الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

أسئلة عن المرأة القطرية

شاهدت الأسبوع الماضي مقابلة تلفزيونية يديرها توفيق مجيد على قناة فرانس ٢٤ مع أحد رواد الأعمال في قطر. كان عنوان المقابلة: كيف ترى المرأة القطرية نفسها؟ وكان خير من اختير للإجابة على هذا السؤال الشاق من نواحي اجتماعية وثقافية وإعلامية، الشابة مريم السبيعي.

توالت الأسئلة في المقابلة التلفزيونية وكأن قطر في كوكب آخر غير كوكب الأرض، وكأن المرأة القطرية تنتمي إلى جنس مختلف عن الجنس البشري، ولربما كان العنوان الأنسب للمقابلة: أين هي المرأة القطرية؟ بدل السؤال عن منظورها الشخصي ناحية المواضيع المختلفة، ولا لوم على مقدم البرنامج أو مُعدِّيه في ذلك، فالواقع يبين حجم التقصير في إبراز المرأة القطرية ودورها المجتمعي في الإعلام الداخلي والخارجي، فالكثير من الناس غير المقيمين في قطر لا يعون الدور الذي تأخذه المرأة القطرية على عاتقها في المجالات المتنوعة بين الدولة والمجتمع، المرأة القطرية تتمتع بكافة الحقوق والحريات، والمكفولة من قبل الدستور والقانون، هي وزيرة، ونائبة، وقاضية، وكاتبة، ومديرة، ومعلمة، ودكتورة، وأم، ورئيسة تنفيذية، وطيارة، وشرطية، ورائدة أعمال، هي أي شيء تريده ويُساوي حقها في ذلك، حق الرجل القطري. 
إذاً، أين المشكلة؟ المشكلة بأن المرأة القطرية غائبة نوعاً ما عن الساحة الإعلامية، وهذا بدوره يؤثر على التعريف بالمجتمع القطري ككل بعاداته وتقاليده ومبادئه الراسخة من مساواة وعدل وكرامة واحترام للمرأة والرجل وبينهما، إذ، كيف يُفترض التعريف بمجتمع ما، بغياب نصف كامل منه؟.
التغطية الإعلامية الوطنية للمرأة والمجتمع القطري ليست بتلك القوة، ولا يوجد استقطاب للإعلام الخارجي للتعريف بالمرأة القطرية، والمسألة ليست مسألة خجل اجتماعي وحسب، من جانب المجتمع القطري، المسألة تتعدى إلى ضعف الإعلام الوطني في إبراز المرأة والمجتمع القطري وعدم تقديمهما إلى الإعلام الخارجي، إذاً فالمسؤولية تقع على وزارة الثقافة والرياضة والإعلام الوطني للعمل أكثر على إبراز حقيقة المجتمع القطري، وبالتالي مساعدة الإعلام والمجتمع العالمي على تمحيص معلوماته، ولا أنسى دور جميع المسؤولين في المحافل الدولية التي تقيمها قطر بين الفينة والأخرى.
مسؤولية إبراز وتقديم المرأة القطرية للعالم كبيرة، حيث إن التعريف بها يعني بالضرورة، التعريف بالمجتمع القطري ككل، وبالتالي تمحيص صورة قطر الحقيقية.



جواهر آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



كان يا مكان




(١)
هناك عنصر ننساه دائماً في اللحظات الصغيرة، و إن وضعناه نصب أعيننا في اللحظات الكبيرة. هذا العنصر هو المكان، الذي لا نعيره أي اهتمام وقت المناسبات العائلية، و يكون كل اهتمامنا وقت السفر أو في المناسبات الفارقة مثل الزواجات أو ولادة مولود جديد.

(٢)
المكان هو المؤثر الأول قبل الزمان، و هو البطل الرئيس في المسرحيات و الروايات مثل رواية طوق الحمام لرجاء عالم و نادي السيارات لعلاء الأسواني.
من المكان تنبعث الروائح و الذكريات و الأصوات و المعاني، فتتأثر الذائقة الموسيقية للفرد و الأغاني.. و كيف لا و الآلات الموسيقية صُنعت قديماً من محتويات المكان نفسه! الربابة و العود و الدفوف ما هي إلا أمثلة لتأثير المكان على الأشياء و الانسان.. الانسان الذي ما إن يذهب إلى مكان جديد حتى حمل في ذاكرته ذكريات جديدة، و ما إن يرحل إلى مكان قديم حتى استرجع الذكريات المميزة له، فيه. و الانسان نفسه يختلف من مكان إلى آخر. انسان الصحراء يختلف عن انسان الغابة. انسان المكان البارد ليس كانسان المكان الحار. كل واحد منهم يأخذ صفاته من بيئته الذي وضع خطوطها العريضة.. المكان.

(٣)
الأماكن بلا قوة دون مضمون.. فغرفة مثل غرفة مداولات لجنة المحلفين الرمادية في 12 angry men و الذي صورت فيها معظم مشاهد الفيلم، تساوي مئة مكان جميل في مئة فيلم متوسط الجودة، حيث أن المضمون صنع المكان بقوته و أفضى عليه من جماله. و الانسان يصنع أهمية المكان، و إن كان مسقط رأسه أو وطنه، حيث أنه إن سُلب من الحرية و الاحترام و الكرامة و العدالة فيهما، فلن يعني له المكان شيء. و إن أُعطيت حقوقه له في مكان آخر، فذلك بيته و مكانه.

(٤)
الغالب هو خضوع أهمية المكان للانسان، لا خضوع الانسان لأهمية المكان، حيث أن الإنتماء شعور فطري انساني لأي مكان يجد الانسان نفسه فيه، و هذا شعور عن ألف مكان و مكان. لا يُكتب و لا يُدرس و لن يُقرأ في هذه المقالة.. سيُقرأ في مكان القارئ، و حسب.



جواهر محمد آل ثاني

الخميس، 6 أكتوبر 2016

إلى قوافل الكُتاب

اختيار الكتابة كمهنة يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والتواضع. الشجاعة يحتاجها المرء ليواجه غيره بها، سواء أكان الغير أبا لا يتقبل الكتابة كعمل رئيس لا ثانوي أو كان الغير ناقدا سينتقد أي شيء حتى طريقة مشي الكاتب وملابسه، أما التواضع، فيحتاجه الكاتب ليواجه نفسه وكتاباته. التواضع أمام الوقت والأفكار ومصادر الإلهام حول العالم. هذا التواضع يساعد الكاتب على الكتابة.. فما بقاؤه أمام شاشة الكمبيوتر أو الورقة وبيده قلم لساعات ينتظر فيها كتابة حرف إلا تواضعاً منه لنفسه ولما اختاره.. الكتابة.
إذن، فالشجاعة قبل وبعد مرحلة الكتابة. وشجاعة الكاتب تستمر معه طوال حياته. والتواضع قبل وأثناء الكتابة. وتواضع الكاتب يُلمس في كتاباته قبل أقواله وأفعاله.
وإن كانت شجاعة الكُتاب واحدة، فإن تواضعهم ليس كذلك. هناك من يتذلل للقلم حتى تخرج الكلمات أو يخطط ويجهز لعبورها إلى الورق بسلاسة، وهناك من يضغط قطيع الكلمات رأسه، حتى تتحرر عبر سياج الأذنين أو الأنف أو حتى إصبع القدم الصغيرة دون الفم، كيلا يُتهم الكاتب بالكذب. من مروا بهذه اللحظة وإن كان ذلك نادراً هم الكتاب الحقيقيون. هم الذي كتبوا دون خوف أن يأتي الغد دون كلمات. هم الذين كتبوا بشجاعة وتواضع مربوطين بحبل أمل، لا يملكه سوى الكتاب المُجددون.
وغير ذلك من أنواع الكُتاب، لا ينتهي، منها وأهمها سارق الفكرة وقاتل اللغة وعديم الذوق ومتغير الأسلوب وحافظ الكلام. وأسميهم كتاب لأن الجمهور أسماهم بذلك ولأن بعضهم يملك صفة في مجال ما، يفقدها في مكان آخر. فسارق الفكرة قد يكون بارع الكلمة. وقاتل اللغة، صاحب أفكار جديدة ومهمة. وعديم الذوق، ذويق في أشياء وأشياء، ومتغير الأسلوب كامل في كل شيء إلا مستوى الأسلوب. وحافظ الكلام، مبهر وإن كان يردد آراء غيره من الكتاب.
في النهاية والبداية، قد تبدو الكتابة أمام الكاتب قبل الغير، بأنها اختيار، لكن الكاتب الحقيقي يعرف بأن تلك ليست الحقيقة. أيوجد إنسان عاقل يختار شقاءه؟ نعم. ما يختاره الكاتب ليس طريقا ولا مهنة، هو يختار العناء والفناء. يختار أن يفني عقله وجسده بإرادته الكاملة. يقتل أفكاره على الورق، ويقتل جسده على كرسي الكتابة، برسم القلم. يختار عزلته ووحدته ويختار بثه وحزنه. وقد يلاقي بعض السعادة من بين اختياراته.
أن تكون كاتبا يعني أن قراءاتك لما كتبته لن تعني لك شيئاً، لأنك تعرفه مسبقاً، ولكنك ستملك الشجاعة كي تتمسك بما اخترته والتواضع كي تعترف بأن كل ما قاله كاتب آخر -هو أنا- صحيح مائة بالمائة ويمثلك.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأحد، 2 أكتوبر 2016

كلمة


(١)
تمتلئ الدنيا بالحكاوي و الذكريات و الناس و الأصوات و الصور و الروائح و القدرات و النكت و أهم شيء في ناظري، الكلمات. و ما أكثر الأشياء العاملة كضوء أحمر، تذكرنا بأشياء أخرى تشبهها أو تناقضها. نسمع نكتة، فنتذكر الشعب المصري العظيم الذي ما زال رغم الأهوال المحيطة به، يتحفنا بمزح جديدة. نشاهد فيلماً هندي فنقارنه بأفلام عربية أو أخرى من هوليوود. نقول مثلاً ظنناه حصري على الثقافة الخليجية، فنجد ما يقاربه عند أهل الشام أو لدى الأوروبيين. نشم عطراً فرنسي ليطرأ على البال رغم التفاوت دهن عود هندي أو مسك أبيض وضعناه بعد الاستحمام.

(٢)
فكرة جلبت فكرة. أشياء جرت أشياء و كأننا اختزلنا هذه الأمور فيما تذكرنا به أو نربطه بها. و نحن البشر نحب اختصار الأمور و اختزالها. إذا كان هنالك كتاب فالأكيد بأن هناك ملخص عنه. و إذا كانت هناك رواية فالأكيد بأن فيلماً عنها سيلحقها. و إذا وُجدت أغنية، فلها نسخة قصيرة. و إذا كان هناك اسم، فله تدليل. مثلما حاولنا اختصار روائح مدن في قوارير للعطور. مثلما سجلنا أصوات الشوارع و أطلقنا على الاسطوانة مومباي أو القاهرة. مثلما تظهر في أذهاننا صور جاهزة لمدن لم نطأها يوماً. مثلما يحاول براندن ستانتن اختزال نيويورك بانسانيي نيويورك و قصصهم.
اختصرنا كل ذلك في عقولنا و ساعدنا غيرنا على ذلك و إن لم تكن تلك الحقيقة.

(٣)
لماذا الاختصار و الاختزال؟ لماذا نطلب التعريفات بكلمة أو كلمتين؟ بدقيقة أو بدقيقتين؟
حفاظاً على الوقت؟ حفاظاً على أنفاس نعرف بأنها ستُهدر؟ ابتعاداً عن الضجر أم قرباً من الإجابات الواضحة؟
أياً كانت الإجابة، سأختصر قطر بكلمة للقريب: وطن.
و كلمتين للغريب: كعبة المضيوم.
و المقالة سأختزلها بأنا، و الأصح أن أوجز نفسي بها.

تنويه:
لا توجد اسطوانة باسم مومباي أو القاهرة، و لكنها فكرة تستحق العناء.




جواهر محمد آل ثاني

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...