض أنه سبب من أسباب تخلفه -أي الغرب- ألا وهو روحانية الشرق! فتاريخ العرب هو ما يبقيهم في مكانهم لتمسكهم به ورفضهم للمضي قدماً إلى المستقبل، ودين المسلمين هو ما يعيقهم أيضاً عندما يكون فكرهم متوقف عند فكرة «هم في النار وأنا في الجنة، فلينعموا بالدنيا وأنا سأنعم بالآخرة!»، وهي فكرة لا يشجعها الإسلام بالمناسبة!
هل تكفي روحانية الشرق؟ لا يمكن نكران أهميتها، فهي جزء من هوية الشرق لكنها كفت في الماضي لأنها كانت بعض الشرق لا كله، أما الآن وبعد تشبع الشرق بروحانيته ونسيانه لأهمية العلوم الأخرى التي ساعدت في بناء تاريخه، فيجب الاعتراف بعدم كفاية هذه الروحانية في الحاضر وحاجة الشرق الماسة لمادية الغرب في المستقبل.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.


الخميس، 19 سبتمبر 2013

أسرار النجاح الستة

لا عجب في أن تبدأ كل كتب «تنمية الذات» بنفس المقدمة: «آمن بنفسك وبما تريده ثم صدقه كي تصل إلى المكان الذي تتمناه!»، ولا عجب في كون تلك الكتب، الأكثر مبيعاً في المكتبات التي تحط فيها! سر نجاح هذه الكتب والأشخاص الذين تحتضن قصصهم ليس في نفس الكلمات بل في فكرتها، وهي أن الشخص الذي يستقر عقله وقلبه في مكان ما، سيذهب به جسده إرادياً ولا إرادياً إليهما، وهذا يتطلب الإيمان الكامل بالفكرة، هذه المقدمة هي أول سر من أسرار النجاح، أما ثاني سر فهو الحذر من اليأس من المحاولة، وعدم الاستماع إلى مثبطي الهمم وأصحاب مقولة: «لن تنجح فيما تفعله -أو تتمناه-أبداً!»، هذا السر هو ما أوصل ستيف جوبز-الذي لم يستمع إلى الآخرين ولم يتوقف عن المحاولة- وشركته «آبل» من جراج عائلته إلى مكانها العالي والحالي بين الشركات الأميركية، وهذا السر هو ما جعل المخرج الأميركي ألفريد هيتشكوك يترك بصمته التاريخية على أفلام الرعب بعد فيلم psycho عندما أصر على أن نجاحه لن يتوقف عند فيلم north by northwest فصور فيلماً صار مرجع معظم أفلام الرعب والتشويق من بعده، رغم كل الإحباط الذي واجهه عند تصوير الفيلم من تعنت المنتجين إلى تشكيك النقاد.
السر الثالث هو الابتعاد عن الخوف بكل أنواعه: الخوف من المحاولة، الخوف من إجراء تعديل على خطة المستقبل، الخوف من الانفتاح والتعرض لأفكار جديدة، وأخطرها آخرها، لأن الفكرة التي لا تتطور، يكون مصيرها الموت في مهدها، ولنا في ذلك أمثلة شركات كثيرة منها ما كانت متخصصة في الهواتف النقالة، اشتهرت وانتشرت ثم تقلصت وانكمشت لأنها لم تتطور أو لم تسع إلى ذلك إلا بعد فوات الأوان.
السر الرابع هو نقل الفكرة أو الحلم من مكانها في داخل الإنسان إلى العالم الخارجي المادي، عن طريق وضعها على ورقة أو الإفصاح عنها لصديق أو العمل عليها أو غيره، فإن كان هناك شخص يحلم بإنشاء شركة دعاية وإعلان مثلاً فعليه اختيار اسم وعلامة لها واختيار العنوان المناسب لشركته مع كتابة كافة التفاصيل الصغيرة على ورقة كخطوة أولى، ثم البدء بتنفيذ مشروعه، كما أخرجه، وأهم وسائل هذا السر هو استخدام الخيال الذي يعتبر أقوى أدوات الإنسان على مر العصور.
والسر الخامس يكمن في الاستفادة من تجارب الآخرين، فالكاتب المبتدئ عليه قراءة كتب من سبقه من المخضرمين، والمخرج الصغير عليه مشاهدة أفلام العمالقة كوودي آلن وبيلي وايلدر، والرسام عليه العروج على تاريخ الفن والتعرف على المدارس المختلفة وأعمال أشهر الرسامين من مونيه إلى بيكاسو وفان جوج.
أما آخر الأسرار وأهمها بالنسبة لي هو الاستمتاع بالرحلة، فالوجهة مهمة لكن الطريق المؤدي إليها أهم، والأحلام جميلة، لكن النوم هو ما يسمح لها بزيارتنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر 

الخميس، 12 سبتمبر 2013

لدي حلم!

لدي حلم! أقولها على طريقة مارتن لوثر كنج، وعلى مذهب من سبقه وسبق غاندي، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
الحلم الذي سأحدثكم حوله مشابه لأحلامهم، دعوة إلى السلام ونبذ العنصرية، دعوة إلى الحب ونبذ الكراهية التي لا يحتاج معها المرء في العالم العربي إلى حاسة سادسة للشعور بوجودها.
الحلم الذي سأكتب لكم عنه قد يسميه البعض بالحلم العربي، وأنا سأسميه حلمي..
أحلم بأن يجيء اليوم الذي تلعب فيه دولتان عربيتان كرة القدم دون أن يكون الشيطان هو الحكم.
أحلم بأن يكون التنقل بين الدول العربية عن طريق البر سهلاً، ولكن يتطلب ذلك أن تكون الحدود بينها مفتوحة أولاً، ولذلك أتمنى أن تفتح الحدود بين الدول العربية كالجزائر والمغرب واللاتي أُغلقت الحدود فيما بينهما من عام ١٩٩٤ حتى يومنا هذا.
أحلم أن يتفق العرب على ألا يختلفوا، وأعرف أنه حلم صعب المنال ولكن ماذا لو كان طريق الصواب بيّناً وأُبعدت الأهواء عن الطاولة؟ لن يك,ن صعب المنال إلى تلك الدرجة عندها.
أحلم أن تبعد كلمة «لاجئ» عن قاموس الواقع العربي.
أحلم بإحياء مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: «‫النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».
أحلم بمرور يوم لا نقرأ فيه خبر مقتل أو جرح أي عربي في اليمن أو سوريا أو مصر أو أي في دولة أخرى على شريط الأخبار.
أحلم بعالم عربي بلا كراهية، بلا عنصرية وبلا طائفية! عالم يملؤه -إن لم يكن الحب- التعايش والاحترام. عالم يتقبل جميع من يعيش فيه بكل اختلافاتهم وتنوعاتهم وآمالهم وأحلامهم وآرائهم وتوجهاتهم، هذا هو العالم الذي أحلم به!
في «تويتر» أكثر الهاشتاقات العربية التي تنتشر -بعد هاشتاقات الفضائح- هي هاشتاقات الكراهية نحو العرب من العرب أنفسهم، وهذا ما جعل أحدهم يكتب أنه قرر أن يتابع الحسابات الناطقة باللغة الإنجليزية دون العربية ليتجنب هذه الهاشتاقات، وهذا ما كنت لوهلة أن أفعله لولا أنني توقفت لأتساءل: كيف لي أن أساهم في بناء العالم الذي أتمناه دون أن أكون جزءاً منه؟ «أقول لكم يا أصدقائي، رغم الصعوبات والإحباطات، ما زال لدي حلم...» -مارتن لوثر كنج.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر

الخميس، 5 سبتمبر 2013

الفن و أهله

في إحدى حلقات المسلسل الأميركي الشهير «Franklin &bash» يعترف أحد الشخصيات بأنه أخطأ عندما اعتقد أن الفن لا يمكن أن يكون إلا ضمن لوحة، أو في جمود صخرة أو لحن أغنية. تُصرح الشخصية بأن الفن قد يشمل الكثير،حتى مرافعة متقنة يلقيها محام على مسمع قاض أو هيئة من المحلفين.
الفن إذاً هو إبداع وتطوير وتغيير وإتقان، لا يمكن حصره في الإطارات التقليدية من رسم وشعر وموسيقى ونحت فقط، ولو حبسناه فيها لما كنا لنعتبر ما ينتج عن التكنولوجيا الحديثة فنا.
الفن أيضاً كما لُمح في فيلم never let me go هو ما يثبت لنا إنسانيتنا، وأننا لسنا بوحوش، فعن طريق الفن تنساب شاعريتنا وأحاسيسنا وأفكارنا، وأهم شيء تلميحاتنا لا تصريحاتنا.
أجمل ما قد يُصور الفن هو ما سمعته مرة: «الفن ليس وصفاً لما هو كائن، بل هو استشراف لما قد يكون» لهذا قرأنا عن الصواريخ قبل وجودها ولهذا شاهدنا الرحلات إلى القمر قبل حصولها. إذا كان العلم هو ما يصنع الحضارة فالفن هو ما يهذبها، فالعلم دون الفن كحديقة المدرسة الخلفية، يحتاج عشبها إلى تشذيب من أجل اللعب عليه.
في قطر، تشجع الحكومة على الفن، ومن أجل ذلك خصصت الكثير من المؤسسات والهيئات مثل مؤسسة الدوحة للأفلام، والتي رعت مهرجان ترايبكا السينمائي في الدوحة لسنوات، والهيئة العامة للمتاحف التي تظلل باهتمامها متحف الفن العربي الحديث ومتحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الوطني، والذي سيُفتتح مبناه الجديد والجميل بإذن الله عام ٢٠١٥، هذا بالإضافة إلى كلية فيرجينيا كومنولث للفنون الجميلة، وكلية UCL، والتي تقدم درجة الماجستير في تخصص المتاحف وحماية الآثار وعلم الآثار العربية والإسلامية في المدينة التعليمية. ولا أنسى الجمعيات المتعددة التي تستضيفها كتارا مدينة الثقافة والتراث، من جمعية المصورين والمهندسين إلى جمعية الشعراء، بجانب معارضها المتجددة والدائمة لفنانين قطريين وغير قطريين.
في قطر لا تضيع الفرص من الفنانين المبدعين، فإن لم يعثر عليهم الحظ، ستعثر عليهم المدارس والمعارض والشركات، وإن لم يعثروا عليهم ستعثر عليهم الصحف والوزارات، أما العثرة الوحيدة التي يمكن أن تسد طريق العثور عليهم هي عدم اتباعهم لشغفهم. هذا ما قد يقضي عليهم لا الفن، فالكتابة ليست مهنة من لا مهنة له، بل هي مهنة المغيرين والمؤثرين من الناس، والرسم ليس هواية، بل هو هوية وطريقة حياة.
هذا ما نحتاج إلى زرعه في مجتمعنا الذي نقول فيه لأبنائه كن طبيباً ولا تكن نحاتاً، كن رجل أعمال ولا تكن مخرج أفلام.
كل مهنة مهمة، والفن لا يختلف عن بقية المهن، بل إنه ما يعطيها طعمها وألوانها.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة #العرب القطرية
المصدر 

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...