(١)
هناك عنصر ننساه دائماً في اللحظات الصغيرة، و إن وضعناه نصب أعيننا في اللحظات الكبيرة. هذا العنصر هو المكان، الذي لا نعيره أي اهتمام وقت المناسبات العائلية، و يكون كل اهتمامنا وقت السفر أو في المناسبات الفارقة مثل الزواجات أو ولادة مولود جديد.
(٢)
المكان هو المؤثر الأول قبل الزمان، و هو البطل الرئيس في المسرحيات و الروايات مثل رواية طوق الحمام لرجاء عالم و نادي السيارات لعلاء الأسواني.
من المكان تنبعث الروائح و الذكريات و الأصوات و المعاني، فتتأثر الذائقة الموسيقية للفرد و الأغاني.. و كيف لا و الآلات الموسيقية صُنعت قديماً من محتويات المكان نفسه! الربابة و العود و الدفوف ما هي إلا أمثلة لتأثير المكان على الأشياء و الانسان.. الانسان الذي ما إن يذهب إلى مكان جديد حتى حمل في ذاكرته ذكريات جديدة، و ما إن يرحل إلى مكان قديم حتى استرجع الذكريات المميزة له، فيه. و الانسان نفسه يختلف من مكان إلى آخر. انسان الصحراء يختلف عن انسان الغابة. انسان المكان البارد ليس كانسان المكان الحار. كل واحد منهم يأخذ صفاته من بيئته الذي وضع خطوطها العريضة.. المكان.
(٣)
الأماكن بلا قوة دون مضمون.. فغرفة مثل غرفة مداولات لجنة المحلفين الرمادية في 12 angry men و الذي صورت فيها معظم مشاهد الفيلم، تساوي مئة مكان جميل في مئة فيلم متوسط الجودة، حيث أن المضمون صنع المكان بقوته و أفضى عليه من جماله. و الانسان يصنع أهمية المكان، و إن كان مسقط رأسه أو وطنه، حيث أنه إن سُلب من الحرية و الاحترام و الكرامة و العدالة فيهما، فلن يعني له المكان شيء. و إن أُعطيت حقوقه له في مكان آخر، فذلك بيته و مكانه.
(٤)
الغالب هو خضوع أهمية المكان للانسان، لا خضوع الانسان لأهمية المكان، حيث أن الإنتماء شعور فطري انساني لأي مكان يجد الانسان نفسه فيه، و هذا شعور عن ألف مكان و مكان. لا يُكتب و لا يُدرس و لن يُقرأ في هذه المقالة.. سيُقرأ في مكان القارئ، و حسب.
جواهر محمد آل ثاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق