لا أذكر بالضبط السن الذي اكتشفت فيه عالم القراءة الساحر، و لكني أذكر بأنه كان في المرحلة الابتدائية.. في مرحلة الطفولة، السهلة التكوين و التشكل. أذكر أني انجذبت إلى مكتبة أمي القابعة في الصالة، حيث شدني منظر الكتب المتراصة و الملتصقة ببعضها البعض، حتى تكاد لا يبان منها شيء، و كأنها كلها تمثل كتاب كبير واحد. و لهذا السبب-ربما-أخذت أُخرِج كل كتاب على حدة لأخذ نظرة عليه.. كنت أتسائل، هل جميعهم متشابهين في المحتوى؟ و اتضح بأن لكل كتاب منهم، شخصه المستقل!
أول دليل، أكد لي بأن كل كتاب مختلف عن الآخر، هو الغلاف.. فعلاً الكتاب يبان من عنوانه! كان لكل كتاب، غلافه الخاص و المتميز. و أكثر ما دفعني إلى القراءة، كانت تلك الغلافات المميزة. بدأت طبعاً، بنجيب محفوظ و احسان عبدالقدوس، كيف لا، و صاحب الغلاف هو الفنان الرائع جمال قطب! الذي كان يرسم الغلاف أو "لوحاته" كما كان يسميها و كأنه يعمل على بوستر فيلم للسينما! و من هنا، و من بعد، أن مِلت غصب عني إلى عالم القراءة المزركشة بالغلافات الرائعة، بدأت أقرأ جميع أنواع الكتب، سواء أكان الكتاب رائع أو عادي الغلاف!
رحلتي مع القراءة، بدأت بغلاف الكتاب، لا المحتوى.. في الكثير من الحالات لم أكن أفهم المحتوى أصلاً لصغر سني! و لكني كنت أستمر مع الكتاب ذو الغلاف الرائع! و من هنا فهمت حقاً، أهمية غلاف الكتاب، ليس لي فقط، بل للجميع، و كما يجدر أن يكون عليه الوضع! ينبغي لغلاف الكتاب أن يكون رائع و مثير و جاذب للقراء، و في الوقت نفسه، مرآة للكتاب، و مختصر لأفكاره و محتواه! و هذا ما أراه ناقصاً في يومنا هذا، عندما أزور المكتبات و معارض الكتب. نادر ما نجد غلاف، يحمل كل هذه المواصفات، بل على العكس، في الكثير من الأحوال، نجد غلافات، تافهة أو بسيطة إلى درجة لا تعكس فيها حتى نصف أفكار الكتاب و الكاتب، أو نرى غلافات غير مبدعة و غير "متعوب" عليها! و أسوأ الغلافات في نظري، تلك التي تحمل صورة كاتبها! لا يجدر على أي كاتب أن يضع صورته على غلاف الكتاب إلا إذا كان الكتاب هو سيرته الذاتية! أما غير ذلك في نظري، لا يساعد الكتاب و لا يُساعد الكاتب، فماذا سأستفيد أنا كقارئة للشعر مثلاً عندما أشتري ديوان عليه صورة الشاعر؟! اسم الشاعر يكفي للتعريف بأن هذا ديوانه و لا أحتاج صورته كقارئة للتأكد من ذلك! إن كان هذا الهدف بالأساس!
لا يزال في عالم تصميم غلافات الكتاب، مبدعين مثل حلمي التوني و كريم آدم، و أتمنى للمزيد من الفنانين دخول هذا المجال الجميل، و من دور النشر و الكُتاب، إعطائهم الفرصة لذلك، فتصميم أغلفة الكتب، مهم بقدر، تصميم بوسترات الأفلام و بقدر أهمية إعلانات التلفاز. هناك عدد غير بسيط من القراء، لن يمسك الكتاب، إن لم يجذبه الغلاف! كما يجعلنا بوستر الفيلم نتهاون عن دخول الفيلم لسوء تصميم البوستر، و كما تجعلنا الدعاية السخيفة على التلفاز لا نشتري المنتج من السوبرماركت! غلاف الكتاب هو أول مُسوق للكتاب، و هو المنتج الذي يشتريه القراء بأعينهم قبل الكتاب! فلنوله الأهمية اللازمة!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق