الثلاثاء، 22 فبراير 2022

بطٌ و بجعات

 بطٌ و بجعات

 

 

 

سأل الناقد جورج براندز، الكاتب و الشاعر الدانماركي الكبير هانز كريستان اندرسن ذات مرة عما إذا كان قد فكر في كتابة قصة حياته، فأجابه أندرسن بأنه سبق له أن كتب قصة حياته في "حكاية فرخ البط القبيح".

و تدور حكاية فرخ البط القبيح، حول فرخ بط وُلد في مزرعة، فرفضته و تقززت منه و تنمرت عليه بقية البط التي رأت بأنه بشع و كبير الحجم، فبدأ فرخ البط رحلته في التنقل بين الحيوانات باحثاً عمن يحبه و يقبله كما هو، فكان الرفض يقابله من كل جهة، حتى خرج من المزرعة، و لكن الحال لم يكن أفضل في العالم الخارجي، فاضطر إلى العيش وحيداً إلى أن كبر و سئم الحياة. و قرر بعدما رأى سرب بجعات جميلة تحط على بحيرة قريبة منه، أن ينضم إليهم، فعلى الأقل إن رفضوه أو هاجموه ستكون نهايته على يد مخلوقات بديعة. اقترب البط القبيح من البجعات فابتهجوا لرؤيته و رحبوا به على عكس توقعاته. و تحت تأثير الصدمة، نظر البط إلى انعكاسه على وجه البحيرة، فتفاجئ بأنه بجعة بيضاء جميلة. لقد كان بجعة بيضاء جميلة طوال هذا الوقت دون أن يعي ذلك. ففرد جناحيه و طار مع السرب.. طار مع عائلته الجديدة.

لم و لن تكن قصة فرخ البط القبيح قصة هانز كريستان اندرسن و حسب. هي قصة كل انسان ذبل و كُسر و تعذب بين جماعة لم تحبه و لم تشجعه. هي قصة كل انسان أخفى فنه أو علمه أو هواياته كيلا ترفضه عائلته أو أصدقائه أو بيئته. هي قصة كل انسان مختلف ظن أن اختلافه "علة" لا (تفرد) بين أهله و ناسه و من حوله. قرأنا هذه القصة كثيراً و توجعنا من حدوثها مراراً و تكراراً. ظن البعض بأنهم لم يكونوا أبداً فرخ البط القبيح، لتأتي نهاية حياتهم و يعوا بأنهم كانوا طوال الوقت ذاك البط القبيح الذي لم يكن قبيحاً أبداً و لكنه كان بجعة لم تجد العائلة التي تحبها و تشجعها في حياتها.

يحيا البط الوسيم و تحيا البجعات المليحة، فلا وجود لفروخ البط القبيحة. هناك أناس مختلفين عنا و أناس يشبهوننا. هناك أناس سيتقبلوننا كما نحن و أناس سيرفضوننا لأننا نحن! هنالك ناس سيحبوننا و يكونون عائلتنا المختارة التي تشجعنا وتتمنى فوزنا في هذه الدنيا و هناك أناس قد يقفون ضدنا و يكرهون وجودنا! يقع علينا حمل البحث عن عوائلنا و أحبائنا و جماعتنا التي سننمو في ظلهم و بصحبتهم.. فهم من سيساعدوننا على إخراج أجنحتنا و يسعدون بالطيران معنا!

 

 

جواهر محمد آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


السبت، 19 فبراير 2022

قصة الحذاء الأحمر

  

 

 

يحكي الكاتب هانز كريستان اندرسن قصة فتاة صغيرة، هامت بحذاء أحمر لامع أعجبها أكثر من الحذاءبني اللون التي كانت ترتديهفاستبدلت حذائها بالحذاء الأحمر، و خرجت به للعالمو عندها بدأت الفتاةبالحركة، و الرقص.. لساعات.. لأيام.. لأسابيع.. لم تستطع الفتاة التوقف عن الرقصفرقصت حتى دمتساقاها و تقرحتو عرفت بأنها ستموت إن لم تتوقف عن الرقص، فطلبت من حطاب أن يقطع رجليهاكي تتوقفقطع الحطاب رجلي الفتاة، فتوقفت عن الرقص و ماتت.

