الخميس، 6 أكتوبر 2016

إلى قوافل الكُتاب

اختيار الكتابة كمهنة يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والتواضع. الشجاعة يحتاجها المرء ليواجه غيره بها، سواء أكان الغير أبا لا يتقبل الكتابة كعمل رئيس لا ثانوي أو كان الغير ناقدا سينتقد أي شيء حتى طريقة مشي الكاتب وملابسه، أما التواضع، فيحتاجه الكاتب ليواجه نفسه وكتاباته. التواضع أمام الوقت والأفكار ومصادر الإلهام حول العالم. هذا التواضع يساعد الكاتب على الكتابة.. فما بقاؤه أمام شاشة الكمبيوتر أو الورقة وبيده قلم لساعات ينتظر فيها كتابة حرف إلا تواضعاً منه لنفسه ولما اختاره.. الكتابة.
إذن، فالشجاعة قبل وبعد مرحلة الكتابة. وشجاعة الكاتب تستمر معه طوال حياته. والتواضع قبل وأثناء الكتابة. وتواضع الكاتب يُلمس في كتاباته قبل أقواله وأفعاله.
وإن كانت شجاعة الكُتاب واحدة، فإن تواضعهم ليس كذلك. هناك من يتذلل للقلم حتى تخرج الكلمات أو يخطط ويجهز لعبورها إلى الورق بسلاسة، وهناك من يضغط قطيع الكلمات رأسه، حتى تتحرر عبر سياج الأذنين أو الأنف أو حتى إصبع القدم الصغيرة دون الفم، كيلا يُتهم الكاتب بالكذب. من مروا بهذه اللحظة وإن كان ذلك نادراً هم الكتاب الحقيقيون. هم الذي كتبوا دون خوف أن يأتي الغد دون كلمات. هم الذين كتبوا بشجاعة وتواضع مربوطين بحبل أمل، لا يملكه سوى الكتاب المُجددون.
وغير ذلك من أنواع الكُتاب، لا ينتهي، منها وأهمها سارق الفكرة وقاتل اللغة وعديم الذوق ومتغير الأسلوب وحافظ الكلام. وأسميهم كتاب لأن الجمهور أسماهم بذلك ولأن بعضهم يملك صفة في مجال ما، يفقدها في مكان آخر. فسارق الفكرة قد يكون بارع الكلمة. وقاتل اللغة، صاحب أفكار جديدة ومهمة. وعديم الذوق، ذويق في أشياء وأشياء، ومتغير الأسلوب كامل في كل شيء إلا مستوى الأسلوب. وحافظ الكلام، مبهر وإن كان يردد آراء غيره من الكتاب.
في النهاية والبداية، قد تبدو الكتابة أمام الكاتب قبل الغير، بأنها اختيار، لكن الكاتب الحقيقي يعرف بأن تلك ليست الحقيقة. أيوجد إنسان عاقل يختار شقاءه؟ نعم. ما يختاره الكاتب ليس طريقا ولا مهنة، هو يختار العناء والفناء. يختار أن يفني عقله وجسده بإرادته الكاملة. يقتل أفكاره على الورق، ويقتل جسده على كرسي الكتابة، برسم القلم. يختار عزلته ووحدته ويختار بثه وحزنه. وقد يلاقي بعض السعادة من بين اختياراته.
أن تكون كاتبا يعني أن قراءاتك لما كتبته لن تعني لك شيئاً، لأنك تعرفه مسبقاً، ولكنك ستملك الشجاعة كي تتمسك بما اخترته والتواضع كي تعترف بأن كل ما قاله كاتب آخر -هو أنا- صحيح مائة بالمائة ويمثلك.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...