(1)
أقوى الأدوات في هذه الحياة كلمة، فماذا إذاً يمكن لكلمات أن تفعل؟ الكلمات يمكن أن تطرب الإنسان وتعبر عنه، وتلهيه، وتشده لمقعده ليواجه كل خلية حية في جسمه وكأنها مع نفسه في حالة حرب، ويمكن أن تضجر الإنسان، وتغضبه وتجعله يزمجر كالأسد الجائع، ويمكن أن تستعطفه، وتغويه وتفسده وتصلحه، وتحرضه، أو أن تجعله على الحياد. ويمكن لكلمة أن تفعل كل هذا ولا تفعله، فالحياة -كما يقول الحكماء- كلمة! ولا أحد في الحقيقة -لا أحد- يعرف قيمة الكلمة أكثر من السياسيين والكُتاب والحكماء!
(2)
أطربتنا ماجدة الرومي في عام ٩١، فغنت:
يُسمعني.. حينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
ما الفرق بين هذه الكلمات عندما تُقرأ، وعندما تغنى؟ هي تبقى كلمات، ولكنها تخلق حالتين مختلفتين يعيشهما الإنسان، فعندما تغنى، تكون الكلمات وكأنها زهرة يمكن للإنسان رؤيتها والاقتراب منها وشمّها، وعندما تقرأ تكون تلك الزهرة خيالية، لا يستطيع الإنسان إمساكها ولا شمها، وكل ما يستطيع فعله هو محاولة تصورها في رأسه. هذا هو سحر الكلمات، لنا قدرة استخدامها كما نشاء، ولها القدرة على سحرنا كيفما تشاء!
(3)
تضمن فيلم أميركي عنوانه «كلمات»، إشارات كثيرة إلى أهمية الكلمة -بطبيعة الحال-، وإلى أهمية الكلمة الصادقة بشكل خاص، فبطل الفيلم مثلاً الذي حاول كثيراً أن يكتب من أعماقه، وأن يستخدم كل الكلمات الصادقة التي تعبر عنه وعن حياته، لم ينجح ككاتب، وما استطاع أن ينجح إلا بعد أن سرق كلمات غيره، أي بعد أن اختار كلمات «كاذبة» لا تعبر عنه بل عن كاتب آخر. في نهاية الفيلم، يشير البطل إلى أن الكلمات هي كل ما يهم في الحياة، وأننا نحيا بسببها، ومن أجلها، وهذا ما جعلني أكتب عن الكلمات، لأننا نمر بجانبها كل يوم ولا نلتفت إليها ولا ننظر في دواخلها ونياتها، فنفوت القصد منها، ونخسرها قبل أن تخسرنا.
الكلمات -كغيرها من وسائل الاتصال والتعبير- أبدية، لأنها وُجدت لتصدق ولتنصر ولتعبر عن الحالة التي وُجدت من أجلها، والتي أحاطت بها أو حاولت ذلك، وهو من المهم أن تكون الكلمة صادقة لأنها هي الباقية، أما الكاذبة ففانية، مهما حدث، وإن وصلت بصاحبها إلى المكان الذي يريده، وهو من المهم أيضاً أن نبدأ بالنظر إلى الكلمات بعمق، ونهتم بها، أي تلك التي نقرؤها ونسمعها ونكتبها ونقولها، كما نهتم بملابسنا ومظهرنا، لأنه عندها فقط، سنسمو فوق السطحية التي تعشعش فوق رؤوسنا، وستصبح كلماتنا التي تترجم أفكارنا «كلمات ليست كالكلمات».
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
أقوى الأدوات في هذه الحياة كلمة، فماذا إذاً يمكن لكلمات أن تفعل؟ الكلمات يمكن أن تطرب الإنسان وتعبر عنه، وتلهيه، وتشده لمقعده ليواجه كل خلية حية في جسمه وكأنها مع نفسه في حالة حرب، ويمكن أن تضجر الإنسان، وتغضبه وتجعله يزمجر كالأسد الجائع، ويمكن أن تستعطفه، وتغويه وتفسده وتصلحه، وتحرضه، أو أن تجعله على الحياد. ويمكن لكلمة أن تفعل كل هذا ولا تفعله، فالحياة -كما يقول الحكماء- كلمة! ولا أحد في الحقيقة -لا أحد- يعرف قيمة الكلمة أكثر من السياسيين والكُتاب والحكماء!
(2)
أطربتنا ماجدة الرومي في عام ٩١، فغنت:
يُسمعني.. حينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
ما الفرق بين هذه الكلمات عندما تُقرأ، وعندما تغنى؟ هي تبقى كلمات، ولكنها تخلق حالتين مختلفتين يعيشهما الإنسان، فعندما تغنى، تكون الكلمات وكأنها زهرة يمكن للإنسان رؤيتها والاقتراب منها وشمّها، وعندما تقرأ تكون تلك الزهرة خيالية، لا يستطيع الإنسان إمساكها ولا شمها، وكل ما يستطيع فعله هو محاولة تصورها في رأسه. هذا هو سحر الكلمات، لنا قدرة استخدامها كما نشاء، ولها القدرة على سحرنا كيفما تشاء!
(3)
تضمن فيلم أميركي عنوانه «كلمات»، إشارات كثيرة إلى أهمية الكلمة -بطبيعة الحال-، وإلى أهمية الكلمة الصادقة بشكل خاص، فبطل الفيلم مثلاً الذي حاول كثيراً أن يكتب من أعماقه، وأن يستخدم كل الكلمات الصادقة التي تعبر عنه وعن حياته، لم ينجح ككاتب، وما استطاع أن ينجح إلا بعد أن سرق كلمات غيره، أي بعد أن اختار كلمات «كاذبة» لا تعبر عنه بل عن كاتب آخر. في نهاية الفيلم، يشير البطل إلى أن الكلمات هي كل ما يهم في الحياة، وأننا نحيا بسببها، ومن أجلها، وهذا ما جعلني أكتب عن الكلمات، لأننا نمر بجانبها كل يوم ولا نلتفت إليها ولا ننظر في دواخلها ونياتها، فنفوت القصد منها، ونخسرها قبل أن تخسرنا.
الكلمات -كغيرها من وسائل الاتصال والتعبير- أبدية، لأنها وُجدت لتصدق ولتنصر ولتعبر عن الحالة التي وُجدت من أجلها، والتي أحاطت بها أو حاولت ذلك، وهو من المهم أن تكون الكلمة صادقة لأنها هي الباقية، أما الكاذبة ففانية، مهما حدث، وإن وصلت بصاحبها إلى المكان الذي يريده، وهو من المهم أيضاً أن نبدأ بالنظر إلى الكلمات بعمق، ونهتم بها، أي تلك التي نقرؤها ونسمعها ونكتبها ونقولها، كما نهتم بملابسنا ومظهرنا، لأنه عندها فقط، سنسمو فوق السطحية التي تعشعش فوق رؤوسنا، وستصبح كلماتنا التي تترجم أفكارنا «كلمات ليست كالكلمات».
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق