الخميس، 23 أغسطس 2012

عيد المتنبي وعيدنا

من منا لا يعرف بيت المتنبي المشهور والقائل: «عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد»! من منا لم يمل سماعه أو حتى قوله في الأيام الماضية؟! هذا البيت الذي ينتشر في العيد خاصة، أصبح مستهلكاً لدرجة أنه فقد لمسة المتنبي الذي كتبها، فهذا البيت من الأبيات التي فقدت لذتها بسبب كثرة الاستعمال في مناسبة واحدة تتكرر سنوياً مرتين! فأصبح البعض لا يقول «كل عام وأنتم بخير» إلا ويلحقها ببيت المتنبي، الذي لو علم بهذا الأمر لما تحسر على نفسه وعيده فقط، بل تحسر على أعيادنا كلها!
العيد هو فرصة للفرح ولصلة الرحم والاستيقاظ المبكر والسلام على الأهل وتوزيع الابتسامات والحلوى. العيد- وخاصة عيد الفطر- هو كرم من الله علينا، ورفق بعد شهر كامل من التعب ومجاهدة النفس، فما فائدة استقباله بروح سلبية؟ لماذا لا نستقبل العيد كما نستقبل شهر رمضان الفضيل، فليس هو بأقل منه، وقد جعله الله بداية لما بعد الشهر الكريم، وكأنه صفحة بيضاء جديدة ننطلق منها إلى الحياة مرة أخرى!
الحقيقة هي أننا -العرب- شعب جُبل على الحزن والهم والتأكيد عليهما! لا بسبب غزو الآخرين لنا، بل بسبب معاركنا مع أنفسنا وما بيننا! فنحن الذين خلقنا هذا الحزن كما خلق المتنبي بيت «رثاء العيد»! نرثي العيد بدل أن نمتدحه بسبب أحوالنا التي حالت من سيئ إلى أسوأ! فكما كنا في هذا الوقت من السنة الماضية نحمد الله على التقدم في ليبيا، نبكي الآن، ونندب حظوظنا فيما يحصل ويتركه المجتمع الدولي ليحصل في سوريا! لم يتوقف إجرام النظام الأسدي في شهر رمضان ولا حتى في آخره، وبالطبع لن يتوقف في العيد فهو لا يفرق بين الأيام، ولا بين أفعال الشيطان وأفعال الإنسان، ولكن الأكيد أن الثورة السورية لن تتوقف ولن تقف أمام أي تهديد أو خوف باتجاه النظام ومجازره، بل ستكمل لأيام قد تقصر في صدور السوريين الشجعان وتطول في صدورنا مع الدعاء، ولكنه بصيص الأمل الذي لا يموت! فما كان لثورة أن تفشل ولشعب أن يسقط وهو يقاتل العالم كله من أجل الحرية! بل يسقط العالم الذي يتآمر على هذا الشعب الصامد لوحده! ويسقط الطاغية والعيد الذي يخرج صوره في التلفاز!
التجديد في هذا العيد يكمن في وحدة قلوب العرب باتجاه القضية السورية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في لبنان. نعم، مكان سوريا الحساس من جميع النواحي، صعب الأمر على الثورة السورية، لكن الانشقاقات الأخيرة والتقدمات التي ما إن تتباطأ حتى تتسارع، تؤكد أن نجاح الثورة السورية واقع، سواء أكان ذلك عاجلاً أم آجلاً، وتغنينا ببيت المتنبي ليس دليلاً إلا على الرضا بحالنا وحال العرب والقناعة بأننا عاجزون عن الحركة! وهذا غير صحيح، يمكننا البدء عن طريق الفرح بالعيد والابتسامة والدعاء لأنفسنا ولإخواننا المسلمين في كل مكان، كخطوة صغيرة ما إن نفعلها حتى تتلاحق بقية الخطوات!
وكل عيد وأنتم بخير!


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...