الخميس، 30 أغسطس 2012

شأن داخلي

كل شعوب العالم تهتم بشؤون دولها، سواء أكانت الداخلية أو الخارجية، ولا يمنع ذلك من وجود طبقة منهم لا تهتم ولا تلتفت للأمور السياسية، التي يراها البعض منهم «مزعجة» و»ثقيلة دم»، ولكن حتى هذه الطبقة قد تلتفت إلى شؤون وعلاقات دولها السياسية إذا ما تلقفها العالم والناس، فعلقوا عليها وتحدثوا عنها. هذه ظاهرة طبيعية حيث إن الناس لن يتوقفوا عن الكلام، والكلام يجذب الانتباه، خاصة إن كان الحديث عن السياسة، التي يجذب الحديث عنها الناس، أكثر مما يجذبهم خبر عن أحد المشاهير، الذين يتصدر أيضاً قائمتهم الكثير من الساسة! لكن ما هو غير طبيعي، هو قيام بعض أفراد وحتى مسؤولي دول مختلفة -عربية- بمهاجمة شعوب ومسؤولي دول مجاورة، وتوجيه الخطاب لهم، بطريقة فوقية استهزائية، وفي بعض الأحيان على نحو تهديد، في حالة حدوث حدث سياسي أو غيره، كبيراً كان أو صغيراً في تلك الدول! ويقولون إن هذا هو من حقهم ومن حريتهم –ما لم يشب الأمر سب أو شتم أو عنصرية وطائفية-، والحقيقة أنهم لهم حق حرية التعبير والرأي ما لم يتعدوا بحرياتهم على حرية أحد. ومع ذلك، يقع نفس هؤلاء في تناقضات عندما يمجدون حرياتهم وحقوقهم، وهم يخاطبون الأحداث التي تحصل حولهم و»حولنا»، ويمنعون الآخرين من الحديث عما يجري «حولهم» فيقولون: ويحكم إن هذا إلا شأن داخلي يخصنا! وهنا يقع الخلل الذي يثقب جدار حرياتهم التي يصبغونها على أنفسهم ويمنعون الناس منها.
لكل دولة شؤونها الخاصة التي تستطيع أن تمنع دولة أخرى من التدخل فيها للتأكيد على سيادتها الداخلية والخارجية، ولكن لا تستطيع نفس الدولة منع الأفراد والأجانب من التعليق أو التحدث بشأنها، لأن هذا كله لا يُعد تدخلاً ما دام بعيداً عن الاتهام والتحريض والأفعال الأخرى التي تعد دولياً غير قانونية. وبعد الثورات العربية، انفتح العرب على شؤون بعضهم، الداخلية والسياسية خاصة، فقرؤوا وشاهدوا وسمعوا عنها ثم تحدثوا وكتبوا وعلقوا عليها في خطوة لتوسيع المدارك الفكرية السياسية، والثقافية، والاجتماعية، فترى العربي يتابع أحداث تونس، ويعرف تحركات الإخوان في مصر، ويكتب عن انتخابات ليبيا، ويهتم بزيارات ولقاءات مسؤولي الخليج، فُيعلق على أي حدث يشد لسانه، وهذا من حقه، كما هو من حق أي طرف آخر يريد الحديث في نفس القضية، وكما هو ليس بمقدور أي منهما منع الآخر من هذا الحق، وإن تسلح أحدهما بكلمتي «شأن داخلي»! فكيف يسمح لنفسه ويمنع غيره؟!
أفسحوا لغيركم المساحة التي تفسحونها لأنفسكم، استخدموا حرياتكم بحدودها، ولا تمنعوها الآخرين، فالناس تستسيغ المساواة، خاصة في حرية التعبير!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 23 أغسطس 2012

عيد المتنبي وعيدنا

من منا لا يعرف بيت المتنبي المشهور والقائل: «عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد»! من منا لم يمل سماعه أو حتى قوله في الأيام الماضية؟! هذا البيت الذي ينتشر في العيد خاصة، أصبح مستهلكاً لدرجة أنه فقد لمسة المتنبي الذي كتبها، فهذا البيت من الأبيات التي فقدت لذتها بسبب كثرة الاستعمال في مناسبة واحدة تتكرر سنوياً مرتين! فأصبح البعض لا يقول «كل عام وأنتم بخير» إلا ويلحقها ببيت المتنبي، الذي لو علم بهذا الأمر لما تحسر على نفسه وعيده فقط، بل تحسر على أعيادنا كلها!
العيد هو فرصة للفرح ولصلة الرحم والاستيقاظ المبكر والسلام على الأهل وتوزيع الابتسامات والحلوى. العيد- وخاصة عيد الفطر- هو كرم من الله علينا، ورفق بعد شهر كامل من التعب ومجاهدة النفس، فما فائدة استقباله بروح سلبية؟ لماذا لا نستقبل العيد كما نستقبل شهر رمضان الفضيل، فليس هو بأقل منه، وقد جعله الله بداية لما بعد الشهر الكريم، وكأنه صفحة بيضاء جديدة ننطلق منها إلى الحياة مرة أخرى!
الحقيقة هي أننا -العرب- شعب جُبل على الحزن والهم والتأكيد عليهما! لا بسبب غزو الآخرين لنا، بل بسبب معاركنا مع أنفسنا وما بيننا! فنحن الذين خلقنا هذا الحزن كما خلق المتنبي بيت «رثاء العيد»! نرثي العيد بدل أن نمتدحه بسبب أحوالنا التي حالت من سيئ إلى أسوأ! فكما كنا في هذا الوقت من السنة الماضية نحمد الله على التقدم في ليبيا، نبكي الآن، ونندب حظوظنا فيما يحصل ويتركه المجتمع الدولي ليحصل في سوريا! لم يتوقف إجرام النظام الأسدي في شهر رمضان ولا حتى في آخره، وبالطبع لن يتوقف في العيد فهو لا يفرق بين الأيام، ولا بين أفعال الشيطان وأفعال الإنسان، ولكن الأكيد أن الثورة السورية لن تتوقف ولن تقف أمام أي تهديد أو خوف باتجاه النظام ومجازره، بل ستكمل لأيام قد تقصر في صدور السوريين الشجعان وتطول في صدورنا مع الدعاء، ولكنه بصيص الأمل الذي لا يموت! فما كان لثورة أن تفشل ولشعب أن يسقط وهو يقاتل العالم كله من أجل الحرية! بل يسقط العالم الذي يتآمر على هذا الشعب الصامد لوحده! ويسقط الطاغية والعيد الذي يخرج صوره في التلفاز!
التجديد في هذا العيد يكمن في وحدة قلوب العرب باتجاه القضية السورية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في لبنان. نعم، مكان سوريا الحساس من جميع النواحي، صعب الأمر على الثورة السورية، لكن الانشقاقات الأخيرة والتقدمات التي ما إن تتباطأ حتى تتسارع، تؤكد أن نجاح الثورة السورية واقع، سواء أكان ذلك عاجلاً أم آجلاً، وتغنينا ببيت المتنبي ليس دليلاً إلا على الرضا بحالنا وحال العرب والقناعة بأننا عاجزون عن الحركة! وهذا غير صحيح، يمكننا البدء عن طريق الفرح بالعيد والابتسامة والدعاء لأنفسنا ولإخواننا المسلمين في كل مكان، كخطوة صغيرة ما إن نفعلها حتى تتلاحق بقية الخطوات!
وكل عيد وأنتم بخير!


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 16 أغسطس 2012

من الأرض إلى المريخ

في ٦ أغسطس ٢٠١٢، حط المسبار الفضائي كيوريوستي الأميركي على المريخ، كسابقة صفق لها الإنسان والتاريخ!
(1)
بدأ العمل على مسبار فضول في ٢٠٠٤، وانطلق إلى وجهته -المريخ- في نوفمبر ٢٠١١، فماذا فعل العرب في نفس هذه المدة؟ وهل حددوا وجهة أصلاً؟
(2)
تساءلت في الأسبوع الماضي: ماذا لو جئنا بفريق كيوريوستي المريخي وفريق المريخ السوداني، فمن سيشجع العرب؟ ثم تساءلت: وهل يعرف أحد منا أسماء ١١ باحثاً على الأقل من الفريق الأول، كما يحفظ البعض أسماء لاعبي الفريق الثاني؟ وهل يبالي أحد بأنه ضمن فريق عمل رحلة كيوريوستي باحث عربي اسمه نور الدين مليكشي، يقيم في الولايات المتحدة، وتعتمد عليه الدولة وناسا كما تعتمد على آلاف العقول العربية المهاجرة؟!
(3)
يستطيع الفضول أن يوصل الإنسان إلى أي مكان أو شيء يريده، ولأن الأمريكان آمنوا بأن هذا الشعور الغريزي قادر على إيصالهم إلى أعلى المراكز، استثمروا وقتهم وأموالهم في البحث العلمي، ليصل بعد ذلك خبر نزول «فضولهم» على المريخ!
(4)
كلفة المسبار الفضائي فضول 2.5 مليار دولار. بعد قراءة هذه المعلومة يجب أن نقر بأن هذا المبلغ أكبر من الميزانية التي تخصصها بعض الدول العربية لمجال البحث العلمي، ثم نرجع لنقر بأن هناك فعلاً مشاريع «أرضية» تقيمها بعض هذه الدول بميزانية تقارب المليارين ونصف، ولكن الفرق هو أن هذه المشاريع قد لا تصل إلى وجهتها النهائية، كما فعل المسبار الملياري!
(5) 
ما إن احتفلت أميركا بهبوط مسبارها على المريخ حتى تسابقت الدول على إعلان إرسالها رحلات إلى الكوكب الأحمر في المستقبل.
ملاحظة: الهند وروسيا من هذه الدول، ولا يوجد في السباق المريخي دولة عربية.
(6) 
قال بعض المسنين فكرياً: دعوهم يتمتعوا بالمريخ والقمر، فنحن لنا الجنة في النهاية! فرد عليه رجل آخر: وكيف سنصل إلى الجنة إن لم نستكشف السماء؟


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 9 أغسطس 2012

حتى تكون الرياضة ثقافة!

فازت قطر في أولمبياد لندن ببرونزيتين غاليتين في ألعاب مختلفة، رغم المشاركة الشابة والجديدة نسبياً لكل من اللاعبين والدولة. هذا الحدث العظيم، قابله الكثير بالفرحة العارمة والفخر الصادق بسبب هذا الإنجاز الذي يرفع اسمي الوطن والرياضة في المحافل الدولية، وقابله آخرون بعدم اهتمام وتبرم، فمن وجهة نظرهم الفوز في مسابقة رياضية ليس أكبر الطموحات ولا أعلى الجبال، ومن رأيهم أن هناك مجالات أولى بنا الخوض فيها والفوز بصدارتها. وجهة نظر ورأي الفريق الثاني لا تتعارض مع فرحة وطنية لفوز دولي، ولا تقزم الإنجاز الرياضي، فبالفعل هناك مجالات أولى بنا الفوز بصدارتها كالصحة والتعليم، ولكن يبقى المجال الرياضي أيضاً من أهم مجالات الدول المتقدمة، فالرياضة بشكل عام -بعيداً عن منافسات الأولمبياد- مهمة لحياة أي إنسان، بل إن الإنسان تعتمد حياته على الرياضة والحركة، وبدونهما قد يصيبه المرض ثم الموت! صحيح أنه يوجد أشخاص لم يعرفوا الرياضة يوماً ولم يمرضوا وعاشوا بصحة إلى حين وفاتهم، لكن هؤلاء هم الاستثناء بين بني البشر الضعفاء، الذين لا تفيدهم الرياضة في صحتهم الجسدية فقط، بل وحتى النفسية، فتعلم الإنسان المثابرة والعزيمة، والصبر، وتهذيب النفس وكبحها، وصفات شتى تلتصق بشخصية الإنسان، فتجعله شخصاً أفضل، جسدياً ونفسياً وعقلياً، وقد تساعده في عمله أيضاً، إن كان ذا عمل يتطلب مهارة جسدية معينة.
الرياضة أسلوب حياة، تجعل الإنسان في أفضل وضع يتعامل فيه مع باقي نواحي حياته، والأفضل من ذلك عندما تصبح الرياضة ثقافة يغرف منها الإنسان، لأن الثقافة تعني الوعي، والوعي يعني المعرفة التامة لفوائد الرياضة على الجسد، المفتاح الأسرع للروح.
الرياضة ليست ترفاً ولو كانت كذلك لما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»، في وقت كان معنى الترف فيه، الجلوس على فراش وثير، تحت ظل كبير، بل أصبحت الرياضة حاجة ماسة، لتلافي مرض السمنة والأمراض التي تلحق به، خاصة بعدما أشارت الإحصائيات الجديدة إلى ارتفاع هائل في معدلات السمنة في بلدنا!
أخيراً، يجب علينا أن نعلم أنفسنا ومن ثم أطفالنا، ثقافة الرياضة ورياضة الثقافة، فالأولى تمد أجسادهم بالصحة والثانية تمد عقولهم بالعافية!


جواهر بنت محمد ع. آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 2 أغسطس 2012

من لندن إلى قطر!

انتهى حفل افتتاح الأولمبياد لعام ٢٠١٢، الذي أقيم في لندن، وما إن انتهى حتى بدأ الناس بالمقارنة بينه وبين حفل افتتاح دورة ٢٠٠٨، الذي أُقيم في بكين، ورغم كل المقارنات إلا أنه كان بالتأكيد حفلاً لن ينساه أحد! منذ بداية الحفل وعبر تاريخ بريطانيا -التي حرصت على أن تكون عظيمة في أعين العالم- وإلى دخول الملكة بصحبة أشهر جاسوس في العالم، ومن ثم اللوحات الراقصة وتاريخ الدولة الموسيقي وتكريمها لراحليها وحاضريها من أبناء وبنات، لم تكن طريقة إشعال الشعلة أقل إبهاراً، ولكن الذي أبهرني أكثر من كل هذا، هو أنه تم بطريقة بريطانية مائة بالمائة، جعلتني أتوقف عند هذه النقاط:
- مخرج الحفل هو البريطاني داني بويل الذي أخرج من قبل الفيلم الأوسكاري «المليونير المتشرد»، وقد أخرج هذا الحفل بـ ٤٢ مليون دولار فقط لا غير!
- محطات الحفل كانت جلها بريطانية الأصل والمنشأ، من التاريخ البريطاني إلى بول ماكارتني الذي أشعل الحفل بموسيقاه!
-  الحفل مذ بدايته وإلى نهايته عبارة عن تكريم كبير، شمل الصغير والكبير من البريطانيين، ووجدت أقرب تكريم إلى قلبي هو تكريم مستشفى الأطفال قوش، الذي حصل على مرتبة أفضل مستشفى للأطفال في بريطانيا! وبالإضافة إلى ذلك، تم تكريم الموسيقا والأدب والمخترعين الأحياء والأموات والأفلام والتاريخ والرياضة في هذا الحفل التكريمي الكبير!
-  شارك الجميع في الحفل، ولكن من أنجحه كان المتطوعين الذين هبوا من جميع أرجاء بريطانيا كي يشاركوا في تجميل صورة بلادهم.
- ملابس الفريق البريطاني الأولمبي من تصميم البريطانية ستيلا ماكارتني ابنة السير بول ماكارتني المغني السابق في فريق البيتلز الذي غنى أيضاً في الحفل، وملابس الفريق الإيطالي الأولمبي من تصميم أرماني، العلامة الإيطالية الشهيرة، أما ملابس الفريق الأميركي الأولمبي، فكان من تصميم رالف لورن الأميركي الذي صمم أيضاً ملابس الدورة السابقة، ولكن هذه المرة أثار غضب الأميركان وجيشهم عليه عندما صُممت الملابس في مصانع في الصين بأيد صينية بدلاً من أيادي أبناء بلده!
مقتطفات كثيرة ستُحفر في أذهان الناس الذين شاهدوا هذا الحفل المميز من مشاركة مستر بين وقفز الملكة قبل جيمس بوند من الهليكوبتر، وغيره كثير! وأعرف أنه بجانب المقارنات التي حصلت بين حفل افتتاح أولمبياد بكين ولندن وسيدني، كان الكثير من أبناء العرب يفكرون بقطر! هل ستكون قطر مستعدة لحفل أكبر من هذا في عام ٢٠٢٢ عندما تستضيف كأس العالم؟! هل ستُخرج حفلاً بميزانية أكبر بقليل ولكن أفضل وبأيد قطرية مائة بالمائة؟! هل ستكون الملابس قطرية والمتطوعون قطريين والكل مشارك؟! هل ستُحل الأزمة المرورية بحلول ذلك العام وستجري الأمور بسلاسة تشابه سلاسة الماء؟! الطريق إلى ذلك الحفل القطري العالمي طويل، لكن السنين تجري بسرعة، وأدوات التطوير بطيئة، ولذلك يجب التفكير والعمل مذ هذه اللحظة!



جواهر بنت محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...