من أصعب الأمور في هذه الحياة، أن يجد المرء المهنة أو العمل المناسب الذي سيقضي معظم حياته ممارساً له. و من ثم الاستمرار فيه.
معايير العثور على العمل المناسب للإنسان تختلف من شخص لآخر وفق اختلاف الأولويات. هناك من يختار العمل وفق احتياجات السوق.. و هناك من يختاره بناء على الإيراد المالي الأعلى.. و هناك من يختاره بناء على شغفه.. و هناك من يختار وفقاً لرغبة العائلة أو يختار الحرفة الموروثة.. و غيرها من الأسباب الكثيرة التي تبدأ و لا تنتهي.
أياً كانت المهنة أو الحرفة أو العمل الذي اختاره الانسان ليقوم به و أياً كان السبب، عليه أن يتذكر بأنه سيقوم بهذا العمل بقية حياته. فلو سلمنا بأن الانسان عاش إلى عمر الستين، و عمل من سن ٢٤ و حتى سن ٦٤ عاماً، فإنه سيكون قد قضى حياته خلال هذه الأربعين عاماً، و هو يعمل لمدة ثمانية سنوات و ثمانية أشهر! و لا شيء يزيد على وقت العمل في حياة الانسان سوى النوم، الذي يقضي الانسان فيه ما يقارب ١٣ سنة من حياته خلال المدة نفسها وفق دراسة قام بها موقع "العربي الجديد". و لهذا، و رغم كل الأسباب الموجودة التي قد يختار الشخص عمله بناء عليها، أو حتى يُرغم على عمله بسببها.. يجب على الانسان أن يحاول على الأقل، أن يختار العمل الذي يحبه و يشغف به. هذا العمل هو الذي سيجعله يصحى من نومه متحمساً لحياته.. هذا العمل هو الذي سيجعله يُكمل الأربعين عاماً القادمة في حياته! هذا العمل هو الذي سيجعله يحاول الوقوف مهما تعثر و سقط!
الممثل الأمريكي الأسطوري مارلون براندو شغف بالتمثيل حتى تربع على عرش هوليوود في خمسينات القرن الماضي.. و لكن ما إن أطلت الستينات حتى تغير الوضع و لم يعد يتصل به المنتجون ولا المخرجون لانخفاض الإقبال على أفلامه و لصعوبة مزاجه وقت التصوير. هذا الأمر لم يثني براندو عن التمثيل، فهو شغفه في النهاية و إن كان يصرح بأنها مهنة سخيفة! و استمر براندو في النظر في فرص التمثيل التي تأتيه، حتى وافق على التمثيل في فيلم "العراب" في السبعينات الذي فاز عن طريقه بثاني جائزة أوسكار في حياته!
بوب ديلن المغني الأمريكي الذي يعتبره الكثير من أعظم كاتبي الأغاني في التاريخ، صارع أيضاً بعد صعود نجمه خلال السبعينات و الثمانينات، و ظن معجبوه و النقاد على حد سواء بأنه انتهى حتى فاجأهم في التسعينات بصدور ألبومه (TIME OUT OF MIND)، و الذي رجع به بقوة إلى الساحة الفنية و كأنهم لم يخرج منها بالأساس! استطاع ديلن الرجوع لأن هذا هو شغفه و عمله الذي يحبه، و لا يستطيع تركه و إن حاول.. و هذا المعيار الأول الذي يجب أن يكون في اعتبار أي شخص يريد أن يختار العمل الذي سيقضي بقية حياته ممارساً له.. الشغف الذي مهما انطفأ الشخص من الخارج، و مهما تم تحبيطه و تهميشه و إبعاده عن الساحة.. سيكون في داخله مشتعلاً نوراً لا ينطفأ لا يبعده عن الحياة و لا يزيحه عن العمل.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق