الأحد، 6 نوفمبر 2016

أوقات

عندما نتحدث عن الوقت نتحدث عن شيء لا نعرف عنه سوى القليل. كائن غريب يشبه الفيروسات التي تحط على جماد، فتكون ميتة، وما أن تنتقل على جسم حي حتى تحيا.
نشعر بالزمان ولا نشعر به، وستعرفون ما أتكلم عنه، عندما تتذكرون سنوات السعادة القصيرة وثواني الحزن الطويلة. إذاً، كيف نعرف بأن الوقت موجود؟ وأن ساعات ودقائق الفراعنة موجودة؟ بآثاره المادية والمعنوية. آثاره المادية هي ما يحدث للإنسان من تجاعيد وجه وما يصيبه من أمراض نتيجة العمر، وما يحصل للأرض وكل شيء عليها وفوقها. والآثار المعنوية للوقت هي الذكريات، الابنة البارة للوقت. ذكريات ولادة أول ابن يسمى على الجد وذكرى الحصول على الشهادة الجامعية، وذكرى خسارة أول حب، وفوز ثاني حب، وذكرى الزواج وصولاً إلى خاتم كل الذكريات، الموت. والموت يرث الوقت والذكريات، بعد موتهما. ولكن قبل كل ذلك، هناك أمل. يبدأ من الولادة، ويستمر حتى يختفي مع الوقت، شيئاً فشيئاً كلمعة العيون.
في عقدنا الأول، كل ما يهمنا هو ألا ينسى والدانا عيد ميلادنا، وأن نحظى باللعبة التي استعددنا لتلقيها عام كامل.
وفي عقدنا الثاني، نشعر بأننا كبرنا، ولا شيء يضاهينا غير أحلامنا التي تكبرنا حجماً وتتعدانا لتملأ الكون كله.
ليأتي العقد الثالث بكل الآلام وأفراح العشرينيات، فنشعر بأننا لم ننجز شيئاً نوعاً ما، وأننا ركزنا على التوافه دون الأمور المهمة، فنؤكد أن هذا العقد سيكون عقد الإنجازات.
وفي العقد الرابع، نحاول الحفاظ على الإنجازات والروابط العائلية وبعض الصداقات هنا وهناك.
وفي الخامس بعد ظهور العلل والأمراض، تلوح بوادر الحكمة تمهيداً لبعض الزهد في الحياة في العقد السادس، الذي يأتي في غمضة عين.
وما أن يأتي العقد السابع حتى نصدق ما قاله غازي القصيبي في قصيدته «سيدتي السبعون»: أواه! سيدتي السبعون! معذرة.
بأي شيء من الأشياء نحتفل؟!
أبالشباب الذي شابت حدائقه؟
أم بالأماني التي باليأس تشتعل؟
وفي الثامن والتاسع والعاشر وما بعدها، سنلتزم الصمت بعد رحيل العائلة والأحبة، حيث إن كلامنا سيبدو شكوى يتهم بها الوقت، وصمتنا فضيلة في مواجهة الوقت.
وبعد كل هذه التجارب وقصص الإخفاقات والنجاح المحمولة داخل حياة.. وقبل أن يتبخر الوقت.. أعظم ما يمكن تعلمه عند الوقوف على قبر ما، هو درس واحد أهم من أن يكتب على ضريح أو في ورقة أو في سجل الذاكرة. انس الزمان والمكان، كن شخصاً صالحاً ولا تضر كائناً آخر، وكفى!




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...