(مقدمة)
هذه المقالة ليست عن الناجحين الذين فشلوا مراراً و تكراراً حتى حققوا أحلامهم و شهرتهم و جمعوا أموالهم الطائلة.. هذه المقالة عن “الفاشلين” الذين نجحوا..
في أربعينيات القرن الماضي، قامت السيدة فلورنس فوستر جنكنز بحجز قاعة كارنيجي في نيويورك، لتحقق بذلك حلمها بالغناء فيها. فلورنس باختصار، سيدة كرست حياتها وأموالها الموروثة من والديها في سبيل الغناء والموسيقى. كانت رمز دعم الموسيقى والفنانين في نيويورك.
ومع ذلك، كانت هي والجمهور في قاعة كارنيجي على موعد مع الفشل الذريع.
بعدها بسنوات، طلع على الساحة الفنية مخرج شاب باسم إد وود.. إد وود لم يختلف عن فلورنس كثيراً، كان رجلاً يحمل حلماً أكبر من قدراته، ولكنه لم يكن أكبر من شغفه ورغبته في النجاح في مجال الفن والسينما.
منذ صغره، وَلِع «إد» بالسينما والتصوير، حتى إنه كان يهرب من المدرسة ليذهب لدور عرض الأفلام. وكانت فرحته كبيرة بكاميرا الكوداك المهداة إليه في عيد ميلاده الثاني عشر. كتب إد وود العديد من الروايات والأفلام، ومثّل وأخرج وأنتج أفلاماً كثيرة.
فاز إد وود، وفاز فيلمه Plan 9 from outer space بجائزتي أسوأ مخرج وأسوأ فيلم في التاريخ. ولم تبعد فلورنس فوستر جنكنز عنه كثيراً، فقد قال عنها نقاد وقتها ووقتنا إنها من أصحاب الأصوات السيئة في الغناء على الإطلاق! ورغم ذلك، مشاهدات أفلام إد وود هي من أعلى المشاهدات. كما أن تسجيل حفلة فلورنس في قاعة كارنيجي، هي من أكثر التسجيلات المطلوبة في تاريخ حفلات القاعة!
قبل أن تقلّب الصفحة عزيزي القارئ، صدقني عندما أقول لك إن هذه المقالة تشجيعية وتحفيزية، ولكنك لم تقرأ الكلمة الأخيرة بعد.
فلورنس فوستر جنكنز وإد وود هما من الفاشلين الذين نجحوا.. فشلوا في مجالاتهم التي اختاروها، ونجحوا بسببها أيضاً بشغفهم وحبهم ومتابعتهم لها. نعم، كان صوت فلورنس سيئاً إلى درجة كتابة أحد النقاد عنها: «فلورنس قادرة على غناء أي شيء.. ما عدا النوتات!». نعم، كانت أفلام «إد» فاشلة في جميع النواحي، السيناريو والإخراج والإنتاج وحتى التمثيل، ولكن كليهما أثرى مجاليهما في الأخير. فلورنس كانت داعمة للموسيقى والغناء في نيويورك بوقتها ومالها، مما أدى إلى ازدهار المشهد الفني في زمنها.. و»إد» عبر عن أفكار جديدة من منظور مختلف في أفلامه. كلاهما تبع أحلامه. كلاهما حاول، وإن رأى البعض أنهما فشلا في النهاية. هؤلاء البعض الذين يرون فشل فلورنس و»إد» في حياتهما العملية، لا يفهمون بأن العبرة لم تكن يوماً بالنجاح فقط، بل بالمحاولة أيضاً، والركض وراء الشغف والأحلام. أو كما قالت ميريل ستريب وهي تؤدي دور فلورنس فوستر جنكنز في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه: «قد يقول الناس إنني لم أستطع الغناء، ولكن لن يقول أحد إنني لم أغنِ!».
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق