الخميس، 21 فبراير 2013

نور على نور

سيأتي اليوم الذي يسأل فيه كل إنسان نفسه -أو غيره-: ما الهدف من الحياة؟ قبل أن يسأل: ما هو هدفي في الحياة؟ سيقول قائل: «هدف أي شخص في الحياة هو الوصول إلى قمة السعادة». وسيتذاكى عليه آخر، يقول: «وبما أن الحياة تضع كل العراقيل والمشاكل والمصائب أمام الإنسان كي تصعب عليه الوصول إلى تلك القمة، فيمكننا أن نقول إن هدف الحياة هو سحبنا إلى قاع التعاسة!».
أنا لست مع الأول ولا مع الثاني، ولا مع ثالث سيقول بشكل أوتوماتيكي: «غاية الحياة هي العبادة». مستشهداً بآية هي أكبر من أن تُتلى دون تدبر وفهم!
لست مع الأول رغم اقتناعي بأن وراء كل سعادة عبادة، فبعض العبادات تحتاج صبراً ومجاهدة نفس، وبالتالي تكون سعادة الإنسان الناتجة عنها مؤجلة للحياة الأخرى، ولست مع الثاني لتأكدي بأننا مخيرون لا مسيرون وأن الله لا يأخذ شيئا إلا ويُعطي عشرة بدلاً عنه، أما الثالث فأنا لست معه رغم موافقتي لما قاله، فالعبادة بجهل كالمشي في الظلام دون بصيرة؛ لأن العبادة لا تكون عبادة دون وعي وتدبر، ولا يكون المشي في الظلام مشياً بل تعثراً.
الهدف من الحياة هو وصول الإنسان إلى ذاك النور الذي يريح روحه في آخر النفق، أما كيفية الوصول إليه فيكون ذلك بالتسامح مع النفس قبل الغير، و»إشاعة» السلام والحب والعبادة التي تمتد من البيت إلى المسجد وما بعدهما، فكل ذلك يخلق النور في النفس ويجعله يشع في آخر النفق متسللاً إلى الطريق فيه، ليكون نوراً على نور. ولا يكون ذلك النور مضيئاً جميلاً إلا بملامسته لنور الله تعالى الذي أحسن -جل جلاله- وصفه، فقال: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».
من يقرأ هذه الآية الجميلة، والوصف الباهر يتأكد من أنه لو مسه ولو قليلاً، فقط، من هذا النور الخلاب سينعم في جنة الأرض قبل جنة السماء، ومن أجل ذلك اجعلوا أهدافكم «منورة» لطريقكم، ولطرق غيركم التي تتقاطع أو ستتقاطع معكم يوماً من الأيام، فكل الطرق طويلة ومتعرجة إلا أننا كلنا بلا استثناء، نحتاج نوراً عليها، ودليلاً فيها.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...