السبت، 18 يوليو 2015

لا تهدر نفسك

هناك أمور يجب على أي انسان أن يحافظ عليها ويحترمها في نظري، أهمها: الماء والوقت. فإن أضعت الماء، أضعت حياتك، وإن أهملت الوقت، أهملت روحك.
قد يبدو الماء والوقت للوهلة الأولى بلا أية قواسم مشتركة، والحقيقة أنني لم أجد أكثر منهم لبعضهم تشابهاً. الماء والوقت يحييان الإنسان، لا يمكننا العيش دونهما بلا اختلال في وظائفنا الحيوية والإنسانية، ولذلك ينتج عن هدر الماء ضياع الأجيال القادمة، أما الوقت، فهدره يذهب بصاحبه إلى القبر على قطار سريع لا يشعر فيه بالمحطات التي يمر عليها.
لا تخف عزيزي القارئ! لن أتحدث عن طرق المحافظة على الماء لأن المؤسسات والشركات الخيرية والخضراء ووزارات البيئة والتنمية المستدامة في كل مكان، استنفدت هذا الحديث، بطرق تقليدية وغير تقليدية. وإن كان من المهم الإشارة إلى أننا نتعامل مع الماء وكأنه شيء مسلم به ودائم لنا، مع أن نسبة المياه الصالحة للشرب على الأرض لا تتجاوز %3 ونسبة %97 الباقية هي لمياه غير صالحة للشرب! لا غريب فيما أقول ونحن نعامل الماء كمنتج مستدام كالبترول، وحتى الوقت فلا أحد يظن بأنه سيموت غداً، بل على العكس، نخطط ليوم الغد وما بعده لخمس سنوات قادمة. أعود مرة أخرى وأقول إنني لن أتطرق لطرق المحافظة على المياه لأنه ليس من تخصصي. موضوعي اليوم هو يومك الثمين عزيزي القارئ بكل دقائقه وثوانيه والعقارب التي تلاحق ساعاته. ماذا تفعل في يومك المعتاد سواء أكان يوم عمل أم عطلة أسبوعية أو سنوية أو حتى مرضية لم تكن سوى محاولة للهرب من العمل؟ هل تشاهد التلفاز فيه؟ هل تمارس الرياضة؟ هل تتحدث مع عائلتك عن يومهم وفيم قضوه؟ هل تذهب إلى قهوة الحارة لتجلس الجلسة نفسها في المكان نفسه لتشرب الشاي نفسه؟ هل يومك العادي روتيني بشكل معتاد أم أنك تغير فيه بحسب ما تسمح به الأحوال أو ما تجبرك عليه الظروف؟ أم أنك سيد يومك، فتختار ما تقوم به وما تتركه ليوم آخر لتفعله أو لا تفعله؟ أياً كان جوابك عزيزي القارئ فهو لك، وليس لي، ولكن ما يهمني في سؤالي هو أن تعرف في قرارة نفسك إذا كان في روتينك هدر لوقتك أم لا. كيف تعرف ذلك؟ من الفائدة التي تحصل عليها آخر اليوم. فإذا عرفت بأن روتينك اليومي لا يهدر من وقتك دقيقة، فاستمر عليه، بل وانصح غيرك به إن استطعت، أما إذا شعرت بأنك لا تستفيد الكثير من يومك أو أنك لست متأكداً من ذلك، فأبقِ على روتينك اليومي، ولكن زد عليه هذه الأمور الأربعة لتستفيد الكثير، ولئلا تهدر يومك:
أولاً، مارس الرياضة، ولو لعشر دقائق. الرياضة تمنح العمر الطويل والصحة الموفورة، وبها تضمن حياة مستقبلية أفضل لنفسك بأمراض أقل ومتاعب أخف.
ثانياً، قدم معروفاً. تصدق للغير أو اعمل خيراً لهم. هذا الفعل سيجعلك تخدم وتهذب نفسك أيضاً، ليس عبر الهبات المالية فقط، بل ببسائط الأمور كذلك، كالابتسامة وتقديم استشارة مجانية، أو مساعدة صديق في مأزق أو أزمة.
ثالثاً، تعلم معلومة جديدة. احرص على أن تقوم بهذا كل يوم، عن طريق قراءة المقالات المتخصصة أو الكتب أو مشاهدة فيديوهات في اليوتيوب أو عبر ورش التدريب أو النقاشات مع الأصحاب. تعلمك لمعلومة جديدة يشعل آفاقك وينشر نور المعرفة في طريقك. وهذا يجعلك أكثر قدرة على مواجهة المستقبل والتعامل مع ما سيواجهك بفاعلية أكبر.
رابعاً، حقق شيئاً لنفسك. لاحظ بأنني لم أقل «افعل شيئاً لنفسك» بل قلت «حقق شيئاً لنفسك! « الجملة الأولى قد توحي بأن استلقاءك يومياً لمشاهدة التلفاز لترتاح هو «فعل» شيء لنفسك، أما الثانية وهي ما أقصدها، تعني أن تخطو خطوة لتحقيق ذاتك وأهدافك، فإن كان حلمك أن تصبح طباخاً ماهراً، فاحرص على أن تعمل على تطوير هذه المهارة يومياً بابتكار أطباق جديدة وتحسين أو إضفاء طابع عصري على أطباق تقليدية. وإذا كان هدفك أن تصبح كاتباً، فخصص ساعات من وقتك للقراءة وساعة للكتابة. وإذا كنت تريد أن تتعلم لغة أو تعزف على آلة موسيقية، فهناك العشرات من البرامج الإلكترونية التي تساعد على تعلمهما، فابدأ وتصفحهما، لتبني مستقبلك.
يقول مارك توين: «الحياة قصيرة، اكسر القوانين، سامح بسرعة، قبل ببطء، أحب بصدق، اضحك بلا قيود، ولا تندم على شيء جعلك تبتسم في يوم ما». آمن بهذه المقولة، حتى لا يأتي يوم، تتمنى فيه رجوع دقيقة أهدرتها.


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...