نعيش اليوم في عصر مجنون سريع، ليس منفتحاً على الآخر و حسب بل داعياً الآخر إلى الدخول فينا و إلى عوالمنا الخاصة. و هذا الأمر ليس بطبيعي و لا بالصحي لنا و لصحتنا النفسية و الجسدية. و يبان هذا الشيء في أبهى صوره عندما نبدأ بقياس مستوى سعادة الناس. عندها نجد أن الأغلب ليس سعيداً بل و أن البعض وصل إلى بداية الاكتئاب! و من أهم الأسباب التي جعلت الناس غير سعيدين و غير راضيين، هي المقارنة بين حياتهم و حياة غيرهم.. المقارنة بين ممتلكاتهم و ممتلكات غيرهم.. المقارنة بين سفراتهم و سفرات غيرهم.. المقارنة بين أصدقائهم و عوائلهم و أصدقاء و عوائل غيرهم.. إلخ! مشكلة هذه المقارنات أنها تجعل الانسان يأخذ قيمته كانسان من الخارج لا من الداخل. عندها يكون الانسان ذا قيمة، فقط لو امتلك تلك السيارة الفارهة التي يشاهد مثيلاتها في الأفلام أو لو كانت لديه تلك الحقيبة النادرة، أو لو سافر كل سنة مرة أو مرتين لتلك الوجهة التي سافرها ذاك المشهور أو الفنان أو لو امتلك تلك الساعة التي يرى اعلاناتها في كل مكان! هكذا و على غفلة من الانسان، و بسبب تشبعه من الإعلانات و منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، يربط قيمته كانسان بالماديات التي يراها من حوله! و عندما لا يمتلك هذه الماديات و يصعب وصوله إليها، يصبح انسان مبتئس غير راضٍ على نفسه و لا على حياته. و هذا أكبر خطأ، أن يستمد الانسان قيمته من الخارج لا من الداخل. أن تُقاس قيمة الانسان بالأموال و المظاهر بدل الدواخل و الأفعال.
قيمة الانسان الحقيقية هي بمبادئه.. بقيمه.. بأخلاقه.. بتصرفاته.. أفكاره.. بأحلامه.. بقيمة الدروس التي يتعلمها من الدنيا. هذه القيمة التي لا تُقاس و لا تُبدل و لا تُقيّم و لا تتدهور و لا تهلك ولا يدور عليها الزمن. هذه القيمة التي ما إن يمتلكها الانسان حتى يصبح فوق الرضا و فوق السعادة.. لا يهمه إن ركب سيارة قديمة و أعز أصدقائه ركب سيارة أجدد موديل.. لن يهمه إن عمل في عمل يدر عليه أقل من عمل قريب له.. لن يعطي ذلك بالاً لأنه يأخذ قيمته من الداخل.. يعرف بأنه يبقى هو نفسه سواء أقاد سيارة فارهة أم سيارته القديمة.. يعرف بأنه يحب العمل الذي يقوم به و هو راض به.. يعرف من هو و أن قيمته أكبر من مائة سيارة و ساعة و سفرة و حقيبة و ملابس غالية! هو نفسه الذي لا يستطيع لأحد أن يكون مثله.. هو أفكاره و قيمه و مبادئه و رحلاته الداخلية و مشواره الخارجي، و هو راضٍ على نفسه بسبب كل ذلك!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق