الجمعة، 3 مارس 2017

العلاقة في مقالة

عندما أفكر في كيفية تكوّن العلاقة الإنسانية بين شخصين طبيعيين، أجدها تقترب كثيراً من طريقة ولادة المقالة. نظرة، كلمة، أغنية، نقاش، فيلم، إعجاب، حركة، همسة، طعام، شراب، صلاة، وأي شيء آخر له القدرة على تحريك إحساس الإنسان. هكذا تولد المقالة وعلاقات الأصدقاء والأحبة، أما العلاقة العائلية فيُوجدها الدم والتربية والبيئة الواحدة. وكل نوع من أنواع العلاقات له ما له وعليه ما عليه من قواعد وأحكام، حتى في الفئة نفسها. نعم، حتى في العلاقات الإنسانية تتعدد الشروط والأحكام، وقد تختلف هذه الشروط والأحكام في العلاقات مع الأصدقاء، كل على حدة، فيجد المرء نفسه مثلاً يقول لصديق له أسرار لا يستطيع البوح بها عند صديق آخر، ويلجأ إلى الصديق الآخر في أسرار ثانية لا يستطيع البوح بها أمام الصديق الأول.. وهلم جراً!
تبقى العلاقات الإنسانية، رغم تعقيداتها، أهم ما في الحياة، هي ما قد تملأ حياة المرء بغيوم التعاسة، وهي ما تجلب السعادة. تجذب العلاقات الإنسانية التعاسة في حال بنائها على أسس غير صحية أو أخلاقية، أو في حال شعور الإنسان في العلاقة بأنه لا شيء، وأنه لا يستحق شيئاً أو يستحق أقل بكثير من الفتات المعطى له. وتهدي العلاقات الإنسانية السعادة حال توافر الاحترام والمودة والرحمة. فأهمية العلاقات تكون في تبادل المشاعر الإيجابية، سواء أكانت الشفقة أو التعاطف أو الحب أو حتى مشاركة الشخص الآخر في كره أو مقت شيء أو شخص ما.
وعلى كثر تعقيدات العلاقات الإنسانية، إلا أن طرق المحافظة عليها وعلى أصحابها أسهل. البعض يحافظ على علاقاته باستمرار المصالح المتبادلة، والبعض يحافظ عليها بالاحترام والأفعال الخالقة للذكرى الحسنة.
العلاقات لا تستمر بكثرة الحديث واللقاء، بهذه الطريقة تستمر العلاقات السطحية، العلاقات تكبر وتنمو وتُبنى على المشاعر والأحاسيس المتبادلة، والرغبة على التواجد في المواقف السيئة قبل الجيدة. العلاقات تؤسس على الأفعال، فعلاقة صديقين فرقتهم طرق الحياة وكان بينهم موقف نبيل واحد قبل ٢٠ سنة، أقوى من علاقة اثنين يتبادلان الأحاديث والأخبار يومياً، الأولى علاقة حقيقية، وإن اختفى أحد أطرافها اليوم، أما الثانية فلن تتكشف حقيقتها إلا وقت الضيق والحاجة.
بسبب المشاعر تتكون العلاقات الإنسانية. الإنسان لا يريد أن يكون وحيداً في عالم وحيد، وبسبب العلاقات الإنسانية يسعد الإنسان أو يحزن، وكل ذلك في يده وقلبه وعقله.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...