هذه القصة الكئيبة و الحزينة، هي قصة عاشها و سيعيشها البعض. البعض ممن رفض حياتهم و أغرته حياة أخرى أجمل و أفضل و أسعد من تلك التي عاشها و سيعيشها. البعض ممن انساق وراء خدعة العشب دائماً أكثر اخضراراً في الجانب الآخر من السياج (THE GRASS IS ALWAYS GREENER ON THE OTHER SIDE). فولجوا إلى تلك الحياة "الأجمل" "الأسعد" "الأفضل". أجبروا واقعهم على الوجود في هذه الحياة و التركز فيها. فضغطوا على أنفسهم، و أحرقوا جميع أوراقهم، و لعبوا دوراً ليس بدورهم و عاشوا واقعاً ليس بواقعهم، لا يشبههم ولا يشبهونه. و خلال كل ذلك، فقدوا أنفسهم..

الفتاة لم ترضى بحذائها البني المريح. و اندفعت خلف الأحمر الأخاذ. و استمتعت به قليلاً. دارت و رقصت به للحظات، ثم أوجعها الرقص و الدوران. آلمتها رحلة الحذاء الأحمر. لم تستطع عليها و لم تقدر على التأقلم معها.

الحياة عبارة عن مجموعة أحذية. نستطيع اختيار منها ما نشاء من الأحجام و الألوان و الأشكال. لا بأس إن لم نرضى بالأحذية التي اُختيرت لنا أو تلك التي اخترناها ثم غيرنا من رأينا. العبرة في اختيار ما يناسبنا و يناسب بيئتنا سواء أكان ذلك على المستوى القريب أو البعيد. ما نختاره من حياة يجب أن يكون نابعاً من قرار نملكه و اقتنعنا به لا قرار اُتخذ بالنيابة عنا و بالرغم عنا، أو قرار غُررنا به! فعندما نختار حياة لا تناسبنا، سنتعب و نهلك و تفرغ طاقتنا في دور كان من المفترض به أن يكملنا لا أن يجعلنا ناقصين من الداخل و الخارج!

الفتاة في قصة اندرسن، لم تعرف بأن اللون البني قد ينتج عن طريق مزج اللون الأحمر و الأخضر.. لم تعرف بأنها كان لها أن ترقص و تسعد في حذاء آخر غير الأحمر اللامع. فلكل شخص خيار و اختيار، و لكل انسان دور يلعبه في هذه الحياة، كل ما عليه فعله هو أن يعرف ما دوره و ما اختياراته.. قبل أن يختار.

 

 

جواهر آل ثاني

 صحيفة الشرق

المصدر


الأربعاء، 9 فبراير 2022

السعادة الحقيقية

  

 

 

يتناول فيلم (BAD THERAPY) قصة عائلة سعيدة عبارة عن زوجين محبين يربيان ابنة شقية بعض الشيء كبقية الأطفال. تُقنع الزوجة نفسها بعد حوارها مع صديقة لها بأنها و زوجها بحاجة إلى الذهاب إلى طبيبة نفسية لحل مشاكل مثل المال و عدم إحساس الزوجة بالاكتفاء في حياتها. يطاوعها زوجها و يذهبان للطبيبة النفسية، ليبدأ بعدها الفيلم و تبدأ معه المشاكل الفعلية!

هذا الفيلم ليس دعوة إلى ترك أو عدم الأخذ بالعلاج النفسي، فالكثير يحتاج و يساعده الطب النفسي، و لكنها دعوة إلى عدم إصلاح غير المكسور كما يقولون! (IF IT AIN’T BROKE, DON’T FIX IT!). و فيه أيضاً رسالة إلى النظر داخل النفس البشرية و معرفة كوامنها و ما يسعدها و يكملها و يُرغّبها بالحياة! فالزوجة في الفيلم لم ترغب في تدمير حياتها.. كيف لشخص يبحث عن دماره الذاتي أن يذهب إلى طبيب نفسي؟! كل ما أرادته الزوجة هو إضافة عنصر ما لا تعرف كنهه أو حقيقته، ليُكمل حياتها! كانت تريد أن تجعل حياتها الجميلة.. أجمل! و أن تجعل علاقتها الممتازة مع زوجها و ابنتها.. أفضل! و في خضم كل ذلك، نست أنها سعيدة، و أنها تملك جميع أسباب السعادة في متناول يدها!

في أحيان كثيرة، تأخذنا الحياة بمشاغلها و مسائلها، فننسى بأننا سعيدين و مكتفين بحياتنا و أنفسنا. ننسى بأننا نعمل في وظيفة نحبها فيما غيرنا مجبور على وظيفة يكرهها. ننسى بأن لنا عائلات نبادلهم الحب، و على بعد خطوة أو اتصال منا بينما يعيش البعض حياته وحيد بلا انسان يسمعه أو يساعده في حياته. ننسى بأن لنا بيت يحفظنا بينما يصارع غيرنا يومياً باحثاً عن مأوى أو ملجأ! ننسى بأننا سعيدين قائمين جالسين بصحة يفتقدها غيرنا! ننسى بأننا نعيش حياة سعيدة تكفينا و لا ينقصها شيء! جميعنا عرضة لأن ننسى كم هي ثرية حياتنا بصحتنا و عوائلنا و وظائفنا التي نحبها و تعيلنا، و لكن الأهم من ذلك ألا نجحد ما نحن فيه من نعم عندما نشعر بنقص في حياتنا في لحظات شحيحة نشعر بأنها تدوم عمراً! كأن نشعر بأننا محبطين عندما تمر العطلة الصيفية دون أن نستطيع السفر لعدم تمكننا من أخذ إجازة من العمل! أو أن نشعر بأننا بائسين عندما نشتري سيارة على قد حالنا بدل من شراء سيارة الأحلام! استسلامنا لهذه اللحظات الصغيرة المارة في حياتنا قد يقلب دنيانا السعيدة إلى دنيا تعيسة دون أن نشعر! و ننسى بالفعل إن كانت تعاستنا حقيقية أم لا!

السعادة الحقيقية تكمن في داخلنا.. في اكتفائنا بأنفسنا و حياتنا، أما التعاسة الحقيقية فهي امتلاك كل شيء، و عدم الاكتفاء رغم ذلك! و الخيار لنا في النهاية بين هذه و تلك.

 

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


اهتداءات

  

 

نقرأ لنتعلم و لنهتدِ و لنتثقف و لنخرج من تحت جلدنا إلى مكان أوسع و أجمل، به نكون ما نريد أو مالا نريد!

نسأل لنأخذ الرأي و لنفهم و لنبحث و لنسمع من غيرنا مالم تقله قلوبنا أو ما همست به عقولنا و رفضناه!

نمارس الرياضة كي نُريح أنفسنا من العضو الوحيد من أجسادنا الذي يتحرك بلا رياضة.. عقلنا!

نعمل كي نغذي جيوبنا و عوائلنا و غرورنا.. ملاحقين المال و السمعة و النفوذ.. مُفنين أعمارنا في محاولة إثبات قيمتنا لأناس نعرفهم و أناس لا نعرفهم!

نبحث عن المال لأننا نرى صور السعادة التي يمكن شراؤها في انستجرام، و نبحث عن النفوذ لأننا نقرأ أسماء المشاهير في الصحف اليومية، و نبحث عن السمعة لأن.. "الصيت و لا الغنى"!

ننام كي نرتاح من واقعنا السعيد و الحزين. لا تصدقوا من يقول بأن السعيد لا ينام، فالبديل عن النوم هو الجنون!

نكبر لأن ما يجري حولنا لا يمكن لطفل أن يتحمله أو لشاب أن يتجمل أمامه.

نشيخ لأن الدنيا لا تقبل الوقوف بالزمن ولا المكان، و لهذا تتعرى الجبال و تُزهر الأنهار!

نكتب لأن البوح للورق أسهل و أخف علينا من التلميح بألآمنا لإنسان قد يفهم و من ثم يتجاهل ما فهمه لئلا يعكر مزاجه و يثقل لسانه ببضع عبارات مواساة!

نرسم لأن الدنيا أجمل على القماش. و نلون القماش كي نصبح نحن أجمل ما الدنيا!

نحب لأن هذه هي فطرتنا و ما خُلقنا من أجله. ألم يُخلق آدم ليعبد الله و يحبه؟

نسافر لنفارق و لنجتمع مع أحبتنا أو مع أنفسنا.. ففي تغيير المكان انتعاش للعقل و هدوء و مراجعة للنفس.

نلعب كيلا يبتلعنا ثقل الوجود اليومي.

نهتم لأن عدم الاكتراث يعني عدم الحياة.. و عدم الموت أيضاً!

نداوي لأننا تعبين و نعرف أثر الجرح أكثر من المجروحين!

نغني كي يعلو صوتنا على نشاز الدنيا، و ندوزن الآلاتنا الموسيقية كي نشعر ببعض السيطرة حول ما يجري حولنا، فلربما حرف دو يجعل غداً أهون، و لربما حرف صول يجعل ما بعد الغد أيسر أكثر و أكثر!

نرقص لأن الرقص أكثر فعل يعبر عن الحياة، و يجذب أجمل ما فيها، و لأننا بلا الرقص و الموسيقا، كتل جامدة، لن تقبل بنا سوى متاحف العقل المملة!

نتعبّد لئلا يكون كل هذا بلا سبب!

 

 

 

جواهر محمد آل ثاني

صحيفة الشرق 

المصدر



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...