يحكي الكاتب هانز كريستان اندرسن قصة فتاة صغيرة، هامت بحذاء أحمر لامع أعجبها أكثر من الحذاءبني اللون التي كانت ترتديه. فاستبدلت حذائها بالحذاء الأحمر، و خرجت به للعالم. و عندها بدأت الفتاةبالحركة، و الرقص.. لساعات.. لأيام.. لأسابيع.. لم تستطع الفتاة التوقف عن الرقص. فرقصت حتى دمتساقاها و تقرحت. و عرفت بأنها ستموت إن لم تتوقف عن الرقص، فطلبت من حطاب أن يقطع رجليهاكي تتوقف. قطع الحطاب رجلي الفتاة، فتوقفت عن الرقص و ماتت.
هذه القصة الكئيبة و الحزينة، هي قصة عاشها و سيعيشها البعض. البعض ممن رفض حياتهم و أغرته حياة أخرى أجمل و أفضل و أسعد من تلك التي عاشها و سيعيشها. البعض ممن انساق وراء خدعة العشب دائماً أكثر اخضراراً في الجانب الآخر من السياج (THE GRASS IS ALWAYS GREENER ON THE OTHER SIDE). فولجوا إلى تلك الحياة "الأجمل" "الأسعد" "الأفضل". أجبروا واقعهم على الوجود في هذه الحياة و التركز فيها. فضغطوا على أنفسهم، و أحرقوا جميع أوراقهم، و لعبوا دوراً ليس بدورهم و عاشوا واقعاً ليس بواقعهم، لا يشبههم ولا يشبهونه. و خلال كل ذلك، فقدوا أنفسهم..
الفتاة لم ترضى بحذائها البني المريح. و اندفعت خلف الأحمر الأخاذ. و استمتعت به قليلاً. دارت و رقصت به للحظات، ثم أوجعها الرقص و الدوران. آلمتها رحلة الحذاء الأحمر. لم تستطع عليها و لم تقدر على التأقلم معها.
الحياة عبارة عن مجموعة أحذية. نستطيع اختيار منها ما نشاء من الأحجام و الألوان و الأشكال. لا بأس إن لم نرضى بالأحذية التي اُختيرت لنا أو تلك التي اخترناها ثم غيرنا من رأينا. العبرة في اختيار ما يناسبنا و يناسب بيئتنا سواء أكان ذلك على المستوى القريب أو البعيد. ما نختاره من حياة يجب أن يكون نابعاً من قرار نملكه و اقتنعنا به لا قرار اُتخذ بالنيابة عنا و بالرغم عنا، أو قرار غُررنا به! فعندما نختار حياة لا تناسبنا، سنتعب و نهلك و تفرغ طاقتنا في دور كان من المفترض به أن يكملنا لا أن يجعلنا ناقصين من الداخل و الخارج!
الفتاة في قصة اندرسن، لم تعرف بأن اللون البني قد ينتج عن طريق مزج اللون الأحمر و الأخضر.. لم تعرف بأنها كان لها أن ترقص و تسعد في حذاء آخر غير الأحمر اللامع. فلكل شخص خيار و اختيار، و لكل انسان دور يلعبه في هذه الحياة، كل ما عليه فعله هو أن يعرف ما دوره و ما اختياراته.. قبل أن يختار.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق