توفي الاثنين الماضي الممثل الأميركي الكبير روبن وليامز، الرجل الذي أضحك جمهوره من نساء ورجال وأطفال، وأبكاهم في أدوار رُسخت في الأذهان، في أفلام مثل Mrs. Doubtfire وJumanji وDead Poets Society، وأخيراً الفيلم الذي فاز عن دوره فيه بجائزة أوسكار Good Will Hunting.
نُقل عن السلطات المختصة في ولاية كاليفورنيا أن سبب وفاة وليامز يرجع إلى انتحاره، وهو ما ليس مُستغرباً بين النجوم والمشاهير، ولكن عُد صدمة كبيرة في حالة وليامز، لأن الناس كانت تشاهده دائماً في أفلام الكوميديا والأطفال التي لا تحمل سوى الضحك والمتعة، في الوقت نفسه الذي عانى فيه الاكتئاب ومشاكل أخرى مع الكحول والمخدرات لفترات طويلة.
ومع ذلك تفاجأ الكثير بالخبر، ربما لأن الأغلب يعتمد على الوضع الظاهر، وبالنسبة لوليامز، استمراره في التمثيل رغم مشاكله الكثيرة كان غطاء لاكتئابه، أو على الأقل جزءاً منه، مثله مثل الطالب المتنمر ضده في المدرسة، والذي قد يشتكي هذه المشكلة لأصحابه أو عائلته أو مرشده الأكاديمي، ولكن يتم التغاضي عن المشكلة أو تأجيلها أو تقزيمها بحجة أنها ليست بكبيرة أو بمهمة، لأن الطالب لا يزال مستمراً في الذهاب إلى المدرسة.
ما إن أعلن عن خبر وفاة وليامز حتى توالت التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي. لم أتوقع أن تكون بعض ردود الفعل الأولى تأكيداً على أن المال والشهرة لا يجلبان السعادة، في إشارة إلى انتحار وليامز، خاصة أن نفس هؤلاء يدعون إعجاباً بالممثل، بل توقعت الترحم عليه برحمة الله التي تسع جميع الناس والأشياء. ولكن هل كان وليامز فعلاً تعيساً؟
الأكيد بأن ذلك لن يستطيع تأكيده سوى الأقربين المقربين له. هل كان وليامز سعيداً؟ كتبت في مقالات سابقة عن السعادة، وأنها بالنسبة لناس تكون هدفاً للحياة، وفي دول ترى على أنها حق من الحقوق مثلها مثل الحق في التعبير والحق في الحياة الكريمة، فهل السعادة هدف؟ وإن كانت كذلك لماذا تتنوع إجابات الأطفال بين طبيب ومهندس وغيره إن سئلوا ماذا تريدون أن تصبحوا عند الكبر ولا يقولون نريد أن نكون سعداء؟ هل السعادة حق؟ عندها هل سيكون الناس فعلاً سعداء لو تم إهداؤها لهم مثل بقية الحقوق؟
قلما يعرف الناس السعادة، وما أكثر ما يضعون معايير لها، من مال وشهرة ومنصب وطول عمر وعائلة كبيرة وغيره، ولكن هل تكفي السعادة؟ وإن لم تكن كافية هل تُعتبر سعادة حقيقية؟ في رأيي لا تكون السعادة -بالمعيار الذي يحسبها به الشخص- كافية في بعض الحالات، لأن هناك مشاكل وأموراً أهم يجب مراعاتها والأخذ بها أولاً حتى يتم الوصول إلى السعادة الحقيقية أو على الأقل عدم السقوط في الهاوية.
هل الرجل الغني ذو المنصب والشهرة والعائلة المحبة، والمريض بمرض ينخر جسده ألماً ليل نهار، رجل سعيد؟ ومتى سيشعر بسعادته؟ وهل سيشعر بالسعادة طوال الوقت أو معظمه؟ وماذا عن الوقت المتبقي؟
في كثير من الأحيان لا تكون السعادة كافية للإنسان للتطلع إلى الحياة أو الاستمرار فيها عندما يُوجد في نفس الوقت مساحة كبيرة من الألم، سواء أكان جسدياً أو نفسياً أو واقعياً، وبالتالي يجب البحث عن أسباب المشاكل التي تواجه الشخص ومحاولة حلها قبل الركض وراء أسباب قد يظن بأنها أسباب السعادة الحقيقية من مال وشهرة وغيره، لأن إهمال هذه المشاكل قد يؤدي إلى مشاكل أكبر من الفشل أو الخوف منه. وفي النهاية لا يسعني إلا أن أودع وليامز بنفس التحية التي ودع بها الطلاب أستاذهم جون كيتنج في فيلم Dead Poets Society، وبقول:»Oh Captain, my captain».
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
نُقل عن السلطات المختصة في ولاية كاليفورنيا أن سبب وفاة وليامز يرجع إلى انتحاره، وهو ما ليس مُستغرباً بين النجوم والمشاهير، ولكن عُد صدمة كبيرة في حالة وليامز، لأن الناس كانت تشاهده دائماً في أفلام الكوميديا والأطفال التي لا تحمل سوى الضحك والمتعة، في الوقت نفسه الذي عانى فيه الاكتئاب ومشاكل أخرى مع الكحول والمخدرات لفترات طويلة.
ومع ذلك تفاجأ الكثير بالخبر، ربما لأن الأغلب يعتمد على الوضع الظاهر، وبالنسبة لوليامز، استمراره في التمثيل رغم مشاكله الكثيرة كان غطاء لاكتئابه، أو على الأقل جزءاً منه، مثله مثل الطالب المتنمر ضده في المدرسة، والذي قد يشتكي هذه المشكلة لأصحابه أو عائلته أو مرشده الأكاديمي، ولكن يتم التغاضي عن المشكلة أو تأجيلها أو تقزيمها بحجة أنها ليست بكبيرة أو بمهمة، لأن الطالب لا يزال مستمراً في الذهاب إلى المدرسة.
ما إن أعلن عن خبر وفاة وليامز حتى توالت التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي. لم أتوقع أن تكون بعض ردود الفعل الأولى تأكيداً على أن المال والشهرة لا يجلبان السعادة، في إشارة إلى انتحار وليامز، خاصة أن نفس هؤلاء يدعون إعجاباً بالممثل، بل توقعت الترحم عليه برحمة الله التي تسع جميع الناس والأشياء. ولكن هل كان وليامز فعلاً تعيساً؟
الأكيد بأن ذلك لن يستطيع تأكيده سوى الأقربين المقربين له. هل كان وليامز سعيداً؟ كتبت في مقالات سابقة عن السعادة، وأنها بالنسبة لناس تكون هدفاً للحياة، وفي دول ترى على أنها حق من الحقوق مثلها مثل الحق في التعبير والحق في الحياة الكريمة، فهل السعادة هدف؟ وإن كانت كذلك لماذا تتنوع إجابات الأطفال بين طبيب ومهندس وغيره إن سئلوا ماذا تريدون أن تصبحوا عند الكبر ولا يقولون نريد أن نكون سعداء؟ هل السعادة حق؟ عندها هل سيكون الناس فعلاً سعداء لو تم إهداؤها لهم مثل بقية الحقوق؟
قلما يعرف الناس السعادة، وما أكثر ما يضعون معايير لها، من مال وشهرة ومنصب وطول عمر وعائلة كبيرة وغيره، ولكن هل تكفي السعادة؟ وإن لم تكن كافية هل تُعتبر سعادة حقيقية؟ في رأيي لا تكون السعادة -بالمعيار الذي يحسبها به الشخص- كافية في بعض الحالات، لأن هناك مشاكل وأموراً أهم يجب مراعاتها والأخذ بها أولاً حتى يتم الوصول إلى السعادة الحقيقية أو على الأقل عدم السقوط في الهاوية.
هل الرجل الغني ذو المنصب والشهرة والعائلة المحبة، والمريض بمرض ينخر جسده ألماً ليل نهار، رجل سعيد؟ ومتى سيشعر بسعادته؟ وهل سيشعر بالسعادة طوال الوقت أو معظمه؟ وماذا عن الوقت المتبقي؟
في كثير من الأحيان لا تكون السعادة كافية للإنسان للتطلع إلى الحياة أو الاستمرار فيها عندما يُوجد في نفس الوقت مساحة كبيرة من الألم، سواء أكان جسدياً أو نفسياً أو واقعياً، وبالتالي يجب البحث عن أسباب المشاكل التي تواجه الشخص ومحاولة حلها قبل الركض وراء أسباب قد يظن بأنها أسباب السعادة الحقيقية من مال وشهرة وغيره، لأن إهمال هذه المشاكل قد يؤدي إلى مشاكل أكبر من الفشل أو الخوف منه. وفي النهاية لا يسعني إلا أن أودع وليامز بنفس التحية التي ودع بها الطلاب أستاذهم جون كيتنج في فيلم Dead Poets Society، وبقول:»Oh Captain, my captain».
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق